تحويل أموال إلى الخارج من طرف العمال المهاجرين أو المقيمين في بلدان غير بلدانهم الأصلية، ظاهرة معروفة منذ زمن بعيد. فهذه النقود تعيل العائلة التي ظلت مقيمة في البلد الأصلي وتساهم في تقليص مستوى الفقر على المستوى المحلي، كما تعطي دفعة للتنمية الاقتصادية للبلد الذي قدم منه أولئك المهاجرون.
وعلى رغم اهتمام جهات كثيرة بهذه الظاهرة في دول مجلس التعاون نظراً لما تشكله من حالة خاصة، لكننا لا نزال نشعر بشحة المعطيات الدقيقة المطلوبة.
وحديثاً أصدرت الأمانة العامة لمجلس التعاون (الشئون الاقتصادية) دراسة بعنوان «تحويلات العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون: محدداتها وآثارها الاقتصادية» تضمنت تحليلاً لحجم وتاريخ ومُحددات تحويلات العمال الأجانب في دول المجلس، بالإضافة إلى آثارها الاقتصادية على دول المجلس.
ووفق هذه الدراسة التي أعدتها إدارة الدراسات والتكامل الاقتصادي في الأمانة العامة، بلغت تحويلات العمال الأجانب في الوقت الحاضر نحو (27) مليار دولار سنوياً في دول المجلس الـ 6 مجتمعة.
ومن هذا الإجمالي تمثل تحويلات العاملين الأجانب في المملكة العربية السعودية أكثر من 60 في المئة من إجمالي التحويلات أو (16) مليار دولار سنوياً، في حين تمثل تحويلات العاملين في دولة الإمارات العربية المتحدة نسبة 16 في المئة من الإجمالي أو (4) مليارات دولار سنوياً، بينما يتوزع الباقي (7 مليارات دولار سنوياً) على دول المجلس الأخرى.
وسجلت الدراسة ارتفاعاً ملحوظاً في حجم التحويلات خلال الفترة (1975 - 2002) إذ ارتفعت من نحو (1.6) بليون دولار في العام 1975 إلى نحو (27) مليار دولار في العام 2002.
وبلغ مجموع تحويلات العمال الأجانب من دول المجلس خلال الفترة (1975 - 2002) أكثر من (413) مليار دولار من دول المجلس الـ 6، موزعة كالآتي:
- المملكة العربية السعودية: (260) مليار دولار.
- دولة الإمارات العربية المتحدة: (65) مليار دولار.
- دولة الكويت: (29) مليار دولار.
- سلطنة عمان: (26) مليار دولار.
- دولة قطر: (23) مليار دولار.
- مملكة البحرين: (11) مليار دولار.
وتظهر الدراسة أن تحويلات العمالة تشكل نسبة عالية من موارد دول المجلس وتؤثر على اقتصادها بشكل ملحوظ، إذ يشكل التسرب الناتج عن هذه التحويلات ما نسبته 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس سنوياً، كما يعكس فشل الأسواق المصرفية والمالية في استقطاب هذه الأموال واستثمارها.
الغريب في الأمر أن الدراسة لا تقترح حلولا شمولية متكاملة، فهي على سبيل المثال لا ترى ضرورة وضع قيود على تحويلات أموال مثل هؤلاء العمال، منطلقة من مسلمة أن دول المجلس تؤمن بحرية تنقل رؤوس الأموال ومبادئ الاقتصاد الحر، على رغم أنها تقترح تقديم الحوافز عن طريق تطوير أوعية إدخارية وأدوات استثمارية ملائمة لتشجيع العمال الأجانب على إدخار واستثمار جزء من مدخراتهم في الأجهزة المصرفية لدول المجلس، كما تدعو الدراسة إلى تشجيع العمال الأجانب على دعم الاقتصاد المحلي عن طريق اتباع إجراءات تساعد على زيادة إنفاق العمال الأجانب داخل دول المجلس.
ولكي نقدر الحيز الذي تحتله العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون، يمكن العودة للتقارير الدولية. ففي تقرير البنك الدولي الأخير بشأن الموضوع، يضع السعودية في المرتبة الثانية على قائمة الدول التي تأتي منها التحويلات المالية بعد الولايات المتحدة، تليها ألمانيا، وتحتل سويسرا المرتبة الرابعة الذي قدر البنك الدولي تحويلات الهاجرين الأجانب منها بحوالي 11 مليار دولار (يساوي تحويلات العمال الأجانب من البحرين في العام خلال الفترة بين 1975 - 2002 ).
يشار إلى أن جميع هذه الأرقام لا تأخذ بعين الاعتبار الأموال التي يأخذها المهاجرون معهم لدى عودتهم إلى بلدانهم ولا قيمة البضائع الاستهلاكية التي تُـرسل من حين لآخر إلى من تبقوا في البلد الأصلي.
ويتوقع البنك الدولي مزيداً من الارتفاع في تحويلات المهاجرين في المستقبل. وربما يكون هذا الخبر مفرحا للبلدان التي تستفيد من هذه المداخيل، كما أنه خبر جيّـد لشركات تحويل الأموال التي يُـمكن لها أن تعتمد على تصاعد الطلب على الخدمات المصرفية لفائدة المهاجرين. ومن بين هذه الأمثلة. لكنه من الطبيعي ألا يكون مفرحاً للدول النازفة التي تحول منها مثل هذه المبالغ الخيالية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ