المناضل الوطني عبدالرحمن محمد النعيمي، قد تختلف وتتنافر مع أطروحاته وأفكاره، وتوجهاته السياسية والأيديولوجية، كما أنك ولو كنت يا عزيزي القارئ فرداً آخر يحمل رؤى وهواجس وتصورات أخرى، فإنه من المحتمل أن تجد نوعاً من التوافق والانسجام السياسي مع النعيمي، إلا أنك وفي كلا الحالتين من الاختلاف أو الائتلاف مع النعيمي.
وحتى في حال أنك وقفت على ضفة الحياد ووجهت نقداً وقراءة موضوعية بحق النعيمي سيرة ومسيرة، إلا أنك لا يمكن لك وعلى المثل، أن تنتقص من قيمة هذا الرصيد الوطني الهائل الذي يشكله النعيمي في حسابات العمل السياسي بالبحرين ماضياً وحاضراً!
كما أنني أتوقع بأنه لم يكن عبثاً أو حشواً للفراغ وتكملة للعدد، في أن تختار وتخص “الوسط” هذه الشخصية الوطنية المحترمة إلى جانب تقي البحارنة للكتابة عن المناضل الوطني الراحل عبدالرحمن الباكر في الذكرى المجيدة لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني في العام 1954، فأي هيئة وأي أيام تلك التي يذكرها معاصروها بشيء غير يسير من الانتشاء والتلذذ الوطني، والذي قد يبدو لنا نحن مغالى ومبالغاً فيه، حينما تعصرنا الحسرة ويأكل الهم والحزن كالجذام أطراف أمانينا النضرة، وأحلامنا البراقة في وطن يحضن جميع أبنائه، ويرعاهم كما لو أنه قداسة الأم!
لا وطنا يستوي فيه بمذبح الوثن حيث يستعر الصراع بين أبنائه على إقصاء الآخر سعياً وراء خطب ود شرارة حلم وثني!
وليس وطن أشبه ما يكون بــ “الوطأ” الذي يصبح فيه المواطنون بكل أطيافهم وفئاتهم وطوائفهم واثنياتهم مجرد فوائض بشرية متزايدة، تطرح لتلبية طلبات وحسابات طارئة وملحاحة!
كما أنه ليس بـ “الوطن” المحمية المنزوعة السيادة والمرهونة في اتفاقات موقعة مع قوة عظمى، قد لا تضاهى شراسةً وجشعاً ونفاقاً على مر التاريخ، وتستقطب فيه الاستخبارات لا الخبرات والكفاءات العلمية النادرة التي قد تنفع الوطن ومواطنيه، وتنمي أوضاعه إلى الأفضل، وتعزز من قيم الولاء وأواصر الشراكة التاريخية بين شعب عظيم وعائلة كريمة.
وبالعودة إلى موضوع مقال عبدالرحمن النعيمي عن المناضل الراحل عبدالرحمن الباكر، المرتبط باسمه المشع في الذاكرة الوطنية حين تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، فإنني أرى بأن قد يبدو واضحاً للعيان ولعدد غير محدود من المراقبين والمطلعين والمتابعين تلك العلاقة الوثيقة والآصرة الروحية والنورانية، والتي جمعت بين التطلعات المبدئية والقيمية التي يؤمن بها النعيمي مع روح الباكر الوثابة بإشراقاتها الوطنية السامية، والتي لم تعقها الرفات الطاهرة في قبر صاحبها بالشقيقة قطر منذ مطلع السبعينات، والذي للأسف لم يتسنَ للأسف لحاملة أختام ومفاتيح قلبه ووجده “البحرين” أن تضمه ضمة أمومة طاهرة ولو لمرة واحدة وأخيرة بعد عذابات المنافي ونهش الغربة الباردة!
وإن كنا هنا لا نعني بالمرة تحضير أرواح، وإنما تواصل الرسالة وانتقال الراية الوطنية ذاتها من يد إلى يد، ومن جيل إلى جيل!
الحق يقال انه و ووقوفاً على حقائق جذرية لاختلافات الزمان والسياقات بين المناضلين الباكر والنعيمي، إلا أن ما يجمعهما هو الكثير الكثير مما لا يمكن تجاهله ونكرانه من قبل جاهل.
ما يجمعهما هو الحس الوطني الراقي والتسامي قدر الإمكان، ومجاهدة لا تكل لطبيعة النفس البشرية لكليهما، عن التأثر أو التأثير فالمقصود أو حتى العشوائي في ما ساد وما يسود حالياً من تأزم واحتقان طائفي وتشرنق فئوي طفيلي، وانتهازية سياسية رهنت كل شيء للراهن!
كما أنهما يكادان أن يتحدا في تبني رؤية واقعية مشتركة، وتصور بعيد المدى ظفر بما يعزز صدقيته تاريخياً، وذلك بشأن واقع وأصل الأزمة الطائفية المتنقلة في دورات موسمية متباينة من اشتعال وتيقظ إلى خمود وهمود، والتي تبدو لهما وفي جانب مترامي الأطراف، بأنها صنيعة خاضعة لاستغلال واستخدام أداتي ومصلحي بحت، أكثر من كونها حالة عضوية في بيئة معينة، وحقيقة ومعطى اجتماعي فعلي!
ما يجمع النعيمي والراحل الباكر وربما بناءً على قراءة معمقة في فهارس الشخصيتين المناضلتين، هو النهل والانتهاج من تلك العقلانية الصلبة، والواقعية الرزينة، والتي قد تميزهما عن الكثير من الثوار والمناضلين والقادة السياسيين على أرض الوطن، فكلاهما -الراحل والحي- لم يحقنه حتى الآن بؤس الوضع المزري والمعاش باسوداد حنقه، وعنف لا عنفوان لحظته، ولم تمنعهما المعارضة الجادة والحماسة الوطنية المتقدة بشكل ملحوظ لكشف وفضح المفسدين، وتعرية الواقع، وممارسة النقد الذاتي، وتحطيم التابوهات الاصطناعية والأوثان بفن واحتراف، من أن يكونوا رائدين ومعلمين مشهودا لهم بـ “تعقيل” و”تهذيب” الكثير من دعاوى قوى المعارضة.
نذكر من بينها على سبيل المثال الاحتجاج الشديد للنعيمي على التجيير الطائفي الذي أجاد ممارسته أفراد ومعارضون محددون لقضايا تدني مستويات البنية التحتية والمرافق العامة في منطقة محددة، بالإضافة إلى التصدي المبدئي والسلوكي لهجوم بعض الأطراف المعارضة المتشددة على المتجنسين بصفتهم “مرتزقة” و”دخلاء” فيما ينتهك من كراماتهم وحقوقهم كأناس وكأشقاء عرب وإخوة مسلمين، فلا يجوز تحميلهم وهم الضحايا المسئولية عن وضع وعن لعبة ومقايضة وضعوا في ثناياها من دون أن علموا بأبسط نقاطها وخطوطها وقوانينها.
وبالنسبة إلى الباكر فلا ننسى ما بذله من جهود كريمة ومضنية في رأب الصدوع، والنهوض بالمآخاة القومية والوطنية بين الأشقاء من أهل السنة والجماعة والطائفة الشيعية الكريمة في وجه أجندة الاحتلال البريطاني والمتحالفين معه محلياً من خلال سياسات مصلحية مراوغة وخبيثة لا تعجز عن تورية بل وإخفاء مقاصدها ومراميها الحقيقية، وهي لربما ذاتها التحديات التي يقف في مواجهتها المناضل الوطني النعيمي ورفاقه! ولربما الخصوم ذاتهم من بعض أفراد وقيادات تيارات الإسلام السياسي التي تبدو، كما لو أنها شذت عن منهاجها الرسالي والدعوي، وقاعدتها التنظيمية الإقليمية وآفاقها العالمية، لتكتفي بتأدية واجبات ومهمات وجودية أشبه ما تكون وللأسف بواجبات ومهمات “الجماعات الوظيفية” التي يمكن التعرف عليها جيداً في مؤلفات المفكر المسيري!
وأكاد أكون جازماً وشديد التأكد من أنني سأجابه بعد أن يتم نشر هذا المقال ربما بتيار استنكاري واحتجاجي ولربما استهجاني من اتهامات شخصية موجهة لي لتملقي ومداهنتي للمناضل الوطني عبد الرحمن النعيمي!
وستأتي تلك الاتهامات ربما من متردية في الأدب ونطيحة في السياسة، إلى جانب محترفي إصدار الشيكات السياسية من دون أدنى رصيد وطني وحضاري، وربما من خصوم أيديولوجيين وطائفيين مخمورين.
ولكن لا يمنع أن تأتي من زملاء وأصحاب أفاضل عن سوء فهم لكونهم يضيقون ذرعاً بتقديس الشخصيات الوطنية، وإن كنا هنا لا نقدس وإنما ننصف فنشيد.
ولا أدري حينها كيف التعامل بجدية ووضوح أكبر مع هذه الاتهامات التي ستتناسى الراكضين خلف “حلاوة” الدنانير من مجلس وجاهة إلى مجلس مشيخة، والحائكين والمدبجين لقصائد وقوافٍ مدائحية متهافتة أشبه ما تكون بالفراشات الملونة من بابي “الخسة الحشرية” و”الإبهار”!
فعلام يتملق مناضل وإنسان عظيم في بساطته مثل النعيمي؟!
لا أقول إلا هنيئاً للدائرة الرابعة من محافظة المحرق الشماء بأن يكون المناضل الوطني عبدالرحمن محمد النعيمي على رأس مترشحيها إلى بوابة المجلس النيابي
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1504 - الأربعاء 18 أكتوبر 2006م الموافق 25 رمضان 1427هـ