العدد 1506 - الجمعة 20 أكتوبر 2006م الموافق 27 رمضان 1427هـ

بوش زرع «الريح» وينتظر حصاد «العاصفة»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«من يزرع الريح يحصد العاصفة». هذا الكلام من الأمثال العربية، ولكنه ينطبق اليوم على تلك السياسة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية في السنوات الخمس الماضية. فالعاصفة بدأت تتجمع سحبها للاطاحة بالغالبية الجمهورية في الكونغرس. وكل مؤشرات الاستطلاع تدل على احتمال وقوع انقلاب في السلطة التشريعية خلال الانتخابات النصفية التي ستعقد في الشهر المقبل. وفي حال جاءت النتائج الميدانية، كما تشير استطلاعات الرأي، فمعنى ذلك أن الرئيس جورج بوش سيواجه معارضة صعبة خلال الفترة المتبقية من ولايته الثانية.

أخبار بوش اذاً غير جيدة وكلها تصب لمصلحة الحزب الديمقراطي والاتجاهات المعاكسة لكل ما طرحه من برامج تتصل بحياة المواطن ومسلكياته اليومية. فهذا الرئيس تبنى تلك الافكار الساذجة التي انتجتها تيارات «اليمين المسيحي» بالتعاضد مع كتلة «المحافظين الجدد» المدعومة من لوبيات النفط ومؤسسات التصنيع الحربي. واعتماداً على لقاء تلك الاتجاهات الثلاثة نسج بوش رؤيته الاخلاقية عن المجتمع المثالي في الداخل ونظرته الاستراتيجية في الخارج.

داخلياً، ادعى «البيت الأبيض» أنه يدافع عن الاخلاق والمثل واسلوب حياة المجتمع الأميركي. وخارجياً، ادعت الإدارة أنها تقوم بواجبات مقدسة لتلقين «الشرق الأوسط» تلك الوجبات السريعة التي توفر الامن والرخاء والازدهار والحرية لشعوب مسكينة ومضطهدة من دول مستبدة اسهمت في اطلاق «ثقافة الارهاب».

الآن وبعد خمس سنوات من النفاق بدأت تنكشف تلك الاستراتيجية الخبيثة داخلياً وخارجياً.

في الداخل انفضح الحزب الجمهوري وظهرت ملامح تلك الافكار المزورة بعد انكشاف مسلكيات زعيم الغالبية الجمهورية في الكونغرس. فالمعلومات والتقارير والتحقيقات الصحافية اظهرت أن رؤساء تلك «المثل» هم أكثر الناس ابتعاداً عنها بل هم يمثلون الوجه الآخر والقبيح في تعبيراته وعلاقاته.

وفي الداخل أيضاً بدأ دافع الضرائب يكتشف أنه ضحية سياسات الخارج. فهذا المواطن أخذ يدفع من حياته الشخصية ثمن تلك الحروب؛ فهو مطالب بالخنوع لكل القرارات التي تصدر عن الكونغرس والقبول بتلك القوانين التي تحد من الحريات العامة وتعطي صلاحيات لسلطات الأمن في التدخل في حياته الخاصة ومراقبته وتفتيش منزله وفتح ملفاته ودفاتر يومياته وحساباته المصرفية وأوراقه ومفاتيح «الانترنت» للاطلاع على اسراره.

إدارة بوش تدعي امام الناخب الاميركي أنها حريصة على أمنه الشخصي من عدوان خارجي يقدم عليه «غرباء» عن ثقافته. وبأسم الدفاع عن نمط حياته وسلوكه اتخذت الادارة سلسلة قرارات تطيح بكل تلك «الثقافة» التي تراكمت زمنياً من خلال نضالات وعهود انتجت نوعاً من الثقة بين الدولة والمواطن. والآن بات على المواطن التخلي عن الكثير من تلك المكتسبات لضمان حياته الأمنية من خطر «بعيد» آت من خارج الحدود ويهدد الاستقرار الذي تنعم به أميركا. وتحت سقف حماية المواطن من مخاطر خارجية تكره الولايات المتحدة وتحقد عليها بسبب نجاح الدولة في تأمين حياة الرفاهية والطمأنينة للناس شنت الإدارة حملة داخلية اطاحت بالكثير من تلك الغايات التي ادعت أنها مستهدفة من تنظيم «القاعدة» و»شبكات الإرهاب» الدولية.

دافع الضرائب الاميركي اخذ يسأل الآن عن سر تلك الحملات الداخلية ضده. ولماذا تقدم ادارته على تنفيذ تلك الاهداف بالنيابة عن عدو خارجي مفترض؟ فهل محاربة «الإرهاب» في افغانستان مثلاً تقتضي تنفيذ خطة «القاعدة» في أميركا من دون أن يكون لهذا التنظيم دوره المباشر في القيام بتلك اللعبة؟ والمواطن الاميركي بدأ يسأل عن معنى تلك الخدعة التي ترسم عناوينها باسم الدفاع عن «الاخلاق» في وقت تخترق قيادات الحزب الجمهوري تلك المثل العامة في حياتها اليومية وعلاقاتها مع الناس؟

أسئلة كثيرة أخذ الأميركي يطرحها على إدارته وكلها تتصل بتلك القوانين العابثة بحياته وتعطي صلاحيات للأجهزة الأمنية والمباحث والمخابرات بانتهاك حرماته تحت مسميات مختلفة. مثلاً ما الذي يمنع الإدارة في المستقبل من استخدام تلك القوانين الصادرة حديثاً عن الكونغرس التي تجيز للهيئات الأمنية اعتقال ابرياء باسم شبهة الارهاب والتحقيق معهم واستخدام وسائل تعذيب لانتزاع المعلومات منهم بالقوة، ضد الشعب الأميركي؟ فالقانون في النهاية له وظائف مختلفة ويمكن استخدام بعض وجوهه ضد الداخل في حال قررت الإدارة الحالية أو أي إدارة أخرى في المستقبل استخدامه ضد المواطنين بذريعة ملاحقة شبكات الارهاب والبحث عن معلومات ضرورية لحماية الأمن القومي واستقرار المجتمع.

هذه الأسئلة بدأت سحبها تتجمع لتشكل تلك العاصفة المتوقع أن تصفع كل الافكار والتصرفات والقوانين التي نسجتها إدارة «البيت الأبيض» لمكافحة مخاطر وهمية كان بالامكان تطويقها واحتواء تداعياتها لو لجأت إدارة بوش الى خيارات اكثر ليونة في التعامل مع قضايا شائكة تحتاج إلى معرفة بأسبابها أكثر من عقلية «كاو بوي» تميل إلى القوة في التعاطي مع النتائج.

استحقاقات منتظرة

الآن وبعد خمس سنوات على تلك السياسة الأميركية الهوجاء والسلوك الأرعن في الخارج بات على إدارة بوش أن تدفع الحساب وتعيد قراءة النتائج في ضوء استراتيجية قوضت «الدول» في الخارج واطاحت بالمكتسبات في الداخل. وهذا الاحتمال يتوقع له أن تتضخم نسبته بعد الانتخابات النصفية للكونغرس. فالمؤشرات تدل على أن الحزب الجمهوري سيلقى هزيمة مُرة لم تعرفها إدارة أميركية في التاريخ المعاصر. وفي حال جاءت النتائج كما تشير التوقعات ستواجه إدارة بوش استحقاقات صعبة ستترك تأثيراتها المباشرة على استراتيجية «البيت الأبيض» في الخارج. فالداخل الأميركي لا يمكن فصله عن الخارج الدولي وخصوصاً أن الدولة تعتمد في الكثير من مواردها على السوق الخارجية. وهناك قطاعات توفر الرفاهية للمواطن لا يمكن لها أن تستمر على حالها من دون أن تؤخذ مصالح الدول المنتجة لموادها في الاعتبار.

الخارج يؤثر على الداخل الأميركي ويصنع توجهاته الدولية العامة. كذلك يؤثر الداخل الأميركي على توجهات الإدارة في الخارج ويعدل الكثير من سياساتها حتى تتناسب مع الحاجات الدولية وتوازن المصالح. وهذا الأمر يحتمل أن يشهد مفارقات جديدة بعد انتهاء فترة الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فإذا جاءت النتائج لمصلحة الحزب الديمقراطي فإن توازن القوة سيضغط على ادارة الحزب الجمهوري في واشنطن وسيدفع باتجاه فتح ملفات كثيرة من بينها فشل سياسة مكافحة «الارهاب» في الخارج.

الفشل في الداخل سيجد عناوينه في الاستعداد للبحث عن اسباب الفشل في العلاقات الدولية. وهذا ايضاً سيضغط مجدداً على «البيت الأبيض» لاعادة النظر في تلك الادعاءات التي اعتمدت سياسات التهويل والتخويف لانتزاع تنازلات من المواطن طالت الكثير من حقوقه المدنية.

هناك عناوين دولية ستظهر على الشاشة المحلية في الشهر المقبل وما بعده وصولاً إلى الايام الأخيرة من عهد بوش الذي سينتهي في العام 2008. فهناك ملف «الإرهاب» وتعاظمه الدولي بعد شن واشنطن تلك «الحروب الدائمة» بذريعة هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. وهناك الملف النووي وما انتجه من تحديات ظهرت في انتقام كوريا الشمالية من السلوك الاستعلائي الذي اعتمدته واشنطن في تعاملها مع بيونغ يانغ. وهناك ملف أفغانستان والنهايات غير السعيدة التي وصلت اليها البلاد بعد 5 سنوات على اجتياحها. وهناك ملف العراق وتلك الكوارث الأهلية التي عصفت بالبلاد بعد اجتياح أرض الرافدين وتقويض الدولة بهذا الاسلوب الهمجي والعشوائي. وهناك ملف لبنان الذي انتهى بعدوان حطم بنيته التحتية ودمر امكانات تقدمه ودفع باقتصاده سنوات الى الوراء. وهناك ملف فلسطين ومشروع «الدويلة القابلة للحياة» الذي انتهى الى تشعبات لا تعرف واشنطن كيف تتعامل مع تعقيداتها المزمنة وتداعياتها الجديدة. وهناك ملف دارفور في السودان وما افرزه من سلبيات قد تطيح بالدولة وأمن القرن الإفريقي وتوازنات القوى الممتدة على خط النيل وصولاً الى الهضبة الإثيوبية.

ملفات كثيرة يرجح أن تفتح بوجه بوش لمحاسبة ادارته على سياساتها المفرطة في المراهنة على اعتماد القوة في التعامل مع الخصوم. واذا كان وزير الخارجية السابق جيمس بيكر اشار في تقريره إلى بعض منها فإن هناك الكثير لم يتطرف اليها ويحتمل أن تكون مدار بحث في الشهور المقبلة.

«من يزرع الريح يحصد العاصفة». والعاصفة الطبيعية تبدأ عادة بهدوء ثم تنقلب وتدمر، وهذا القانون لا يستبعد أن يتكرر في العواصف السياسية... الاحتمال ينتظر إدارة بوش، ربما ليس الآن ولكن بعد حين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1506 - الجمعة 20 أكتوبر 2006م الموافق 27 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً