العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ

كل الخطط سيئة... في العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخبار العراق لاتزال تحتل المرتبة الأولى دولياً وإقليمياً ومحلياً. في الولايات المتحدة عقد الرئيس جورج بوش سلسلة اجتماعات لمناقشة المستجدات بعد أن سجل شهر رمضان أكبر خسائر في جنود الاحتلال. الاجتماعات كانت سرية وحاولت الإدارة التقليل من أهميتها مشيرة إلى أنها روتينية وتعقد عادة لتقدير الموقف واتخاذ خطوات بشأن التطورات. ونفت الإدارة وجود نية للإعلان عن خطة للانسحاب واكتفت بالقول إن الاستراتيجية ثابتة ولن تتغير حتى تحقق واشنطن أغراضها من الحرب. ولكن المعلومات التي تسربت عن الاجتماعات ذكرت أن الإدارة بدأت تضع فكرة الانسحاب على جدول الأعمال وأخذت تعترف للمرة الأولى بوجود أخطاء وثغرات وصعوبات وأنه لابد من معالجة مختلفة للأزمة.

المعلومات غير واضحة ولكنها تجمع على وجود سيناريوهات جديدة تتضمن مجموعة خطط تبدأ بإعادة النظر في تطوير التكتيكات وتنتهي بالانسحاب على مراحل. وذكرت المعلومات أن المجتمعين استعرضوا ثماني خطط وهي كلها سيئة كما قال أحد المطلعين.

كل الخطط سيئة. هذا هو العنوان المشترك. ولكن ما هو السيئ من وجهة إدارة أميركية تشكلت من الصنف الرديء؟ وكيف تعرّف الإدارة السيناريو السيئ؟ وهل السيئ هو جيد أم ماذا؟ كل هذا لم تتضح معالمه حتى الآن. والمرجح أن «البيت الأبيض» يعتبر السيئ هو الاعتراف بفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، ولكن بوش يصر على أن قرار الغزو جيد ولم يفشل وأنه حقق الأغراض التي أرادها.

فكرة الانسحاب إذاً غير واردة الآن ولكن باتت للمرة الأولى من السيناريوهات المطروحة والاختلاف يقتصر فقط على التوقيت والوسائل والتدرج والمراحل التي يجب أن يتوافق عليها حتى لا تدب الفوضى وتخرج عن نطاق السيطرة.

هذا في أميركا. وفي بريطانيا يبدو وضع رئيس الحكومة طوني بلير أسوأ من حليفه بوش. فبلير يتعرض إلى ضغوط شعبية وإعلامية تطلب منه الإسراع في الانسحاب مهما كان الثمن. والاستطلاع الأخير أشار إلى أن غالبية البريطانيين تحث حكومة بلير على اتخاذ هذا القرار. هذا ما أشار إليه قبل أكثر من شهر رئيس الأركان حين ذكر أن وجود قوات الاحتلال يشكل مصدراً للقلق والتوتر.

أما في الجانب الإقليمي تبدو الأمور أسوأ من المتوقع. فالرأي العام في دول الجوار أخذ يتجه نحو المزيد من الرفض للاحتلال وباتت الشعوب التي وعدتها واشنطن بالرخاء والاستقرار والرفاهية والحرية و»الديمقراطية» تشكك بنوايا أميركا واستراتيجية الولايات المتحدة في «الشرق الأوسط» الكبير أو الصغير. والتقارير التي دأبت السفارات والقنصليات على إرسالها إلى مكاتب وزارات الخارجية في أوروبا وأميركا أخذت تميل إلى الاعتراف بعدم وجود تعاطف في الشارع العربي مع تلك الشعارات البراقة التي تبين لاحقاً أنها مجموعة أكاذيب طرحتها واشنطن لرشوة شعوب المنطقة وشراء سكوتهم والصمت عن فضائح القتل والتعذيب.

أما في العراق فتبدو الأمور تسير من أسوأ إلى أسوأ. ونذر الكارثة المتوقعة في حال حصول فراغات أمنية تشير إلى احتمالات مخيفة لا تقتصر على اندلاع الحروب الأهلية وانفجار الصراعات المذهبية والطائفية والمناطقية وإنما بدأت تظهر على سطح العلاقات بوادر انقسامات داخل الطائفة أو المنطقة نفسها. ففي البصرة والعمارة شبت مواجهات مسلحة بين «جماعة الصدر» و»جماعة الحكيم» وتترجمت في مواجهات دموية بين «جيش المهدي» و»فيلق بدر». وفي الأنبار بدأت تتشكل خطوط تماس حامية ودموية بين العشائر السنية المدعومة من أحزاب سياسية وحركات تقليدية وبين تلك الجماعات المجهولة العنوان والهوية التي تقتل وتفجر وتفتك وتطرد الناس من مناطق إقامتهم.

صورة قاتمة

العراق إذاً في حال غليان دموي لا تعرف من الآن الاتجاهات التي سيذهب إليها في حال استمر الاحتلال أو انسحب أو أعاد الجيش الأميركي انتشاره بحسب ما ذكرت المعلومات عن وجود تكتيكات جديدة تخدم الاستراتيجة الأساسية.

إلا أن المؤشر العام يدل على أن معالم السيناريو ترسم صورة سيئة عن المستقبل على رغم كل التطمينات والادعاءات التي تحاول الحكومة العراقية طرحها كغداء يومي للناس.

كل الخطط سيئة. إذا لم تنسحب قوات الاحتلال الوضع سيئ، وإذا تجمعت في قواعد عسكرية ومهابط طيران الوضع سيئ، وإذا انسحبت على مراحل الوضع سيئ، وإذا انسحبت فجأة ومن دون سابق تخطيط وإنذار الوضع سيئ.

هذا من جانب الاحتلال. أما من جانب العراق فكل الاحتمالات تشير إلى فضاءات سيئة. إذا استمر الاحتلال فالوضع باق على حاله وربما سار إلى مزيد من العنف والانهيار، وإذا تجمعت قوات الاحتلال في ثكنات وتحصينات الوضع سيتجه نحو التصعيد الدموي، وإذا انسحب الاحتلال من دون خطة يرجح أن يتجه الوضع إلى مزيد من الفراغ الأمني، وإذا انسحبت القوات المحتلة على مراحل فإن الحكومة العراقية غير قادرة على ضبط أمن المحافظات والأقاليم وفرض سيادة الدولة عليها.

حال العراق وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على «النموذج» الأميركي في أسوأ الحالات. فهو سيئ للاحتلال، وسيئ للحكومة، وليس جيداً للطوائف والمذاهب والمناطق، وغير مريح للمحافظات والأقاليم والأقوام، ولا يبشر بالخير لشعوب المنطقة ودول الجوار.

حتى المقاومة تبدو في حال من التفكك والتشرذم وعدم التوافق على البديل. المقاومة موحدة على رفض الاحتلال وطرده ومتوافقة على ضرورة مكافحة شبكات الإرهاب التي تمولها وتسهل أمورها وعبورها أجهزة دولية ليست بعيدة عن «الموساد» إلا أن هذه المقاومة تحولت بفعل التشرذم الأهلي إلى مقاومات تحتاج إلى تنسيق لاختيار بديل موضوعي عن ذاك «النموذج» الأميركي.

هناك فعلاً مشكلة واقعية وهي ليست ناجمة عن الاحتلال وإنما تشكلت سياسياً بسبب تلك الفراغات الأمنية التي ظهرت فجأة بعد تقويض دولة العراق. فالاحتلال الذي نجح في تحطيم الوعاء الدستوري (الدولة) لبلاد الرافدين انسكب الماء وسالت الدماء من دون إدراك لمخاطر ذلك العنف الكامن في الجماعات الأهلية.

انكسار الإناء وتحطمه بفعل ضربات الاحتلال أسهم في تكوين مراكز قوى أهلية مناطقية (مذهبية وأقوامية) اعتمدت سياسة محلية لا تكترث كثيراً لمسألة «الدولة» وأهميتها السياسية في بلد متشرذم إلى طوائف وعشائر.

المقاومة أو المقاومات العراقية تحتاج فعلاً إلى تطوير فقه الدولة في وعيها السياسي. فمن دون وعي أهمية موقع الدولة ودورها يصعب على المقاومة أن تشكل ذلك البديل الدستوري الواقعي الذي يجمع الأطياف في فترة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق. فالانسحاب فجأة أو على مراحل سيترك فراغات أمنية واقعية ولا يستبعد أن تنجذب تلك المقاومات «السرية» إلى التصادم في مناطق الفراغات. وهذا يعني في حال حصوله سقوط العراق في دوامة من العنف لن يخرج منها إلا بعد انهيار مقوماته الاقتصادية والأهلية.

كل الخطط سيئة. والأسوأ من ذلك ضعف فكرة الدولة في وعي المقاومات العراقية وانتفاء تلك البرامج السياسية التي تكشف عن خطط عاقلة لفترة ما بعد الانسحاب الذي سيحصل في النهاية سواء أنكر بوش الأمر أو بدأ يفكر به للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.

سؤال «ماذا بعد الانسحاب الأميركي» لابد من طرحه على جدول أعمال المقاومات العراقية. والسؤال يستدعي مجموعة أجوبة تتعلق بالخطط العامة وإعادة تعريف الدولة والهوية وكذلك التفاهم على برامج تعيد جذب تلك القوى المحلية إلى المركز ومنع انهيار الأطراف وانحرافها أو استقلالها عن دائرة الوطن.

كل هذه الأجوبة باتت ملحة ومن الخطأ تأجيل بحثها إلى ما بعد فترة الانسحاب. فالخروج الأميركي من العراق بات من الاحتمالات الواردة، ولكن المشكلة لن تتوقف مع نهاية الاحتلال. فبعد هذه المرحلة هناك تحديات كثيرة ستواجه العراق تبدأ بالتشرذم إلى دويلات وتنتهي بإعادة تصنيع ذاك الوعاء (الدولة) الذي تقوض بالقوة وتحطم إلى أشلاء تنظيمية لا تملك خبرة أو معرفة بإدارة البلاد.

أخبار العراق لاتزال تحتل موقع الصدارة في الأنباء العالمية وآخرها هي مناقشة الإدارة الأميركية مجموعة سيناريوهات منها احتمال الانسحاب من بلاد الرافدين. إلا أن تلك الأخبار ستبقى موقوفة حتى تكتمل معالم الصورة. والصورة كما تبدو من واقع العراق مهشمة على مذاهب... وكل طائفة ومنطقة تعيش حالات قلق وتوتر وانقسامات جزئية داخلية. هذا التصور القاتم يرفع من نسبة المخاوف ويرجح مقولة سلبية عن المستقبل بسبب توزع «المقاومات» وعدم قدرتها على تشكيل تصور موحد عن البديل ودولة العراق المنتظرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً