كم نحن رائعون في العيد، كم تتسع أرواحنا وتمتد لتستوعب الآخرين وتشملهم بالود والرحمة. إنه يوم جديد، يوم تشرق فيه الشمس بوجه آخر، يوم لكثرة فرحنا به سميناه عيداً. لقد جاءت كلمة العيد في القرآن الكريم من خلال الحوار الذي دار بين النبي عيسى (ع) وأصحابه، إذ طلبوا منه أن ينـزّل الله عليهم مائدة من السماء فقالوا: «تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا» (المائدة: 114)، ويعرف أبو الفضل جمال الدين في موسوعته «لسان العرب» العيد بأنه هو كل يوم فيه جمع، وسمي بالعيد من اشتقاقه من العادة والعودة، فجعل العيد من عاد يعود، ويقال عيد المسلمون أي شهدوا عيدهم.
وقد ارتبط العيد لدى المسلمين بطاعة إيمانية يفرحون بتأديتها، ولعل قول الإمام علي (ع): «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه» خير ما يمثل ذلك، فالعيد ليس مناسبة أملتها ظروف عابرة، إنما هو محطة نوعية لها دلالات مرتبطة بالإرادة الإلهية ما نعجز عن فهمها، إذ لا يقاس العيد بابتهاج الأمة بقدر ما يقاس بانبعاثها من جديد.
لقد ارتبط العيد بالفرح والبهجة، تنطلق فيه الناس على سجيتها بالفطرة، وتظهر العواطف الإنسانية في أوجها، وتبتسم الوجوه، ويعم الحب وتتجلى أواصر القربى، وتمتد الأيدي من دون منة أو كلفة، ويجتمع فيه الفرقاء، كيف لا واليوم عيد، يعود فيه كل إلى بيته الكبير، الذي يجد فيه روح الماضي والذكريات، لا أدري لماذا العيد يذكرنا دائماً بأيام الطفولة. بل لم نستعدِ الفرح نفسه في اليوم نفسه؟ إنه سر العيد، فلنفرح جميعا بالعيد، إنه يوم يستحق فيه الفرح. فيا أيها المثقلون بالأعباء افرحوا لأن أعباءكم أبعدت عن عواتقكم قليلاً. أيها المفجعون بالمصائب افرحوا بالعيد لأن الله وهبكم يوماً لا تحزنون فيه.
إنه العيد ملتقى الصغار بالكبار، فالعيد يكمن معناه في اليوم لا اليوم نفسه، هو عيد المناسبة العابدة، لا المناسبة العابثة، فليس العيد للمجون واللهو، إنما هو عيد انتصار الروح على الشيطان بعد موسم الطاعة والعبادة والسجود. عيد لاسترجاع النفس من الضغن والشحن لنتصافى نحو الحب والخير، لنتواصى فيه جميعاً بالخير والحق.
إنها دعوة للتفاؤل، حتى يرجع البلدُ العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي. ذلك التفاؤل الذي يتجاوز فيه وطننا محنته، ليس العيد إلا إشعاراً لنا بأننا نمتلك من القوة ما يمكننا أن نستعيد عافيتنا ونمتلك روح المبادرة لتسير السفينة بسلام. فالعيد دعوة للحق وأمان من الفرقة، فلو كبرت قلوبنا وعقولنا كما نكبر بألسنتنا في العيد لغيرنا من وجه الوطن
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1509 - الإثنين 23 أكتوبر 2006م الموافق 30 رمضان 1427هـ