إن قراءة بسيطة لمعطيات الواقع الراهن تشير إلى فوز محتمل لكتلة «الوفاق» في انتخابات البرلمان القادم بما لا يقل عن 25 في المئة من مقاعده الأربعين وقد يتمكن متحالفون مع «الوفاق» من الحصول على نسبة 5 في المئة ليكونوا معاً كلتة معارضة مهمة في البرلمان البحريني القادم يكون بإمكانها إحداث تغيير حقيقي في مجرى أعمال ومناقشات البرلمان ما سيضفي قدراً من الجدية والإثارة على الحياة السياسية البحرينية القادمة. هذه الجدية لا تعني بالضرورة تغيراً جوهرياً في الإماكنات الفعلية للبرلمان كأداة تشريع ورقابة، إنما سيكون المجال أوسع من السابق في نوعية القضايا والموضوعات التي سيتم طرحها امام البرلمان بالإضافة الى شكل ومضمون ومستوى النقاشات التي سيتبادلها أعضاء البرلمان. وهنا لابد من التنويه إلى أن التجربة السابقة في البرلمان المنتهية صلاحيته لم تكن تتصف بمثل هذه الجدية في غالب الاحيان نظراً إلى ضعف الصوت المعارض من جهة والجبهة العريضة الموالية للحكومة التي بالغت في دفاعها ووقوفها مع كل ما هو حكومي لدرجة انها اصبحت ملكية أكثر من الملك. وهذه الظاهرة من الظواهر السلبية المؤدية لأية تجربة برلمانية لأن قوة المعارضة هي دائماً من قوة النظام الديمقراطي والعكس بالعكس أي أن ضعف وشكلية المعارضة يشيران دوماً إلى ضعف النظام وشكلية شعاراته الديمقراطية.
لقد تميز البرلمان السابق بضعفه في كل شيء، فلم يفلح في الخروج بأي انجازات للمواطنين البحرينيين وكان على عكس ذلك مثاراً لسخرية المواطنين بمستوى مناقشات أعضائه التي لم تخلُ في كثير من الأحيان من الخلو الطائفي والمهاترات التي وصلت إلى حد السباب والاشتباك بالأيدي وكان غاليبة الاعضاء بارعين ليس في الدفاع عن قضايا الشعب الذي انتخبهم بل في تمييع وتضييع قضاياه وحقوقه والأمثلة على ذلك كثيرة من قضايا الفساد المالي في هيئة التقاعد والتأمينات إلى بدعة انفراد موظفي الدولة والحكومة بـ «المكرمات» دون إخوانهم المواطنين المطحونين في القطاع الخاص وكأنهم وهم الغالبية العظمى من شعب البحرين ليسوا مواطنين! ثم التسابق في التقدم بمشروعات قوانين على شاكلة مشروع المسيرات والتجمعات وما يسمي بمشروع قانون الارهاب ومثل هذه القوانين التي رغب ممثلونا في أن يعيدونا بها إلى حال من حالات قانون أمن الدولة وطرق الضبط البوليسية السابقة. لقد كان واضحاً من الوهلة الأولى ان معظم من شغلوا مقاعد البرلمان في دورته السابقة كانوا في الأصل من الشخصيات والقوى التي تعادي مفهموم البرلمان والانتخابات وقيم الديمقراطية برمتها وكان دخولهم يستهدف أول ما يستهدف إفراغ البرلمان والحياة النيابية من مضامينها الحقيقية، وقد نجحوا في ذلك لحد كبير فلم يكن الموضوع الأهم بالنسبة إليهم سوى رواتبهم ومكافآتهم وامتيازاتهم وتأمين تقاعدهم مدى الحياة عند انتهاء مدة تمثيلهم النيابي. حتى لا أجافي الحقيقة كان لهذه القاعدة استثناءاتها فكان هناك عدد قليل من النواب ممن أبلوا بلاء حسناً لكنهم كما قلت كانوا الاستثناء وليس القاعدة فلم يكن بمقدورهم ان يقوموا بأكثر مما قاموا به.
إذاً ومع قرار المشاركة لمعظم قوى الطيف السياسي فإن تغييراً كبيراً في تركيبة المجلس المنتخب اصبحت من الأمور البدهية ومع هذا التغير يطمح المواطن في البحرين إلى أن يرى قضاياه الجوهرية وهي تطرح وتناقش واحدة تلو الأخرى بالجدية والامانة والصراحة التي تستحقها بروح من الوحدة الوطنية والتوافق الوطني البعيدين عن خلفيات الفكر والثقافة الطائفية ومسلكياتها التخريبية.
ملفات عدة ملحة في انتظار الاخوة نواب الشعب في البرلمان القادم وسنرى مدى الجدية والحنكة السياسية في تناولها واقتراح الحلول الموضوعية لها تحت قبة المجلس التشريعي. ستضع الايام المقبلة قوى المعارضة وشخصياتها ورموزها على المحك فقد يكون من السهل التنظير ورصد المشكلات من الخارج ولكن لن نصرف نجاعة تلك النظريات وصدقية اصحابها إلا حين يصبحون شركاء فعليين في تحمل المسئولية ووضع الافعال موضع الأقوال، وإلا سيكونون من ذلك الصنف المذموم من قبل الله سبحانه وتعالى وعباده... «كبر مقتاً عن الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف: 3).
علينا كمواطنين أن نؤازركم ونحسن الظن بكم وبما تقولون في برامجكم ويعلم الله وحده نياتكم وما تخفيه صدوركم وعلينا أيضاً نحن المواطنين لكي نكون أكثر نفعاً أن نعي حقوقنا وواجباتنا الوطنية التي حددها الدستور وان نملك الرغبة والشجاعة في المطالبة بها والدفاع عنها إن انتم تخادلتم وتقاعستهم في عملكم، فالبحرين وامنها وتطورها وازدهارها وسمعتها الدولية امانة في اعناقنا جميعاً.
دعونا نرى دستور مملكتنا يطبق وقد نص في مادته الأولى بند (د) نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً وتكون السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور. ويقول في موضع آخر في المادة (9) بند (ب): «للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن». ويقول في بند (و): «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين».
ويقول في المادة (13) البند (ب): «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه». وتقول المادة (16) البند (ب) منه: «المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة وفقاً للشروط التي يقررها القانون». ويسطر الدستور في مادته (18) أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». كما تؤكد المادة (22) أن «حرية الضمير مطلقة وتكفل الدولة حرمة من دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد».
ويبين الدستور أيضاً من ضمن أمور عدة أخرى في مادته (30) أن «السلام هدف الدولة وسلامة الوطن جزء من سلامة الوطن العربي الكبير والدفاع عنه واجب مقدس على كل مواطن. واداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين ينظمه القانون».
لقد انتقيت غيضاً من فيض من الحقوق والواجبات التي يضمنها الدستور وهذه المواد وغيرها والدستور بأكلمه هو الذخيرة التي لا تنضب لإخوتنا من نواب الشعب الذين سيتحملون شرف المسئولية وهم يجاهدون ويجتهدون في بناء صرح البحرين الحضاري الديمقراطي، فإذا كان هناك من هدر للمال العام وهناك فساد فوثقوه وحاربوه بكل ما أوتيتهم من قوة... وكذلك ان كان هناك تمييز بين المواطنين أو كانت هناك بطالة أو نقص في سياسات الدولة في الاسكان أو التوظيف أو التجنيس أو في قضية التوزيع للثروة الوطنية فيما تعتقدون أنه خرق للدستور في أي من مواده فلابد لكم من العمل على تقويمه، الدستور كما ترون كفل لكم حرية القول فقولوا قولتكم في شئون بلدكم من دون خوف أو وجل تدفعكم لذلك مصلحة وطنكم العليا ولكن تأكدوا قبل ذلك أن ما تقولون مدعم بالحقائق والمستندات الثبوتية لتحظوا بالصدقية. آن للبحرين أن ترى رجالاً أكفاء يقدمونها وأهلها من المواطنين جميعاً على مصالحهم الخاصة في معارضة قوية واعية ومنظمة وسلمية على عكس ما أفرزته التجربة السابقة وليكن الله في عونكم
العدد 1505 - الخميس 19 أكتوبر 2006م الموافق 26 رمضان 1427هـ