في سبتمبر/ايلول العام 1964 حططت الرحال في الكويت بعد أن تركت العمل في شركة النفط في البحرين (بابكو) والتحقت بمهنة التدريس في الكويت و كنت بعد عصرية كل يوم في غالبية الأحيان أذهب إلى صيدلية الأهالي الكائنة في شارع عبد الله السالم، كانت بمثابة سفارة للبحرين في الكويت إذ يلتقي معظم أبناء البحرين العاملين في الكويت من شتى الفئات و الأطياف.كانت أيضاً هي عنوانهم الرئيسي لتلقي رسائلهم و كذلك للسؤال عن إقاماتهم في الكويت وتتذكر تلك الأجيال خلال سنوات الخمسينات والستينات تلك الحقبة الجميلة من تاريخ البحرين و الكويت ،كان هناك تجار من البحرين مثل جاسم الزياني وهو وكيل لبعض السيارات الفخمة و هناك المرحوم قاسم أحمد فخرو المختص بتجارة الأصباغ و موادها المختلفة ،وما أن أهلت نهاية العام 1956 حتى توافدت على الكويت أعداد أكبر من البحرينيين تركوا بلادهم لأسباب سياسية أو جاءوا إليها ليبحثوا عن أعمال أفضل من أعمالهم في البحرين ذات الأجور المتدنية و المردود المالي المحدود،ومن هؤلاء تاجراللؤلؤ والذهب المعروف محمد يوسف بوحجي حل في الكويت مع جميع أفراد أسرته و كانوا يسكنون في ضاحية المرقاب المواجهة لمديرية الأمن العام و كان هناك أيضاً حسن جواد الجشي جاء أيضاً مع أسرته و غيرهم كثيرون لا يسع المجال لذكرهم و هناك ثلاث شخصيات التقيتها في الكويت و شدتني إليها بقوة وهي علي سيار الذي طالما قرأت مقالاته في صحيفة» الخميلة» و الوطن في بداية الخمسينات عندما كنت طالباً في مدرسة الهداية الخليفية في المحرق، أما الشخصية الثانية فهي إبراهيم بن علي الصباح و كان أستاذنا في مدرسة الهداية الخليفية وأذكرأنه في العام 1950 من القرن العشرين الماضي نظم ناظر المدرسة غالب علي وهو من عرب الشام حملة لجمع المال لمعونة الشتاء و توزيعها على الطلبة المعوزين والمحتاجين وبلغ ماجمع خمس مئة روبية إلا أن المبلغ قد اختفى و لم يعرف مصيره ،وقاد إبراهيم الصباح انتفاضة سلمية مع مجموعة من المدرسين ليس هنا مكانها و سأعود إليها نظراً لطرافتها و لما حصل من شغب و لغط في المدرسة ،حدث كل هذا أمام أعيننا نحن الطلبة الصغار و لي عودة حميدة إنشاء الله للحديث عن تلك الواقعة .أما الشخصية الثالثة المهمة و التي شدتني كثيراً و أثارت فضولي و اهتمامي هي شخصية حسن جواد الجشي ولا أنسى أنني قد تعرفت عليه لأول مرة في مدينة القاهرة العام 1958 و ذلك بمبادرة كريمة من شقيقته بهية الجشي زميلتي في كلية الآداب جامعة القاهرة دعاني حسن إلى لقائه في مقهى جروبي في شارع الملك فؤاد وهذا هو الاسم الدارج والأكثرقبولاً وانتشاراً عند المصريين بدل شارع 26 يوليو/تموزوالذي أطلقه عليه رجال ثورة يوليو والتي قادها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر ثم ذهبنا جميعاً إلى شقته المفروشةإذ استقبلتنا عقيلته الكريمة. والتقيته بعد ذلك في الكويت والتي وصلها تحديداً في يناير/كانون الثاني العام 1957 والتقيته في صيدلية الأهالي لعدة مرات و كان يعمل في إحدى إدارات وزارة التربية بينما كنت أعمل مدرساً في مدارس تلك الوزارة و قد ترك الكويت في العام 1966 إلى دمشق مكرهاً لا بطل كما تقول العرب و ذلك لأسباب سياسية و عاد إلى البحرين في العام 1971 بمبادرة كريمة من صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل. و قد انتخب حسن في العام 1973 في الانتخابات العامة التي جرت آنذاك وأصبح أول رئيس لمجلس وطني منتخب انتخاباً حراً في البحرين وتوطدت علاقتي به أكثر في هذه الفترة إذ كنت مسئولاً لقطاع الصحافة والثقافة في وزارة الإعلام واستمرت هذه العلاقة الحميمة حتى بعد تركي البحرين في العام 1977 في يناير إلى بيروت حيث التحقت بأول عمل دبلوماسي لي والذي استمر حتى نهايةالعام 2002 وهوتقاعدي وعودتي إلى البحرين بعد ربع قرن قضيتها في الأسفار والحل والترحال.وابتداء من العام 1950 أصدر حسن مع رفاق له مجلة صوت البحرين الموسومة وتابعت مثل غيري من أقراني في تلك الفترة المبكرة مقالاته الأدبية والعلمية والثقافية بل والوطنية وقد نادى في سنوات الخمسينات تلك بإقامة مجلس تشريعي منتخب وكان مثل غيره من كتاب هذه المجلة يتناولون قضايا العدالة الاجتماعية وتحقيق الاستقلال من ربقة الاستعمار البريطاني، كان دوره بارزاً في هيئة الاتحاد الوطني عند انبثاقها في العام 1954 ثم في تأسيس جبهة وطنية واحدة من أجل زيادة اللحمة والقواسم المشتركة بين أبناء البحرين جميعاً إذا كانت الجالية البحرينية في الكويت تضم التجار والأدباء والمدرسين والصحافيين إنها جبهة معطاء وفاعلة ولها باع كبير في الكثير من المهن المختلفة وشاركت في إثراء المجتمع الكويتي لما لديها من خبرة ثرية واستعداد للعمل والبذل والعطاء. وكانت بيئة الكويت بعد ظهور النفط وانبثاق الثروة المالية الكبيرة ساحة مفتوحة استقبلت الآلاف من خيرة الكوادر العربية والأجنبية في مختلف المهن والميادين وقد كانت الموارد المالية الضخمة الناتجة عن تدفق النفط أكبر من قدرة الكويت على استيعابها لأنها نتجت عن تلك الطفرة الاقتصادية والمالية المباغتة وغير المؤاتية، وقد صاحبتها حركة من البناء والإعمار ووجدت حاجة ماسة إلى الأيدي والكوادر العاملة من جميع أصقاع العالم لتواكب نهضتها المدنية والإنمائية إلا أن العنصر العربي بأطيافه وطوائفه المختلفة كان هو الغالب في الساحة الكويتية
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1511 - الأربعاء 25 أكتوبر 2006م الموافق 02 شوال 1427هـ