أعرف المكانة العالية التي يتبوأها السيد السيستاني بين اتباعه ليس في العراق وحدها بل في دول أخرى، وأدرك ان هذه المكانة ليست دينية فقط بل سياسية ايضاً، وأدرك بالتالي ان هذه المكانة تؤهله لفعل الكثير على الساحة العراقية التي يتعرض ابناؤها كل يوم للقتل والانتهاك والتدمير، هذه المآسي التي لا يتضح في الأفق القريب ما يوحي بانفراجها، بل إن كل الدلائل تشير الى مزيد من الآلام والانقسامات المؤلمة التي ستصيب ابناء العراق.
كان مؤتمر مكة الذي دعت إليه منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة فرصة حقيقية للسيد السيستاني لكي يشارك وبقوة في اصلاح الاوضاع في العراق، كنت اعتقد ان هدف المؤتمر النبيل كاف لجعله يحضر الى مكة ليكون هو الداعم الأقوى لمقررات المؤتمر وكنت اعتقد كذلك ان حقن دماء الملسمين _وهي اغلى شيء عند الله_ بالتأكيد ستدفع السيد السيستاني لعمل اشياء مهمة تعادل اهمية تلك الدماء المراقة من دون ثمن وكل يوم، لكن السيد لم يحضر واذاكان له عذر في عدم الحضور كنت اتمنى ان يرسل من ينوب عنه.
اعرف ان مصدراً في مكتبه اعلن انه يدعم ويبارك مؤتمر مكة، واعرف كذلك ان مدير عام العلاقات في ديوان الوقف الشيعي وممثل الشيعة في اللجنة التحضيرية لصياغة الوثيقة صلاح عبدالرزاق أكد ان السيد يدعم وثيقة المؤتمر وانه ارسل رسالة بهذا الخصوص، ولكن كلنا كنا نتمنى أن تكلل هذه المباركة بحضور من يمثل السيد السيستاني في المؤتمر.
التمس للسيد الاعذار وأقول ربما يعلم عن أمور الاحتلال ما لا أعلمه، ربما لديه معلومات خاصة لا يعلمها كل أحد، ربما يعلم عن موعد خروجهم من العراق في وقت قريب ولهذا لا يرى مصلحة من اثارتهم، كنت اقول هذا وسواه معللاً صحته شبه التامة.
مؤتمر مكة فرصة حقيقية لانقاذ العراق من محنته فقد أوصى هذا المؤتمر بانهاء الفتنة الطائفية، هذه الفتنة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى في بلد كان لا يعرف هذا النوع من الفتن طيلة تاريخه الطويل.
كما أوصى المؤتمر بإنهاء التهجير وكذلك الاعتداء على دور العبادة وحرم اموال المسلمين ودماءهم واعراضهم.
المهجرون في العراق بحسب احصاءات مفوضية الأمم المتحدة العليا للأجئين بلغوا نحو سبعمئة وخمسين ألف مهجر ارغموا على الخروج من مساكنهم بسبب مذاهبهم ما جعلهم يفرون الى اماكن أخرى عند اقاربهم احياناً وعند سواهم احيانا أخرى.
أما الاعتداءات على الانفس والاعراض والاموال فهي حال شبه يومية واحياناً بصورة وحشية فهناك المئات يعذبون ثم يقتلون وترمى جثثهم بطريقة همجية تنم عن حقد كبير، ومثل ذلك الاعتداء على العلماء من كل التخصصات ودور العبادة على اختلافها. توصيات المؤتمر كلها جيدة لكن المهم ليس في التوصيات وانما من الذي سيتولى تنفيذها؟! الحاضرون لا يملكون آلية التنفيذ وهذا المؤتمر ليس الأول من نوعه فقد سبقه مؤتمر القاهرة ومؤتمر عشائر العراق ولكنه فيما يبدو لي قد يكون الاهم لانه جاء في لحظة حالكة السواد استشعرها العراقيون والعرب، وربما خصوصية الزمان والمكان تعطيه ميزة أخرى.
من أجل ذلك كله ينبغي استغلال هذه الفرصة التي ربما تكون الأخيرة قبل الطوفان ولا يكفي ان نقول إن التكفيريين وراء حوادث القتل والتدبير ولا يكفي ان نقول إن «القاعدة» وانصارها وراء ما يحدث في العراق، ولا يكفي القول إن الشيعة وميليشياتهم الخاصة هي وراء ما يحدث في العراق، ولا يكفي الحديث عن دور المحتلين في إيقاع الفتنة بين ابناء البلد الواحد... كل ذلك لا يكفي لانه - ببساطة - لن يحل المشكلة ...حل المشكلة في تكاتف كل ابناء العراق ، فما يحصل الآن خسارة كبرى لكل واحد فيهم.
ومن هنا تكمن أهمية رموز العراق الكبرى مثل السيستاني صاحب التأثير السياسي والديني وثقتي عالية بأنه سيمارس تأثيره في وثيقة مكة لتحقيق التأثير المطلوب
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ