العدد 1505 - الخميس 19 أكتوبر 2006م الموافق 26 رمضان 1427هـ

مخاطر الهجرة العربية إلى أوروبا 1/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تعتبر الهجرة ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم خصوصاً المتقدمة، لكن الهجرة غير الشرعية (أو السرية) أصبحت إحدى القضايا المزعجة، التي تحظى باهتمام كبير فى السنوات الأخيرة.

وعلى المستوى الأوروبي، باتت إشكالية الهجرة من بين أهم انشغالات جل إن لم نقل كل دول الاتحاد الأوروبي سواء تعلق الأمر بالدول ذات التقاليد العريقة في استقبال المهاجرين (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا) أو الدول الحديثة العهد في هذا الميدان (إيطاليا، إسبانيا والبرتغال) التي تبحث كلها عن الوسائل التي تمكنها من مراقبة وتدبير تدفقات المهاجرين حسب حاجيات الدول المستقبلة وكذا الإجراءات القانونية والعملية التي تمكن من اندماج المهاجرين في مجتمعات تلك الدول. لكن يبقى السؤال: كيف تتم في الواقع المواءمة بين هذين المطلبين.

يشار إلى أن أوروبا، التي هي اليوم من أكبر القارات استقبالاً للمهاجرين، شرعيين كانوا أم غير شرعيين، كانت حتى بداية القرن العشرين بلداً مصدراً للهجرة. ولقد تحولت أوروبا، وبفعل عوامل كثيرة إلى أرض استقبال، بل ومن أهم المناطق المستقبلة للمهاجرين. هذه الحاجة إلى الأشخاص الوافدين من خارج أوروبا ما فتئت تتزايد سنة بعد أخرى خصوصاً منذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين إذ تحولت بعض الدول الأوروبية من بلدان مرسلة للهجرة إلى بلدان مستقبلة لها مثل إيطاليا ثم إسبانيا والبرتغال فيما بعد.

وتم استعمال اليد المهاجرة في عدة مجالات وفي حالات الحرب والسلم. فخلال الحربين العالميتين لم تتردد بريطانيا وفرنسا مثلاً من اللجوء إلى مستعمراتها من أجل تجنيد عدد كبير من الناس. وهكذا تم تجنيد ما بين 70 ألفاً و90 ألف مغربي خلال الحرب العالمية الثانية من قبل فرنسا. بعد الحرب العالمية الثانية ساهم العمال المهاجرون في عملية إعادة إعمار أوروبا في مجال البناء والأشغال العمومية كما تم استعمالهم كيد عاملة في المناجم وقطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات.

ويقول خبراء: إن مشكلة الهجرة إلى أوروبا تكاد تكون مشكلة اقتصادية بالأساس، فعلى رغم تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، فإن االدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب. ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى الاقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين، والتي تشهد - غالباً - افتقارًا إلى عمليات التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين.

ويلخص ذلك مقولة رئيس وزراء إسبانيا السابق الشهيرة: “لو كنت مواطناً من دول الجنوب، لغامرت أكثر من مرة حتى الوصول إلى أوروبا”.

حجم ظاهرة الهجرة العربية

ويصعب تحديد حجم الهجرة غير الشرعية نظراً إلى الطبيعة غير الرسمية لهذه الظاهرة، وغالباً ما تتفاوت التقديرات التي تقدمها الجهات المختلفة لأعداد المهاجرين. وتقدر منظمة العمل الدولية حجم الهجرة السرية بما بين 10 - 15 في المئة من عدد المهاجرين في العالم... البالغ عددهم بحسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة نحو 180 مليون شخص.

وتعد قضية الهجرة العربية من القضايا المهمة والخطيرة لما لها من آثار متعددة على الفرد والمجتمع، وتلمس قضية الهجرة العربية مختلف الاتجاهات الاستراتيجية في الخطة العامة للدولة بتأثرها بالعوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل الدولة ما يؤكد أن قضية الهجرة تعد بمثابة مؤشر داخلي لمدى استقرار وتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرهما، وسواء كانت الهجرة العربية شرعية أم غير شرعية فإن لها آثاراً كثيرة تؤثر على جميع الأطراف فتؤثر على المهاجر، وعلى بلده الأصلي، كما تؤثر على الدولة المستضيفة.

أسباب الهجرة العربية وحجمها

توجد أسباب كثيرة لظاهرة الهجرة العربية وتكشف التقارير عن أهم سبب، وهو اختلال سوق العمل، وعدم انسجامها من حيث وجود أسواق عمل عربية طاردة للقوى العاملة إذ نسبة الهجرة للخارج في تزايد، ووجود أسواق عمل عربية مستقبلة وجاذبة للعمالة، وتحول بعض أسواق العمل العربية التي كانت في السنوات الماضية مصدرة للعمالة إلى أسواق عمل مستقرة إذ نقصت نسبة الهجرة للخارج بشكل ملحوظ.

ويؤكد بعض الخبراء أن من الأسباب الرئيسية للهجرة العربية انعدام التخطيط الواقعي في مجال القوى البشرية، وفي ميدان التخطيط التربوي، أو الفشل في إيجاد التكامل والتنسيق بين مخرجات التعليم، ومتطلبات سوق العمل، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم وجود المناخ الملائم للبحث العلمي، وانخفاض المستوى المعيشي.

وكشف تقرير منظمة الهجرة الدولية لعام 2005 عن أن حجم الهجرة الدولية - والتي يقصد بها هجرة مواطني دولة ما لدولة أخرى - بالدول النامية عموماً 64.6 مليون نسمة في العام 2000، ارتفاعاً من 46.3 مليون نسمة في العام 1990. وكشفت تقارير أخرى عن حجم وتطور الهجرة من الدول العربية فتؤكد أن مصر لديها ما لا يقل عن ‏824‏ ألف مصري مهاجرين هجرة دائمة، أما الهجره المؤقتة فإن حجمها لا يقل عن مليون و‏902‏ ألف شخص، وأهم الدول العربية المصدرة للعمالة اليمن ومصر والأردن ولبنان وسورية - وفق إحصاءات منظمة العمل الدولية - وبلغت الهجرة الصافية في اليمن في الفترة (1994 - 2000) للفئة العمرية (20 - 49 سنة) بلغ حجمها 81.367 بينما في مصر بلغ حجم الهجرة الصافية في الفترة (1996 - 2000) للفئة العمرية ذاتها 374.588 من الأشخاص. وفي الأردن بلغت الهجرة الصافية 72.934 وفي لبنان بلغت 31.808 وتعد البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات الدول المستقبلة للعمالة.

وأعلنت منظمة العمل العربية - في تقرير حديث لها - أن الهجرة العربية إلى البلدان الأوروبية في تزايد مستمر، فوصلت إلى ما يقرب من 2.6 مليون شخص.

وفي مصر فقط، قدرت وزارة القوى العاملة المصرية - في إبريل/ نيسان 2005 - عدد المصريين المهاجرين إلى إيطاليا بشكل شرعي بنحو 90 ألف شخص، وأن عدد المهاجرين المصريين غير الشرعيين إلى أوروبا يقدر بنحو 460 ألف شخص، لكن مراقبين يقولون: إن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية. وبحسب منظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل إلى نحو 1.5 مليون فرد.

أما عن الهجرة الشرعية، فقد ذكرت جامعة الدول العربية - في تقرير لها حول الهجرة المغاربية إلى أوروبا خلال الأربعة أشهر الأولى من العام 2005 - أنه في العام 2004 شهدت الجالية التونسية بالخارج زيادة بلغت 6.2 في المئة، مقارنة بعام 2002، ليصل عددهم إلى 701.660 ألف مهاجر... 58 في المئة منهم في فرنسا وحدها.

آثار الهجرة العربية

توجد آثار سلبية كثيرة للهجرة العربية منها تقليص حجم قوى العمل الإنتاجية كمًّا ونوعاً، واستنزاف الكفاءات الضرورية بواسطة هجرة العقول، التي تمثل اليوم إحدى معوقات التنمية الشاملة المعتمدة على التقنيات والتكنولوجيات المتطورة الضرورية لهذه البلدان الصاعدة. كما أحدثت الهجرة خللاً وظيفيًّا كبيرًا في مجتمعات البلدان العربية المصدرة للعمالة، خصوصًا ذلك الفراغ الكبير في العمالة الداخلية: زراعة ـ صناعة ـ خدمات، وأثر سلباً على القطاعات الاقتصادية كافة، وخصوصاً القطاع الزراعي.

ويرى بعض الخبراء أن الهجرة لها جوانبها الإيجابية التي تتمثل في امتيازات تصدير قوى العمل للخارج، بما تتضمنه من تحسين الميزان التجاري للدولة عبر تحويلات قوى العمل، والحد من وطأة البطالة، وتوظيف قوى العمل الزائدة، واكتساب مهن وحرف وتقنيات جديدة بواسطة خبرة العمل بالخارج، مع إمكان تمويل وتنفيذ المشروعات الاستثمارية بالمشاركة الخارجية.

وبخلاف بعض المسلمات التي روجت لها بعض مؤسسات الإعلام العربية التي حاولت أن ترى الصورة من جانب واحد فقط، وأن تضع الدول، ومن ثم المجتمعات المستقبلة للمهاجرين، في خانة الضحية أو الخاسرة، نجد في أحيان كثيرة، أن الحقيقة تخالف ذلك. هذا ما نجحت الباحثة جهينة العيسى في أن تسلط الضوء عليه حينما قالت في ورقة قدمتها لملتقى الدوحة السادس للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة الذي عقد في العاصمة القطرية: تعد هذه الظاهرة من أخطر الظواهر التي تتعرض لها المجتمعات العربية، فمضمون الظاهرة هو إفراغ المجتمعات العربية من مواردها البشرية وفنييها وعلمائها القادرين على إحداث التنمية المستدامة. والذي بدوره يترتب عليه زيادة حدة التخلف من جانب، ومن جانب آخر يزيد من الاستعانة والاعتماد على الخبرات الأجنبية في التنمية الذي يشكل هدراً إضافياً على الاقتصاد الوطني وتبعية سياسية وثقافية مستمرة تزيد من حدة التخلف.

واستعرضت جهينة بعض الحقائق الإحصائية التي نشرتها بعض المنظمات الإقليمية والدولية ومنها:

- إن 37 في المئة من هجرة أصحاب الكفاءات تنتمي إلى دول عربية وإفريقية.

- إن 54 في المئة من الأطباء و26 في المئة من المهندسين، و17 في المئة من العلماء من مجموع الكفاءات المتخرجة تهاجر إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا.

- إن 54 في المئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.

- إن 34 في المئة من مجموع الأطباء المهاجرين العاملين في بريطانيا هم من الأطباء العرب.

- إن 3 دول غربية هي: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا تستقطب 75 في المئة من الكفاءات العربية المهاجرة.

- إن خسائر الدول العربية من جراء هجرة العقول العربية نحو 200 مليار دولار وفق تقرير منظمة العمل العربية لعام 2006.

هجرة الرقيق الأبيض

ظاهرة جديدة تستحق التوقف عندها فيما يتعلق بالهجرة، التي باتت تتجه بشكل ملحوظ نحو غير الشرعية. فمع استمرار الهجرة القانونية، لوحظ منذ نهاية الثمانينات ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين على المستوى العالمي عموماً والأوروبي خصوصاً كما تعددت شبكات التهريب والمتاجرة في اللحوم البشرية. ولم تعد تقتصر ظاهرة الهجرة السرية على الرجال فحسب بل طالت حتى النساء والأطفال. هذا الارتفاع ناتج عن الطلب المتزايد من طرف بعض القطاعات الاقتصادية في دول الاستقبال والتي تحتاج إلى أيدٍ عاملة كثيرة بصفة دائمة أو بصفة موسمية: كالفلاحة، والبناء والأشغال العمومية، والنسيج والخدمات المنزلية، والمطاعم والفنادق وخدمات الأشخاص المسنين.

كما أن حاجيات الدول الأوروبية إلى المهاجرين ستزداد خلال السنوات المقبلة نظراً إلى الخصوصيات الديمغرافية لهذه القارة والتي تتميز بالشيخوخة وانخفاض الخصوبة.

فشيخوخة السكان تؤدي إلى انخفاض نسبة الساكنة النشيطة كما تؤدي إلى ضغط كبير على نظام الضمان الاجتماعي والتعليم، فعلى سبيل المثال فبحلول سنة 2007 سيفوق عدد العمال الذين يتراوح أعمارهم ما بين 55 و64 عاماً بكثير عدد الذين هم ما بين 20 و29 عاماً.

فيما يخص الخصوبة، فلكي يتم تجديد الأجيال والحفاظ على المستوى الدمغرافي لبلد ما، يجب أن لا يقل مستوى معدل الخصوبة لدى النساء عن 2.1 لكن الملاحظ في أوروبا هو أنه وصل إلى 1.6 فقط، بل انخفض في بعض دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا إلى 1.07 بعدما كان سنة 1975 في مستوى 2.8. ولتعويض هذا العجز الدمغرافي ومن أجل الحيلولة دون انهيار نظام التقاعد فإن تقديرات المصالح الدمغرافية للأمم المتحدة تقدر بأنه على أوروبا أن تستقبل 159 مليون مهاجر في أفق 2025. كانت تلك جردة سريعة مكثفة لظاهرة الهجرة العربية إلى أوروبا. كيف حاول الطرفان تقنينها ووضع الحلول للحد من سلبياتها، هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1505 - الخميس 19 أكتوبر 2006م الموافق 26 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً