تنتاب المراقب للمشهد السياسي في البحرين هذه الأيام نوبات من الضحك... وأخرى من الحزن والبكاء على الحال التي وصلنا إليها... فبعد أن عانت البلاد الأمرين من ثنائية المشاركة والمقاطعة، ها نحن اليوم نشهد تكالباً غير مسبوق وغير مفهوم على تقاسم المجلس النيابي، ابسط ما يمكن أن يطلق عليه من وصف بأنه انتشار الهيمنة والإقصاء نفسها.
فإذا أمعنا النظر في المشهد قليلاً، سنجد أن هناك من يتعامل مع المجلس النيابي القادم، من منطلق هذا لنا... وهذا لكم، والغريب أن هذا المنطق الذي تمارسه بعض الجمعيات السياسية، كان إلى وقت قريب مرفوض، ومثير للسخرية والاحتجاج من قبل الجمعيات السياسية التي تقوم به الآن، إذ طالما أبدت الجمعيات السياسية المعارضة ذاتها احتجاجات شديدة اللهجة على التعيينات التي تقوم الحكومة بإجرائها في كثير من المواقع الرسمية في الدولة من دون الالتزام بمعايير الكفاءة وتكافؤ الفرص. اليوم نجد الجمعيات السياسية ترتكب ذات الاثم والخطيئة نفسها، فهي لم تكتف باختيار بعض الأشخاص الذين قد لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة لمجلس النواب فحسب، بل إنها ضربت عرض الحائط بكل الأحاديث عن حق الناس في اختيار من يمثلهم، ولحست كل كلامها عن تداول السلطة، وعن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
لقد صادرت بعض الجمعيات السياسية، حق الناس في الاختيار من خلال فرض أشخاص بعينهم مرشحين (مقدسين) في دوائر معينة حتى وصل الأمر إلى ما يشبه اقتسام الغنائم، والفرض الكامل للهيمنة، وقد خلق ذلك كثيرا من علامات الاستفهام والتساؤل والاستغراب؟!
وقبل الخوض في الأسئلة والبحث عن إجابات شافية، أدعو الجميع للتأمل في ما يأتي، جمعية الوفاق الوطني الإسلامية تقدم 19 مرشحاً وتدعم 4 مرشحين رسمياً، تحالف جمعية المنبر الوطني الإسلامي وجمعية الأصالة الإسلامية يقدم 14 مرشحاً ويدعم آخرين رسمياً. أي أن 3 جمعيات فقط تريد أن تستحوذ على 37 مقعداً في البرلمان، ويعني ذلك أن باقي الجمعيات والمستقلين عموماً سيتنافسون على 3 مقاعد فقط.
لقد أصرت الوفاق على الترشح في كل الدوائر المحسومة للشيعة، بالإضافة إلى عدد من الدوائر المشتركة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تمثل الوفاق كل الشيعة في البحرين، وهل كل الذين ينتمون للوفاق متفقون على هذه القائمة الانتخابية التي تم اختيارها؟
هذا الرقم 19 مرشحاً وفاقياً، و4 مرشحين مدعومين من الوفاق، هل فيه شيء من المنطق؟ لماذا تأخذ الوفاق على عاتقها كل هذا الحمل على مستوى الطائفة الشيعية؟ ولماذا تصادر أية فرصة للتنوع داخل المجلس النيابي؟ و لماذا لم تترك الوفاق الباب موارباً لدخول التيارات السياسية الشيعية الأخرى في المجلس النيابي؟ ولماذا لم تعط هامشاً لعدد من المستقلين ذوي الكفاءة للدخول في المعترك السياسي؟ هل أخذت الوفاق تفويضا عاماً وصكاً نهائياً غير قابل للنقض من الشيعة بأنها الممثل الوحيد لهم؟
وعلى الجانب الآخر، من يستطيع الجزم بأن جمعية المنبر الإسلامي وجمعية الأصالة الإسلامية تمثلان كل سنة البحرين، لماذا نراهم يقدمون 14 مرشحاً دفعة واحدة، هل تقلدوا تمثيل السنة في كل البحرين بالوراثة، أم بحكم محكمة؟ ولماذا لا يفسحون مجالاً لكثير من الكفاءات البحرينية المستقلة ذات الانتماء السني للدخول في الحياة السياسية، ولماذا هذه الرغبة الجامحة للسيطرة على كل المقاعد النيابية المخصصة لهذه الطائفة الكريمة.
إذاً أين ذهبت جمعية العمل الإسلامي؟ وأين ذهبت جمعية الرابطة الإسلامية، في الخريطة الشيعية وأين ذهبت كل من جمعية الوسط العربي الإسلامي، وجمعية الشورى الإسلامية في الخريطة السنية، وأين ذهبت جمعيات مثل العمل الوطني الديمقراطي، التجمع القومي، المنبر التقدمي، الإخاء، التجمع الوطني، التجمع الدستوري، الفكر الوطني الحر، الميثاق... إلخ من الجمعيات التي كانت حتى وقت قريب شركاء في العمل السياسي الوطني والمطالبة بتعزيز الحريات العامة والإصلاحات الديمقراطية في البحرين.
وأين ذهب الكثير من التجار ورجال الأعمال، وأين ذهب التكنوقراط والأكاديميون والمحامون والكتاب الصحافيون والمهندسون والأطباء وكل الفاعليات الوطنية والاقتصادية المنتمية للطائفتين الكريمتين في البلاد. والسؤال الأهم إلى أين ذهبت المرأة والمطالبة بحقوقها... والتشدق بأنها نصف المجتمع وشريك كامل في التنمية، إذاً لماذا غابت المرأة عن قوائم هذه الجمعيات المضمونة.
البعض يتحدث عن محاربة الطائفية، ويتشدق بالتوافق الوطني، وآخرون يقدمون تنظيرات عن أخطاء السلطة والتمييز الذي تمارسه في كثير من المجالات ومواقع العمل، وينتقدون بأسلوب لاذع التعيينات الوزارية، أو اختيار أعضاء مجلس الشورى، أو أعضاء السلك القضائي، والسلك الدبلوماسي، ويطالبون بالشفافية والنزاهة، والبعد عن المحسوبية والمحاباة، لكنهم يقعون في المطبات ذاتها ويرتكبون الأخطاء ذاتها من دون أن يقبلوا الانتقاد!
هناك من يقول ان المجلس القادم سيكون ذا صبغة إسلامية، آمنا بالله وهل أبناء شعب البحرين الذين لا ينتمون إلى واحدة من الجمعيات الثلاث المذكورة أعلاه، هم خارج الدين والملة؟!، ألا توجد جمعيات سياسية أخرى تعتمد الإسلام منهجاً وأسلوب عمل وحياة، أليست هناك شخصيات إسلامية مستقلة وذات كفاءة ترغب في الترشح وخدمة أبناء بلدها بشكل متوازن بعيداً عن الانتماءات الحزبية الضيقة؟
طبعاً فإن هناك قوائم انتخابية أخرى تضم عدداً كبيراً نسبياً من المرشحين، وهذه القوائم أيضاً موقع انتقاد وملاحظة، لكن تلك القوائم لم تبن على أساس طائفي، ولم تدع احتكار تمثيل هذه الطائفة أو تلك، فإذا أمعنا النظر في قائمة جمعية ميثاق العمل الوطني التي تضم 11 مرشحاً نيابياً لوجدناها تضم مرشحين من الطائفتين حتى وان طغى تمثيل إحداها على الأخرى، وإذا نظرنا إلى قائمة الوحدة الوطنية التي تتبناها وتدعمها جمعية المنبر التقدمي والتي تضم حتى الآن 9 مرشحين لوجدنا الأمر ذاته من التنوع. إما بالنسبة الى الجمعيات السياسية الأخرى التي تنوي خوض غمار المنافسة بعدد قليل من المرشحين، وحتى لو كانوا كلهم من طائفة واحدة، أو لون واحد، فإن السبيل إلى انتقادهم مفتوح، إلا أن من المهم النظر إلى انهم لا يتعاملون وفق منطق الهيمنة والسيطرة، ولا يدعون بأنهم يمثلون طائفة بعينها تمثيلاً حصرياً، أو شبه حصري، وفي الوقت ذاته يبدون استعدادهم الكلي أو الجزئي للتعاون والتنسيق مع الجمعيات السياسية الأخرى أو مع المستقلين كلما كان ذلك ممكناً. إننا أمام استحقاق يستحق التوقف والتأمل والمراجعة أيضاً، وليس ذلك القول من قبيل التقليل من أهمية ودور الجمعيات السياسية التي سقناها مثلاً في هذا المقال، لكن الإنصاف يجعلنا نقول ان أفضل التوقعات ستعني أن 30 مقعداً على الأقل سيتم احتكارها من قبل الجمعيات الثلاث. ورحم الله من قال : لا تنهى عن فعل وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم، وهنيئاً لشعب البحرين الذي سيترك له المجال للتنافس على 3 الى 10 مقاعد فقط في الانتخابات النيابية، التي يتوقع أن يتقدم لها ما لا يقل عن 221 مرشح
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 1504 - الأربعاء 18 أكتوبر 2006م الموافق 25 رمضان 1427هـ