العدد 1507 - السبت 21 أكتوبر 2006م الموافق 28 رمضان 1427هـ

إذا اجتمع «الفقران»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من خلال جولة قصيرة لي في أحد فرجان و«دواعيس» المحرق المنسية من بيروقراطية الدولة المتهالكة، والتي تفوح من جنباتها رائحة البؤس والإهمال، وتفتقر الى أبسط أنواع الخدمات، وأدنى مقتضيات الحياة والمعيشة الكريمة، وذلك في الوقت الذي تزداد فيه حمية وشدة المنافسات الانتخابية النيابية بين عدد غير يسير في تلك الدائرة التي تقع في قلبها أحزمة البؤس تلك، أدركت وآمنت بأن هذه المنطقة كغيرها من مناطق كثيرة متوزعة في البحرين، قد ابتليت بـ «الفقر المعيشي» بفضل ممارسات سوء توزيع الثروة وغياب العدالة الاجتماعية منذ أمد بعيد.

كما آمنت قبلها بالآثار السلبية غير القابلة للرصد والتحديد والمحاصرة بسبب الفقر المعيشي في تلك الدوائر، والتي من دون شك تأتي مسببة لحالات متأزمة من عدم الاستقرار الاجتماعي المهدد لسائر أنواع الاستقرار المعلنة والمسوقة إعلامياً في المملكة، والتي جعلت وستجعل حتماً هذه الدائرة بمثابة وكر للعنف والجريمة، وربما للعوز الانتمائي والولائي والملاذ الآمن لتعاطي السموم الطائفية الهدامة، ونكران الوطنية والمواطنة قبل غيرها من أواصر وارتباطات!

إلا أنني سأفجع لو كانت أحزمة البؤس تلك وفرجان و«دواعيس» الإهمال والتهميش بأحلك صوره، هي فرجان حب ومغازلة، يلتقي فيها قرينان وعاشقان متيمان وهائمان في الغرام، ألا وهما الفقر المعيشي والفقر السياسي، والذي تنتج عن مصيبة التقائهما معاً واندماجهما في بعضهما بعضاً مضاعفات وأعراض اجتماعية قد لا تقل خطورة عن أعراض مرض نقص المناعة المكتسبة«الإيدز» (وقانا الله وإياكم)!

وإن كان الفقر المعيشي دلالة بليغة على احتراف الفشل في إقامة أنظمة اقتصادية وسياسية اجتماعية متوازنة، وإن كان اهتياجه علامة واضحة على الفشل في مهمة بناء الدولة بالمعنى الحديث والمتعارف عليه في جميع الأدبيات الواقعية، إلا أن المصابين به وكثيراًَ من أصلاء وشرفاء من المواطنين تمسكوا بقيمهم العربية والإسلامية ولم يفرطوا بأخلاقهم ومبادئهم على رغم سوء الحال، لم يرتكبوا عيباً ولم يقعوا في وحل أية خطيئة وجرم!

ولكن للأسف ضحايا الفقر السياسي المضاف على الفقر المعيشي قد يجدون حرجاً كبيراً في حماية أنفسهم من الوقوع في العيب والخطأ والزلل ذاته، أو الانصياع لــ«قدريته» المصطنعة! إذ تكمن بلوى اجتماع «الفقرين» المعيشي والسياسي في هذه الدوائر على تناول قصعة مصائر المواطنين فيما تسهل وتيسر حدوثه من تكريس أعمى لتبعية تامة من قبل الفقير إلى «الجواد» و«المنقذ النيابي» و«شبيه رفيق الحريري»، الذي تقلده الأذواق الديمقراطية المتواضعة بالخرافات والكرامات المرتبطة بالتصويت لـ«ولد الفريج» الجواد الشهم الذي لا يجد مانعاً وربما لا يستحي من المزاحمة في محاربة الفقر والفاقة وسوء توزيع الثروات، إلا أنه لا يستند في ذلك الى موقف عام ومبدأ ويتبنى قضية مصيرية يربط نفسه بها، وإنما يربط ذلك بغايات نفعية مبتذلة!

فالدنانير الحمراء لا تأتي من متبرعين وأسخياء لتفرج كربات الفقراء والمساكين، وإنما هي من ما يمنحه المراهنون المتنفذون على «فرس» يعدو نحو النيابي ولو ملأ عدو هذا «الفرس» الدنيا غباراً يعمي الأبصار ويكتم الأنفاس!

هي لعبة لا أكثر وأقل، يضيف فيها المواطن الفقير والكادح المغدور عبئاً طبقياً جديداً على كواهله من المتسلقين والمرتزقة و«أمراء الطبقة الكالحة الجديدة» التي شيدت مجدها من ديدن المتاجرة بالدنيا والدين!

وعلى رغم كون الفقر المعيشي موضوعاً متفرداً في ذاته لكونه غير قابل للأدلجة وللتطييف، فهو يشمل ويعم شريحة واسعة من هذا الشعب الصابر والمبتلى أياً كان مذهبها وطيفها وانتماؤها المناطقي، فإنه وبإضافة واقع الصناديق الخيرية المفروزة طائفياً ومناطقياً، مضافاً إلى ذلك ممارسة القائمين على هذه الصناديق والجمعيات الخيرية للعمل السياسي، وربما في حالات أخرى واقعية وملموسة عدم الممانعة في استغلال هذا العمل الخيري لتحقيق مآرب سياسية كالوصول إلى سدة البرلمان، ولا مانع لذلك من المتاجرة بالدين والمقامرة بكرامة الناس وعزتهم، ليصبح الكلام عن الفقير الشيعي غير الحديث عن الفقير السني!

بلا شك لسنا هنا في محل غمط حقوق الصناديق والجمعيات الخيرية التي لها أياد سخية وبيضاء في هذا الوطن قد تسهم نوعاً ما في تخفيف وطأة سوء توزيع الثروات، وغياب العدالة الاجتماعية وازدياد الاستقطاب بين فئة ثرية ومتنفذة من جهة وسواد أعظم فقير غارق في فقره المعيشي والسياسي! ولكن هذه الصناديق الخيرية التي لم يبالغ الزميل الاقتصادي جاسم حسين حينما وصفها بــ«ملائكة الرحمة» في إحدى ندواته القيمة، قابلة لأن تحل محل النقيض، وتشذ عن أهدافها النبيلة المؤسسة لأجلها، لتخترق سياسياً، وتصبح مجرد أداة يدير من خلالها أصحاب النفوذ أزمتي الفقر المعيشي والفقر السياسي عسى أن ينتزعوا لهم كثيراً من المكاسب السهلة!

ولضرورة أن يبدو الكلام طائفياً، عسى أن يماشي الموضة الاجتماعية والسياسية السائدة للأسف، فإنه وكما هو واضح يبدو الفقر السياسي المتعاضد في جانب كبير مع الفقر المعيشي المتأصل أكثر انتشاراً واستشراساً في صفوف أهل السنة والجماعة تحديداً ليكونوا الضحية الأكبر لذلك، ولأسباب معلومة للجميع، ونتيجة لسياسة التغييب والتعمية السياسية التي تم دعمها زمن أمن الدولة الغابر!

بفضل سياسات الإفقار المعيشي، واستراتيجيات التعمية السياسية، والمراهنات النيابية المدارة بحرفنة خبيثة أصبح يوجد هنالك محرقيون وبحرينيون أصلاء كانت تحج على جبنهم المسيرات والاحتجاجات الصامدة والوقفات البطولية وتكلل هاماتهم العالية الالتزامات العروبية والإسلامية، بات يمكن شراؤهم بــ « دبة زيت عافية» و«نصف دجاجة» و«دينارين ونصف»! ولا حول ولا قوة إلا بالله‡

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1507 - السبت 21 أكتوبر 2006م الموافق 28 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً