العدد 1509 - الإثنين 23 أكتوبر 2006م الموافق 30 رمضان 1427هـ

لا خروج من الفوضى ما لم ترتفع الوصاية الأميركية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

إننا نشعر أنّ توالي المخاطر على الأمة، واتّساع دائرة التهديدات، يحتّم علينا جميعاً أن ننتقل من موقع ردّ الفعل إلى موقع الفعل، لنواجه الهجمة العالمية المتصاعدة علينا؛ لأننا نعتقد أن الحملة المتصاعدة على الإسلام تجاوزت حدود الدول حتى المحاور، بحيث لم تعد تقتصر على محور من المحاور الدولية، وخصوصاً وقوف أميركا - الإدارة - رأس حربة في مشروع الحرب الثقافية والإعلامية والسياسية، حتى الأمنية، ضد الإسلام.

إن من واجب المسلمين جميعاً في داخل بلدانهم وفي جالياتهم المنتشرة في الخارج، وخصوصاً في البلدان الغربية، أن يتحركوا، بحجم طاقاتهم وإمكاناتهم، للدفاع عن الإسلام في نطاق عملية واسعة تشمل الجوانب الثقافية والفكرية والإعلامية، وتفضح الألاعيب السياسية، وتوضّح المفاهيم الإسلامية السامية للشعوب والأمم الأخرى، وخصوصاً أولئك الذين كانوا الضحية للدعاية الأميركية والصهيونية، أو الذين تأثروا بالهجمات المتعاقبة ضد الإسلام التي انخرطت فيها مواقع دينية أيضاً.

إننا نعتقد أن عملية التحدي وردّ التحدي في هذا السياق لن يُكتب لها النجاح الكبير ما لم يتحسس المسلمون مسئولياتهم على مستوى حماية وحدتهم، وشعورهم بأن الإسلام هو أكبر وأهم منهم كمذاهب وطوائف حتى كأعراق وبلدان ودول. ولذلك، فإن العمل على حماية الوحدة الإسلامية ووأد الفتنة في أي موقع إسلامي هو من أفضل القربات التي نتقرب بها إلى الله تعالى، ولا يقلّ أهمية عن مواجهة المستكبرين والجهاد ضد المحتلين والغاصبين، ونحن مع كل مسعى صادق إلى تقريب وجهات النظر بين المسلمين السنة والشيعة والحفاظ على وحدتهم وحمايتها، ونريد أن ندفع بكل الإمكانات ليكون الخط الوحدوي هو الخط الذي تنطلق الأمة كلها معه، كما نريد للحركات والأحزاب والشخصيات الإسلامية أن تشعر بمسئولياتها لحماية هذا الخط، في عملية خروج من الأطر والغايات والمصالح الذاتية إلى ما يهم الأمة كلها.

في ضوء ذلك، فإننا ندعم ونبارك مبادرة منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمر المصالحة في مكة المكرمة في مسعاه لوأد الفتنة في العراق، وإن كنا نعتقد أن ممارسة المسئولية لا تقتصر على التوقيع على وثيقة تنبذ الفتنة وتدين القتلة الذين يستحلون دماء المسلمين والأبرياء فحسب، بل لابدّ من العمل الحثيث على وضع آلية عملية تلزم الجميع بالعمل لمحاصرة الجهات المجرمة والفئات التكفيرية، التي تشوّه كفاح المقاومة الشريفة التي توجّه البنادق ضد المحتل، بالإضافة إلى تدخّل منظمة المؤتمر الإسلامي مع بعض الدول الأعضاء فيها لمنعها من الوقوف مع المحتل الأميركي، ووقف الحملات الإعلامية التي تثير الفرقة بما فيها الكتب التي تقوم بدور تحريضي على هذا المذهب أو ذاك، بما يؤجّج الصراعات الداخلية في الأمة، ويخلق مناخات تؤسس لفتن جديدة قد تمتد إلى مواقع متفرقة داخل العالم الإسلامي والعربي.

إن على العرب والمسلمين في هذه المرحلة بالذات، أن يقفوا مع الشعب الفلسطيني ليدعموه قولاً وفعلاً، ولا يتصدّقوا عليه بمساعدات آنية ثم يتركوه لمصيره في ضغط الاحتلال الصهيوني لدفعه إلى الاستسلام، وفي حركة أكثر من مسعى دولي إلى إحداث فتنة داخلية بين الفلسطينيين تقود إلى حرب أهلية وإلى التسليم بالشروط الإسرائيلية في الاعتراف بالعدو، من دون الحصول على أية نتيجة ومن دون تحقيق أي هدف فلسطيني كبير.

إننا نعتقد أن المرحلة التي نطل عليها هي من أخطر المراحل؛ لأن الإدارة الأميركية الحالية لاتزال تشعر بأنها تستطيع توظيف أوراق جديدة في مشروعها المتعثر في المنطقة بعد كل ما جرى في العراق، حتى بعد فشل أهداف الحرب الأميركية الإسرائيلية على لبنان، وهي تتحرك مع أكثر من طرف دولي حتى عربي لتوفير مناخات ضغط جديدة ضد دول الممانعة، وخصوصاً إيران وسورية، وضد حركات المقاومة وخصوصاً المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، كما أنها تجمع أوراقها مع «إسرائيل» لمعرفة المحصّلة في حسابات الربح والخسارة في خيارات الحرب أو الاهتزازات التي تحضّر لها، وفي سعيها إلى إيجاد تكتّل عربي وإسلامي يطوّق إيران ويحاصرها تحت عنوان مواجهة طموحاتها النووية، ويفتح - في المقابل - نافذة للحوار والتفاوض مع «إسرائيل» لتكون العضو الطبيعي في جسم الأمة، وتكون إيران بمثابة العنصر المشاغب الذي تنخرط الأنظمة العربية لمواجهته وتطويعه وجعله ينسجم مع الحركة الأميركية في المنطقة، كما يراد لسورية أن تخضع إلى ذلك في عملية ابتزاز سياسي عربي ودولي متواصلة.

وفي لبنان، نشدد على ضرورة أن نظل في خط الحوار والوحدة الداخلية الذي يحمي المقاومة، ويمنع من أخذ البلد نهائياً إلى أحضان الوصاية الأميركية والغربية، وعلى اللبنانيين أن يعرفوا أن البلد لن يخرج من دائرة الاهتزاز إن لم ترتفع أيادي هذه الوصاية عن لبنان، ولذلك لابد من القيام بحركة جامعة شاملة في هذا السياق يشترك فيها الجميع في حوار هادئ وهادف قبل قدوم قطار الفوضى الأميركية الذي يتحضّر لمرحلة جديدة على أبواب الانتخابات الأميركية النصفية أو في أعقابها

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1509 - الإثنين 23 أكتوبر 2006م الموافق 30 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً