العدد 1504 - الأربعاء 18 أكتوبر 2006م الموافق 25 رمضان 1427هـ

اللبنانيون... والقلق من هدية عيد الفطر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اللبنانيون ينتظرون هدية عيد «الفطر السعيد». الهدية طبعاً سياسية ويتوقع لها أن تكون من العيار الثقيل. الكل ينتظر والبعض يرى أن هناك تداعيات من الصعب السيطرة عليها بسبب انعدام الثقة بين الأطراف وتعاظم المخاوف بعد وصول حلول «الوسط» إلى نقطة سلبية.

هذه الفضاءات يمكن التقاط إشاراتها من خلال رصد المواقف والبيانات واللقاءات والمهرجانات والتصريحات المتبادلة. فالكل خائف أو متخوف من وجود برامج سياسية تدفع بالعلاقات الأهلية المتوترة إلى مزيد من التشنج وربما انهيار بقايا نظام عام يتأرجح على حبل مشدود يشكل خط تماس بين التجمعات الحزبية التي تستقطب الناس إلى معسكرات وثكنات.

ما الاحتمالات المتوقعة؟ وكيف ستكون هدية العيد أو ما بعد العيد؟

قراءة الاحتمالات تتطلب عودة إلى الوراء وتحديداً إلى لحظة الإعلان عن وقف العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان في 14 أغسطس/ آب الماضي.

وقف إطلاق النار أسفر عن مجموعة نتائج ميدانية تمثلت في الخطوط الآتية:

أولاً: ظهور نوع من «التوازن السلبي» على الحدود اللبنانية/ الإسرائيلية استدعى إصدار قرار دولي جديد حمل الرقم 1701. وتحت سقف القرار انتشر الجيش اللبناني على الحدود لمساندة القوات الدولية (يونيفيل) التي تمركزت على «الخط الأزرق».

ثانياً: انسحاب قوات «حزب الله» من المنطقة الفاصلة من الحدود إلى شمال نهر الليطاني تحت مراقبة دولية تتمتع بصلاحيات تعطيها سلطات إشرافية على المياه والأجواء والمعابر اللبنانية - السورية.

ثالثاً: وقوع خسائر لبنانية فادحة شملت البنى التحتية والقرى الأمامية والضاحية الجنوبية وعشرات البلدات والجسور في مختلف المناطق.

رابعاً: الحرب فرضت على الدولة الضعيفة والمقوضة مهمات إضافية تتعلق بالأمن والدفاع والتعويضات وإعادة الإعمار. وهذه الأعباء الجديدة تطلبت من الحكومة القيام بجهود على مستوى حركة الاتصالات الدبلوماسية الدولية والإقليمية والعربية لتأمين المساعدات وتلبية حاجات المواطنين والعائلات المشردة.

كل هذه التطورات وضعت لبنان أمام استحقاقات صعبة. فمن جهة، لم تسهم الحرب في معالجة المشكلات ونقاط الخلاف التي كانت موجودة قبلها. ومن جهة أخرى، زادت الحرب من المشكلات والأعباء وبات على لبنان (الدولة والمقاومة) التعامل معها بواقعية بعد أن تضخمت الخلافات وارتدت داخلياً في سلسلة اهتزازات سياسية يتوقع لها أن تتطور سلباً في حال تمسك كل فريق بوجهة نظره.

الحرب إذاً أقفلت خطوط التماس بين لبنان و»إسرائيل» وفتحت في المقابل شبكة من خطوط التوتر الداخلي بين الطوائف والمذاهب والمناطق.

هناك إذاً قذيفة عنقودية سياسية مرتدة تتطلب من القوى المعنية التعامل معها بحذر حتى لا تنفجر داخلياً وتتطاير شظاياها في كل الاتجاهات. فالفوضى الأهلية في النهاية لا تخدم الدولة وستكون المقاومة أكثر الأطراف تضرراً منها.

هدية العيد كما يبدو سائرة باتجاه الفوضى إذا لم تتداركها الأطراف وتقوم بمعاينتها قبل فتحها. فهناك أكثر من مفاجأة متوقعة في بلد لم يعد يحتمل المزيد من الهدايا. البعض يقول إن الأزمة ستكبر في حال لم يفتح موضوع الحكومة والتعديلات الوزارية المقترحة. والبعض يقول إن الأزمة وصلت إلى حدها الأقصى وبات على الأطراف اللجوء إلى الحوار بحثاً عن مخارج لها. وهناك من يقرأ الأزمة من الخارج ويرى أن عناصرها ليست داخلية وهي مرتبطة بحدود نسبية مع تلك التطورات التي تظهر من قريب وبعيد في الأفقين الإقليمي والدولي.

إذاً هناك «هدية عيد» بغض النظر عن رؤية الأطراف لمضمونها وأبعادها. والغلاف الذي يحيط بالصندوق يشترط تغيير الحكومة أو تعديلها أو توسيعها قبل البحث في أمور أخرى.

وحدة أم تعطيل؟

المسألة إذاً تتركز على الحكومة. البعض يقول إن تداعيات الحرب تتطلب قيام حكومة وطنية تمثل كل الأطراف لمواجهة استحقاقات العدوان. وهناك من يؤكد أن قيام دولة «عادلة وقوية» يشترط تشكيل حكومة تكون على سوية المهمات المطلوبة لإعادة صوغ دولة لبنانية جديدة.

البعض الآخر يرفض هذا المنطق. ويرى أن المطالبة بإعادة تشكيل الحكومة أو توسيعها أو تعديلها تستهدف إضعاف الدولة من خلال نقل الانقسام السياسي من الشارع إلى الوزارة.

بين الاتجاهين أخذت تظهر معالم خطوط ترسم وجهة نظر تُوَفِّقُ بين الرأيين. وهذا الاتجاه الثالث يرى أنه لا مانع من تعديل الحكومة إذا كان الأمر يصب في الصالح العام. والصالح العام يتطلب العودة إلى طاولة الحوار والبحث مجدداً في برنامج سياسي يشكل قاعدة «البيان الوزاري» للحكومة الجديدة.

الاتجاهات الثلاثة يمكن رصد تموجاتها في الشارع السياسي. حزب الله مثلاً يرى أن الحكومة مقصرة ولابد من تعديلها لتلعب دورها المطلوب آخذاً في الاعتبار مصالح الأطراف المتحالفة معه في «السراء والضراء». تيار الجنرال ميشال عون يقرأ المسألة من زاوية «تهميش المسيحيين» ويطالب بإدخال وزراء يمثلون وجهة نظره حتى تكتمل صورة التمثيل وتتوازن طائفياً. قوى «8 آذار» تطالب بالتغيير؛ لأن حكومة فؤاد السنيورة تمثل غالبية وهمية بينما مزاج الشارع يتحرك خارج مظلتها الرسمية. قوى «14 آذار» تتخوف من التعديل وتوافق على التوسيع إذا كان هذا الحل المطلوب لتخفيف احتقان الأزمة. رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يمانع قيام حكومة وطنية إذا كان مطلب تعديل الحكومة يؤدي إلى نوع من التوافق يعطل الانفجار.

المسألة إذاً في ظاهرها غير مقفلة كلياً. ولكن الاتجاهات تضغط نحو أزمة أكبر من حكومة وتتجاوز في أبعادها السياسية حدود توسيع التمثيل والتعديل. فالفريق الذي يطالب بحكومة الوحدة الوطنية يرفض فكرة التوسيع ويقترح استبدال وزراء بوزراء. والفريق الذي يطالب بتوسيع رقعة الحكومة يرفض أن يكون الاستبدال على حساب تحالفاته في الشارع وتوازنات الكتل البرلمانية. وذريعة الفريق الثاني تتركز على نقطة إجرائية وهي ألا يكون التوسيع أو التعديل أو الاستبدال يستهدف تعطيل الحكومة ومنعها من القيام بواجباتها بسبب وجود «الثلث المعطل». والفريق الأول يصر على فكرة «الثلث المعطل»؛ لأنها تشكل ضمانة قانونية تمنع جر الدولة إلى مناطق لا تتوافق مع مصلحة البلد.

الموضوع إذاً ليس له علاقة بالوحدة الوطنية لمواجهة استحقاقات العدوان وتداعياته بقدر ما هو يتصل ضمناً بالتوازن الدستوري الذي يتطلب تشكيل حكومة تمنع الغالبية من اتخاذ خطوات سياسية أو إجراءات تنفيذية لا تتناسب مع توجهات قوى المعارضة. وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق من دون «الثلث». فالثلث (ثلث مجموع الوزراء) إذا توافر يستطيع أن يعطل أي قرار تتخذه الحكومة. وهذا بالضبط ما ترفضه القوى الأخرى (الغالبية البرلمانية)؛ لأنه يعرقل على الحكومة القيام بواجباتها سواء على مستوى الداخل أو إدارة العلاقات الخارجية.

ضمن هذه الحدود (الثلث) يمكن رؤية ملامح الأزمة. وخطورة الموضوع هي أن يتمسك كل فريق برأيه. فهذا يريد «الثلث» حتى تستقر الحكومة، وذاك لا يريد «الثلث» حتى لا تتعطل الحكومة. وبين هذا وذاك يسير القطار على خطين متعاكسين يجتهد نبيه بري للتوفيق بينهما أو لضمان عدم اصطدام العربات قبل التفاهم على محطة تسوية تنقذ البلد من «هلاك» متوقع في حال فشلت المفاوضات في ترتيب توافقات.

اللبنانيون إذاً ينتظرون بقلق هدية عيد «الفطر السعيد». والفرقاء يتخوفون من تلك المفاجأة التي يتضمنها الصندوق. ومن الآن حتى تبدأ الأطراف بفك الغلاف الملون لابد من الانتباه إلى تلك القنبلة العنقودية التي ألقتها «إسرائيل» على لبنان خلال فترة العدوان وقبل وقف إطلاق النار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1504 - الأربعاء 18 أكتوبر 2006م الموافق 25 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً