سيذكر التاريخ للرئيس جورج بوش (الأب) على انه الرئيس الذي أخرج بلاده من عقدة فيتنام، وهو إنجازٌ عظيمٌ بكل المقاييس، لما ترتب عليه من آثار كبرى ليس على مستقبل بلاده فقط، بل على مستوى العالم خلال القرن الجديد.
مع ذلك، عندما تقدّم للترشّح للرئاسة الثانية، لم ينتخبه الأميركيون، على رغم أن منافسه كان شاباً اسمه «ويليام جيفرسون بلايث»، كان حاكماً غير مشهور لإحدى الولايات، حتى اسم شهرته (بيل) كان مستعاراً من اسم عائلة زوجته هيلاري كلينتون! استطاع هذا الشاب أن يقلب الطاولة على رأس بوش العجوز، عندما رفع شعاراً بسيطاً خاطب به الناخب الباحث عن حلول لمتاعبه المعيشية: «انه الاقتصاد يا غبي»!
وقد ارتفعت شعبيته وأعيد انتخابه بفضل الانتعاشة الاقتصادية التي لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عقود، وانخفاض نسبة البطالة إلى أدنى معدلاتها، وارتفاع فرص العمل ومستوى الخدمات الصحية.
إذاً... بهذا الشعار «البسيط»، استطاع كلينتون أن يصل إلى قلب الناخب ويزيح منافسه من الرئاسة. هذا في العالم الصناعي، أما في العالم المتخلف الفقير، فتلعب الحسابات و«الشيكات» و«التحويلات» من تحت الطاولة دوراً كبيراً في الانتخابات!
زميلنا سلمان بن صقر تكلّم قبل أيام عن «تحويل» 160 ألف دينار لجمعيتين «إسلاميتين» كبيرتين لكل منهما، والمترشح بن صقر أدرى بشعاب الانتخابات، و(أكيد سامع شيء)، وهو لا يتكلم إلاّ عن أرقام صلبة، وربما لديه حتى تواريخ صرف الشيكات!
أما الأكاديمية البحرينية منيرة فخرو (وهي مترشحة أيضاً) فقد تكلّمت عن انخفاض قيمة الصوت الانتخابي من خمسين ديناراً في انتخابات 2002، إلى 20 ديناراً في 2006! ويبدو أن باحثتنا الوطنية هالها هذا التدهور في قيمة أصوات الناس، ولكنها ستكون أكثر استغراباً لو عرفت ان بعضهم لا يدفع أكثر من 200 فلس فقط للصوت، وهي قيمة استضافة الجمهور في خيامهم المستأجرة (سندويشة وبيبسية)!
الموضوع يستحق المتابعة الصحافية والدراسة الأكاديمية معاً، فإلى جانب القناعة الشعبية الراسخة، هناك شبه إقرار رسمي بوجودها. عضو اللجنة العليا للانتخابات صرّح ان اللجنة ستحيل كل من يثبت قيامه بشراء الأصوات إلى النيابة العامة، ووزيرة الشئون الاجتماعية حذرت الجمعيات والصناديق الخيرية من استخدام «المساعدات» لأهداف انتخابية. وعلى رغم هذه التحذيرات والتهديدات، فإن هناك ممارسات وتحركات و«روائح» تدل على «نشاطات» رأس المال السياسي! ففي بلدٍ صغيرٍ كالبحرين، لا يمكن أن تخفى مثل هذه الحركات. وحتى لو أمكن إخفاء بعض الشيكات لبعض الوقت، فإنه لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد. وإذا تمكّن بعض «الدعاة»من إخفاء «المساعدات النقدية» بتوزيعها تحت جنح الظلام، فلا يمكن «إخفاء» عمليات نقل الثلاجات والمكيفات وأجهزة «الميكروويف» والشوّايات في الشاحنات و«البيكبات»!
ولأن هذه الحركات مشبوهة، فإنه حتى المتورطون في توزيع الثلاجات ليسوا مستعدين للدفاع عن خطيئتهم، ولكنهم سينقلون الكرة إلى ملعب منافسيهم بالحديث عن «محاولات مستمرة لشراء الأصوات باستخدام أموال الزكاة». ومع ذلك لن تعدم من يروّج لنفسه بأنه يساعد أسراً من مناطق بعيدة عن منطقته مذ كان طفلاً في القماط! ما أثار حفيظة بعض المواطنين حتى فكّروا برفع قضية ضده لدحض افتراءاته.
ولتتبع حركة رأس المال، هناك مبلغ 100 ألف دينار، أنفقها حتى الآن أحد «الموالاة» لقطع الطريق أمام مرشح من «المعارضة»، ولا ندري كم بقي من الموازنة المرصودة. وحتى إزاحة المنافسين لها بورصةٌ خاصة، إذ يتراوح سعر الإزاحة ما بين 1000 دينار و30 ألف دينار! وإذا كان لديك منافسان (منافس ومنافسة) فعليك أن تجد مموّلاً يدفع لهما 60 ألف دينار!... إنه المال يا «ذكي»‡
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1507 - السبت 21 أكتوبر 2006م الموافق 28 رمضان 1427هـ