العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ

حليم ومأزق السندريلا

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

على رغم قيام بعض المحطات الفضائية ببث مسلسل درامي يناقش سيرة المطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ، وعلى رغم كل ما يحاط بهذا المسلسل وسواه من المسلسلات التي تناقش سيرة المشاهير من أهل الفن، فإن كثيراً من محبي العندليب الأسمر، لايزالون ينتظرون بفارغ الصبر وصول فيلم «حليم» الى شاشات السينما. هو انتظار قد يطول قليلاً خصوصاً إذا علمنا أن الفيلم لايزال يتنقل بين مختلف المهرجانات، ولاتزال الرؤية غير واضحة فيما يتعلق بموعد عرضه. لكن كل ذلك الانتظار لم ولن يتمكن من أن يقتل رغبة ولهفة جمهور العندليب لمشاهدة أول عمل سينمائي يناقش سيرته الذاتية. وربما يكون الجزء الكبير من تلك اللهفة يعود لكون الفيلم ثاني انتاج تقدمه شركة غود نيوز التي اتحفت الجمهور العربي في وقت سابق من هذا العام، بإنتاجها الأول «عمارة يعقوبيان». وكما هو معلوم فإن ذلك الفيلم، شكل علامة مميزة ونقطة فاصلة في التاريخ الحديث للسينما المصرية. هو بحق رائعة، إن جاز وصفه كذلك، على الأقل لتمكنه من إسترجاع روح أفلام الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي بلغت فيها السينما المصرية أوج تألقها وقمة نضجها، سواء عبر نصوص أفلامها المتينة البناء، أوعبر مناقشتها الجريئة لكثير من قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية بشكل لم يتكرر في تاريخ السينما المصرية. «يعقوبيان» جاء بنص محكم واستعرض بجرأة كبيرة جزءاً من التاريخ الحديث والمعاصر لمصر، وقدم قصة جميلة تمتلئ بكثير من الاسقاطات السياسية على الواقع المصري الراهن اليوم.

بالطبع يكمن السر الأكبر لدى حليم أولاً، قبل غود نيوز ويعقوبيان، فالعندليب الراحل لايزال حيا في الذاكرة العربية ولاتزال أغانيه تحقق أعلى المبيعات في سوق الأغنية العربية التي يصعب اليوم على أي مطرب مهما بلغت قوة ادائه من الصمود فيها. لكن حليم الذي غادر هذه السوق، قبل عقود عدة، لايزال هو الأول، في قلوب كثيرين، ولايزال واحداً من أفضل الأصوات، ولاتزال ألحانه وكلماته وقصة نجاحه تلهم الكثيرين من السائرين على الدرب ذاته.

حليم وغود نيوز هما عاملا نجاح الفيلم الأولان إذاً، لكن ماذا عن بطل الفيلم وعن الممثل الاسطورة، أحمد زكي، الذي يقدم هنا آخر أدواره، بل إنه قدم بعض مشاهد الفيلم التي تصور نهاية حليم، على سرير المستشفى الذي يرقد فيه زكي نفسه وعلى فراش موته!. وليس ذلك بمستغرب من فنان مثل زكي وهو الذي طالما عودنا على تقمص الشخصيات التي يؤديها على الشاشة وعلى تحري أقصى درجات الدقة والواقعية في تقديمها . وهو هنا لا يفعل سوى أن يواصل سيرته تلك إذ يأبى إلا أن يعتمد الواقعية نهجاً له حتى النهاية ليموت وهو يمثل، وليجسد موت حليم بأشد ما يمكن أن تكون الواقعية!

هي عوامل كثيرة إذاً ما يمكن لها أن تضمن للفيلم نجاحاً مدوياً، هذا إلى جانب الدعاية الضخمة التي قامت، ولا تزال تقوم بها، الشركة المنتجة للفيلم، وهي دعاية مدروسة آتت أكلها مع «عمارة يعقوبيان» وأظنها ستفعل الشيء نفسه هذه المرة، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار اعتماد الشركة عامل التشويق و»التمنع» على المشاهد كنوع من الدعاية للفيلم!

وعلى رغم أن كثير من النقاد ممن حالفهم الحظ لحضور العروض التي اقيمت للفيلم في مختلف المهرجانات، خرجوا بتقييمات سيئة له، ووصفوه بالضعف الدرامي تارة وبالفشل في خلق الانفعال والتعاطف لدى المشاهد تارة أخرى، وبالافتعال مرة ثالثة! باختصار حاولوا إفساد متعة مشاهدته وتنفير المتفرجين المتلهفين منه، قبل أن يرى نور شاشات دور السينما، مع ذلك ظل كثيرون يحملون اللهفة ذاتها! لم يقتل طول الانتظار ولا انتقادات المختصين لهفة المشاهدين إذاً، لكن ما فعل ذلك هو ما لم يكن في حسبان صناع الفيلم، ولم يطرأ على بال أي من المشاهدين ولا حتى النقاد. هناك عاملان تمكنا إلى حد كبير من أن يفسدا الأمور على غود نيوز، وعلى حليم، وحتى على زكي الذي رحل قبل أن يحقق حلمه في تقديم هذا الفيلم أو اتمام تصويره!

اول هذه الاعمال حمل اسم العندليب، بينما جاء الآخر تحت اسم السندريللا. أول هذين العملين جاء مملاً بنصه المشتت الذي لا نعلم إن كان يناقش سيرة العندليب أم يستعرض بعض ارهاصات تلك الفترة من تاريخ مصر. كذلك اعتمد صناع المسلسل بطلاً لا يمت للتمثيل بصلة، تم اختياره لا لشيء سوى لحمله قليلاً من الشبه بحليم، وهو شبه في المظهر فقط. وعلى رغم محاولات هذا الشبيه تقمص روح العندليب، فإن الناتج كان عملاً لا طعم له ولا نكهة فيه ولا حاجة لأي من محبي العندليب لأن يضيعوا أوقاتهم في مشاهدته.

أما العمل الثاني وهو السندريلا الذي يناقش حياة الفنانة الراحلة، سندريلا الشاشة العربية، سعاد حسني، فهوعمل لم يأت ليستعرض قصة نجاح هذه الفنانة المميزة، لكنه جاء ليفضح الكثير...و الكثير من أسرار حياتها الخاصة. هو عمل اشبه بيوميات بابارازي «صحافي فضائح» حاول تتبع بعضاً من حوادث حياتها وجاء هنا ليفضح كل شيء على الشاشة وأمام الملأ. طبعاً كاتب السيناريو عمل على أن يقدم صورة ملائكية للسندريلا لكنه على رغم ذلك لم يتمكن من أن يقدم نفسه سوى على أنه كاتب فضائح، متلصص على حياة البشر وأدق أسرار حياتهم. ما الذي يمكن أن يجنيه المشاهد من وراء معرفة أسرار حياة هذه الممثلة الراحلة والتفرج على أدق تفاصيل حياتها العاطفية والزوجية. وليس ذلك وحسب بل يمكن للمشاهد أن يطلع على أسرار بعض ممن عاصروا الفنانة وممن لايزالون على قيد الحياة، والذين لم يجد صناع المسلسل حرجاً في فضحهم على الشاشة كنجاة الصغيرة، الشقيقة الكبرى للسندريلا التي لا أظن قارئاً لن يدعم موقفها الرافض لما جاء في المسلسل ورغبتها في رفع قضية ضد صناعه. باختصار، لا يمكن احترام صناع المسلسل، بل إن وجودهم يجعلنانسأل عما يمكن أن يكون قد ناقشه فيلم «حليم». هل سنجد أنفسنا مقتحمين لخصوصيات العندليب، حتى وإن رحل، كما حدث مع السندريلا؟ هل سيتعين علينا قضاء ساعات نتعرف فيها على تفاصيل لا تمت بصلة لواقع قصة نجاحه الفني وخلود اسمه في عالم الغناء؟ وهل سيقع صناع فيلم حليم في ذات المأزق الذي وضع فيه صناع مسلسل السندريلا والعندليب أنفسهم، مع الورثة ومع شخصيات العمل ، ومع الجمهور أولاً وأخيراً؟‡

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً