يبدو أن هناك تقدما ملحوظا في الانتخابات النيابية المقبلة التي ستجرى في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 فأعداد المترشحين للدورة الثانية زادت على أعدادهم في الدورة الأولى (2002)، وذلك نتيجة المقاطعة وأسباب أخرى كحداثة التجربة، وبدايات الإصلاحات السياسية، فإن أعداد المترشحات أيضاً زاد إلى الضعف؛ فقد بلغ عدد المترشحات في الدورة الأولى (8) فقط في حين بلغ عددهن حاليا (18)، وهذا يعكس تقدما ملحوظا لصالح نضج الوعي السياسي للمرأة عموماً، ونحتاج إلى قياس نضج الوعي السياسي المجتمعي من خلال فوز إحداهن من خلال المنافسة. فإلى الآن استطاعت أن تقتحم أسوار المجلس النيابي وأن تكسر الحاجز النفسي النائبة الأولى البحرينية لطيفة القعود، فقد فازت بالتزكية في الدائرة السادسة للمحافظة الجنوبية التي تقدر أعداد ناخبيها بـ 1200 ناخب وتعد الدائرة الأقل كثافة من حيث الكتلة الانتخابية والبقعة الجغرافية، ولم يفز غيرها من الرجال بالتزكية وكادت الدائرة الرابعة البالغ عدد ناخبيها 1911 ناخباً بالمحافظة نفسها أن يفوز مرشحها بالتزكية لولا دخول منافس جديد على الخط وخلط الأوراق في اللحظات الأخيرة ولكن الأمر سيحسم من جديد في الجولة الأولى.
نظرة أكثر عمقا لخريطة المترشحين للمجلس النيابي يتضح من خلالها أن أعداد المستقلين الذين يرغبون في الترشح فاقت أعداد المدعومين من جمعيات سياسية سواء على صعيد الرجال أم النساء، فالغالبية المطلقة ينزلون مستقلين. وعلى مستوى الأرقام فقد بلغت أعداد المستقلين 120 بنسبة 54 في المئة (أكثر من النصف)، وهذا يعكس إخفاق الجمعيات السياسية في إقناع أعضائها وجمهورها بالالتزام بقراراتها.
فالمحافظة الشمالية على سبيل المثال والتي تعد أحد معاقل «الوفاق» الانتخابية حوت 50 مرشحا، 40 منهم مستقل بنسبة 80 في المئة، و57 مرشحا للمحافظة الوسطى، و49 مرشحا في محافظة العاصمة، من بينهم 4 نساء.
وتبارت الجمعيات السياسية فيما بينها في التحالفات السياسية، واستطاعت «الأصالة» و»المنبر» التحالف في بعض الدوائر بدلا من التقاتل كما حدث في الانتخابات السابقة، لتحقيق المصالح المشتركة، كما أصبح هناك إجماع من قبل الجمعيات السياسية للنزول إلى المعترك الانتخابي بقوائم انتخابية... إلا أن جمعية العمل الإسلامي قررت المشاركة، ولكن عبر ممثلين لها ينزلون بشكل مستقل، وليس من خلال قوائم انتخابية، وبرزت إلى السطح أيضا قوائم جديدة كقائمة الوحدة الوطنية وحركة العدالة الوطنية.
فجمعية الوفاق الوطني الإسلامية حاليا طرحت أكبر قائمة نيابية مكونة من 19 مرشحاً إلى جانب التحالفات السياسية الأخرى، مع حلفائها في جمعية العمل الوطني الديمقراطي، والمنبر التقدمي، والتجمع القومي، والعمل الإسلامي من خلال الشق البلدي، إذ لم تتوصلا إلى توافق بخصوص التحالف في الشق النيابي.
كانت هناك تخرصات بشأن مشاركة المعممين في الساحة السياسية، فالبعض لا يرى في علماء الدين حاجة إلى المشاركة السياسية وأن عليهم التركيز بدرجة أكبر على الأبعاد الفقهية والدينية، لا لانتقاص في حقهم وفي قدرتهم على التعاطي مع الملفات السياسية، بل لأنهم موجودون على أية حال في الحياة العامة ولهم رؤاهم وتصوراتهم. وفي ظل الأرقام فقد بلغت أعداد المترشحين من علماء الدين 35 بنسبة 15 في المئة من أعداد المترشحين.
ونظرة سريعة إلى كل الدوائر نجد بداية أن هناك فعلاً معارك انتخابية حامية الوطيس في كل الدوائر بلا استثناء وأن هناك دوائر ربما تكون أسهل من غيرها وأن هناك دوائر تبدو أكثر صعوبة، بل بات من العسير التكهن بالمترشح الذي ربما يفوز أو حتى يتأهل للجولة الثانية.
وتشهد الدائرة الثالثة بمحافظة العاصمة تنافسا مشوقا غير عادي؛ فهناك تنافس محموم بين 7 مترشحين، ويبدو أن قدرة الجمعيات السياسية على التحالف قد نفدت ولم يتبق فيها شيء عندما وصلوا إلى الدائرة، فنظرة فاحصة نجد أنه إلى جانب وجود الشخصيات المستقلة كمترشحين في الدائرة فإن هناك مرشحا لـ «الوفاق» ومرشحا لـ «العمل الإسلامي» ومرشحا لجمعية العمل الوطني الديمقراطي ولكل مرشح من المرشحين الثلاثة عنوان فهناك عالم الدين الذي هو في الغالب مبعث ثقة، ولكن هناك شخصية معممة أخرى تترشح بشكل مستقل، إلى جانب كون الدائرة أحد معاقل «الوفاق»، وهناك الشخصية الاجتماعية الشعبية ولا يمكن الانتقاص من مدى قربها من الناس فهي موجودة في كل مكان، وهناك صاحب التاريخ السياسي ونحن البحرينيين عموما نحترم التاريخ السياسي... وفي النتيجة النهائية لا نعرف من يحسم له الأمر في الدائرة.
والأمر ربما يتكرر، ولكن بصورة أخف في الدائرة الثالثة بالمحافظة الوسطى، إذ تتبارى فيها «الوفاق» مع حليفتها «العمل الديمقراطي» إلى جانب مشاركة المستقلين و»المنبر الإسلامي»، فهناك ثلاث جمعيات سياسية تتنافس على المقعد النيابي من خلال مرشحيها، وتمثل الدائرة أحد المجسات السياسية لقياس قوة التيار في الدائرة وخصوصا أن هذه الدائرة (مدينة عيسى) مختلطة ومتنوعة وتتشكل من تيارات فكرية متنوعة بتنوع التيارات الفكرية في البحرين.
الدائرة الوحيدة التي لم يترشح فيها سوى مترشح واحد هي الدائرة التي فازت فيها لطيفة القعود (سادسة الجنوبية)، وهناك دائرتان على الأقل يتنافس فيهما مترشحان هما الدائرة الثالثة بمحافظة المحرق بعكس الدوائر الأخرى في المحافظة نفسها فتبدو معقدة من أعداد المترشحين وانتماءاتهم الفكرية، والدائرة الرابعة بالمحافظة الجنوبية حيث يتنافسون فيها بشكل مستقل، تليها الدائرة السادسة بالمحافظة الوسطى، إذ بلغ عدد المترشحين فيها 3 («الوفاق» ونائب سابق ومستقل). ننتقل بأعيننا إلى الدائرة التاسعة بمحافظة الوسطى رغبة منا في الوقوف على أسباب اعتكاف الرئيس السابق لمجلس النواب وتسجيله في اليوم الأخير في الوقت الضائع، هل هو نوع من الدعاية الانتخابية أم أن هناك أسباباً موضوعية يمكن تحسسها؟ فنظرة فاحصة لخريطة الدائرة نجده على اثرها أنها لا تقل سخونة عن الدوائر الانتخابية الأخرى؛ فقد بلغ عدد المترشحين فيها 5 من بينهم رئيس المجلس النيابي السابق وأربعة آخرون، بشكل مستقل أبرزهم أحد أفراد العائلة الحاكمة، ولقد حاولت الجمعيات السياسية المحافظة على مستوى علاقاتها مع الرئيس السابق الظهراني فقد قررت عدم المنافسة في الدائرة، وبعد أن سجل أحد مترشحيها تقرر سحبه بشكل مستعجل، بمجرد تأكدها من ترشحه، ولا ندري لصالح من ستكون النتيجة في ظل تنافس محموم والكل واثق في الفوز بثقة الناخب؟
في رابعة العاصمة أيضا هناك معركة ضارية بين مرشح «الوفاق» والرئيس الأول لمجلس النواب، في معقل يعد من أهم معاقل «الوفاق» مع وجود مترشحين آخرين.
والوضع يبدو مختلفا فالأوضاع الانتخابية جد طبيعية بالنسبة إلى الدائرة الأولى بمحافظة المحرق التي يترشح فيها النائب الثاني لمجلس النواب السابق مع أربعة مترشحين آخرين، ويبدو أن قرار المعاودة الانتقال لهذه الدائرة تحديدا سليم لاستقرائه وضع الدائرة، في حين انتقلت السخونة إلى الدائرة السابعة في المحافظة ذاتها وهي ما تعرف بالدائرة «الحديدية»، إذ بلغ عدد المترشحين فيها ستة ويتنافس فيها كل من: «المنبر الإسلامي» وحركة العدالة الوطنية إلى جانب مستقلين. وتنتقل أيضا أجواء التنافس المحموم إلى الدائرة الأولى الجنوبية والبالغة أعداد ناخبيها 5495 ويتنافس فيها أربعة مترشحين من بينهم رئيسة الاتحاد النسائي وعضو حركة العدالة الوطنية إلى جانب مرشح جمعية الميثاق والنائب السلفي المستقل والشخصية الأكثر جدلا للدورة السابقة 2002، ولا نعرف إلى أين تتجه بوصلة الناخب وإلى أي المعايير سيستند في اختيار مرشحه للدورة المقبلة؟
وننتقل إلى المحافظة الوسطى، الدائرة الأكثر إثارة هي الرابعة، إذ يتنافس فيها تسعة مترشحين من بينهم امرأة ويمثلون تيارات مختلفة وتتنافس على المقعد كل من «جمعية المنبر» و»العمل الديمقراطي»، إلى جانب مستقلين، وتبلغ أعداد الناخبين فيها 9877 ناخبا، وأبرز ما في موضوعها أنهم يواجهون رئيس كتلة المنبر بعد أن فاز في الانتخابات السابقة بالتزكية فعاد من جديد لاستعراض فنونه الانتخابية. وتعد الدائرة الأكبر من حيث الكتلة الانتخابية الدائرة التي يترشح فيها الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، إذ تبلغ أعداد الناخبين 15449 ناخباً، ويتنافس معه رئيس الرابطة الإسلامية إلى جانب مترشحين آخرين مستقلين، وتليها الدائرة الأولى الوسطى إذ تقدر أعداد الناخبين بـ 13588 ناخباً.
يبدو أن الأجواء ملبدة بالغيوم في غالبية الدوائر الانتخابية وكل دائرة تضج بمن فيها، وواضح جدا من خلال الخريطة أن غالبية رؤساء الجمعيات السياسية قد شاركوا في العملية الانتخابية، ونزلت الجمعيات السياسية بثقلها كصف أول. ومن المتوقع أن يكون أداء النواب في الدورة المقبلة مختلفا كثيرا عما هو عليه في الدورة السابقة. وعليه، فقد صفر الحكم معلنا بداية المباراة وعلى المترشحين أن يبرزوا ما لديهم من مهارات دفاعية وهجومية ولا ينسوا الاستفادة من الركلات الترجيحية أحيانا فهي تحسم النتيجة النهائية... والله يكون في عون الجميع.
بعد أن تحط الحرب الانتخابية أوزارها وبعد أيام قليلة سأعود من جديد لتحليل خريطة النواب الفائزين والمترشحين الخاسرين في الدوائر للوقوف على الأسباب والتداعيات
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1508 - الأحد 22 أكتوبر 2006م الموافق 29 رمضان 1427هـ