بحسب مصادر مؤسسة النقد الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستشهد في العام المقبل (2007) نمواً غير مسبوق يصل إلى 12 في المئة مقارنة بمجموع الناتج القومي لهذا العام، ومن المتوقع أن يزداد الفائض في موازنات الدول، وأن تكون دول الخليج في المقدمة. وهذا يعني أن لدينا فرصاً كثيرة لاستثمار المال في البنية التحتية وتسهيل حياة الناس في الاسكان والتعليم والصحة، وهذا كله يتطلب ضبطاً للإنفاق وترشيداً في الاتجاه الصحيح لكي لاتتكرر الأخطاء التي حدثت في الماضي.
ففي نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، ازداد الدخل بسبب ارتفاع سعر النفط، ولكن مع الأسف فإن كثيراً من ذلك المال ذهب لشراء الولاء، وفي أحيان أخرى تم صرفه على جماعات محددة لإسكاتها «مادياً» ولكي تبعد عن السياسة. ولاحقاً وجد البعض أن الفرص مؤاتية لإشغال من كان سيشتغل في السياسة بعيداً عن الأوطان. وعلى أساس ذلك ظهرت حينها ظاهرة العرب - الأفغان، وهم الذين ذهبوا الى أفغانستان للجهاد ضد القوات الروسية، ولكن بعد ذلك انقلبت المعادلات السياسية الدولية والاقليمية، وانطلقت حركات واتجاهات مازلنا نعيشها لحد الآن.
إن ما نأمله هو ألاتكرر الجهات الرسمية الخطأ ذاته، وألاتبذر المال في شراء الولاء، أو في ابعاد الناس عن السياسة عبر الترغيب المادي. فالحوادث التي نمر بها إنما كانت نتيجة هذه السياسات غير الصحية، فالإنسان «مدني بطبعه»، ولأنه مدني فهو «سياسي»، والأفضل أن نقتنع بأن بني البشر سيتجهون الى السياسة عاجلاً أم آجلاً، ولذلك فإن من المحبذ أن تستثمر الأموال في خدمة رؤية بعيدة المدى تعتمد على تأسيس مفاهيم المواطنة، ومفاهيم الدولة الحديثة، تلك الدولة المحايدة بين جميع فئات المجتمع، وهي الملاذ لجميع الأطراف، لأنها نابعة من المجتمع، وهي مسئولة أمامه في نهاية المطاف.
إن أملنا في تحرك العملية الاصلاحية مع الانتخابات الحالية في اتجاه مغاير لما شاهدناه خلال الفترة الماضية، إذ انصبت جهود بعض الجهات الرسمية على انفاق ثروات الوطن (التي تتوافر حالياً بشكل غير مسبوق) من أجل إسكات هذه الفئة، أو تغليب هذه الجماعة على تلك. إن مثل هذه الممارسات تأتي بنتائج عكسية على من ينفذها، وهو كلام لانقوله تكهناً وإنما نشاهده بأم أعيننا وفي عدة أماكن من حولنا. فالمال لايقتل الأفكار، والانفاق المالي إذا لم يحسن توجيهه يرتد بشكل فجائي ويقلب الطاولة. إن أمامنا فرصة حقيقية لكي نعالج مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية عبر الالتزام بنهج سياسي قائم على مفاهيم الحكم الصالح الذي تستقيم الامور من خلاله، وهذا يتطلب الشفافية وتعزيز الثقة وتوفير فرص العيش الكريم للجميع والابتعاد عن كل ممارسات التمييز أو الاستهداف أو التفضيل. فكلنا يجب أن نكون متساوين في دولة القانون
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1504 - الأربعاء 18 أكتوبر 2006م الموافق 25 رمضان 1427هـ