العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ

مقارنة انتخابية بين البحرين ولبنان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أقفل باب الترشيح على دورة الانتخابات التشريعية التي ستعقد في البحرين في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل ليل أمس الأول. وبهذا تكون المملكة في حال استعداد لمواجهة معركة ديمقراطية حقيقية لاختيار أعضاء مجلس النواب بعد إقلاع الجمعيات السياسية عن خيار المقاطعة وقبولها التعامل بعقلانية مع الواقع.

هذا التطور يفتح المجال للمقارنة بين الديمقراطية الوليدة في البحرين في خطوتها الثانية بعد مرور أربع سنوات على الأولى، وبين ديمقراطية شائخة في لبنان تعاني الويلات لأسباب كثيرة منها تخلف القانون الانتخابي الذي يسهم في تعطيل إمكانات التطور السياسي في بلد يتعامل مع صناديق الاقتراع منذ نحو مئة سنة.

المقارنة بين البلدين ضرورية لتوضيح معالم صورة قد تكون غائبة عن الوعي السياسي للكثير من القوى التي ترى في لبنان «نموذجها» العربي للتقدم الاجتماعي والحرية الثقافية.

الملاحظة الأولى التي يمكن الانطلاق منها لعقد المقارنة تبدأ بتقسيم المحافظات. المحافظات في البحرين أوضح وأبسط في خريطتها الانتخابية على رغم اختلاف المساحات وافتراق نسبة الكثافة السكانية. بينما تقسيم المحافظات في لبنان معقد إلى درجة يصعب تمييز الخريطة الانتخابية بسبب تداخل الحدود جغرافياً وسكانياً.

الملاحظة الثانية تتعلق بتوزيع الدوائر. في البحرين هي أيضاً أكثر وضوحاً وبساطة وأقرب إلى تمثيل الواقع على رغم اختلاف الكثافة السكانية بين دائرة وأخرى. المحافظة الشمالية تتألف من تسع دوائر، ومحافظة المحرق من ثمان، والوسطى من تسع، والعاصمة من ثمان، والجنوبية من ست دوائر. هذا التوزيع للدوائر أخذ في الاعتبار المساحة الجغرافية ودمجها بمعدل الكثافة السكانية. وعلى رغم اعتراض جهات سياسية على عدم تطابق نسبة المقترعين مع التمثيل يبقى التوزيع يشكل مقاربة منطقية معقولة بين الواقع وتركيب المجلس النيابي المقبل.

في لبنان تبدو الخريطة مركبة. فالقانون الانتخابي خلط بين المحافظة والقضاء وجمع بين أقضية وفصل أقضية عن أخرى. وهناك محافظات تم تشطيرها إلى دائرتين، وأخرى إلى ثلاث؛ وهناك محافظات اعتمدت كلها دائرة واحدة.

الملاحظة الثالثة تتعلق بالمقاعد وتوزيعها. المقاعد في البحرين فردية والمترشح ينافس على الدائرة في مكان سكنه. فالمقعد لا هوية له سوى هوية المكان، ولا يخضع للطائفة والمذهب. وبسبب هذه الفردية يعتمد المترشح على قوته في الدائرة التي يخوض فيها معركته شرط أن يكون عنوانه السكني في المنطقة (الدائرة) التي يريد تمثيلها.

في لبنان القانون الانتخابي أكثر تعقيداً ويحتاج الى معرفة تفصيلية من المقترع بطوائف المترشحين ومذاهبهم (18 طائفة). فالمقعد الفردي لا يرتبط بالتنافس الفردي على الدائرة. فكل دائرة تضم مجموعة مقاعد والمترشح عليه أن يختار لائحة لتضمه وإلا فقد قدرته على المنافسة في حال ترشح منفرداً. نظام اللائحة ليس المشكلة فقط وإنما هناك مشكلات إضافية وهي أن المترشح ليس بالضرورة أن يكون محل سكنه في الدائرة فهو يستطيع أن يترشح في أي دائرة يختارها والشرط الوحيد المطلوب أن يكون المقعد الذي اختاره يتجانس مع طائفته ومذهبه. فإذا توافر المقعد يترشح في الشمال ومكان إقامته في الجنوب وإذا لم تتوافر الهوية الطائفية/ المذهبية للمقعد لا يحق له الترشح ولو مضى على إقامته في الجنوب أو الشمال 50 سنة. فالمقاعد النيابية في لبنان ليست موزعة بحسب الإقامة والسكن وإنما بحسب الطوائف والمذاهب ثم يعاد توزيع المقاعد بحسب المناطق. فالتوزيع طائفي/ مذهبي ويحق للمواطن أن يترشح في المكان الذي يختاره ولا يحق له التصويت إلا في المكان الذي ولد فيه. وبسبب طائفية المقاعد يخضع مرة أخرى توزيعها للكثافة النسبية لهذه الطائفة أو تلك في هذه المحافظة أو تلك. مثلاً محافظة كسروان تطغى عليها غالبية مارونية لذلك فكل المقاعد للموارنة ولا يحق لغير الماروني أن يترشح. والماروني يحق له أن يترشح حتى لو كان يقيم في طرابلس أو صور بينما السني من طرابلس أو الشيعي من صور لا يتمتع بهذا الحق حتى لو كان يقيم في كسروان منذ 50 سنة.

مثال كسروان ينطبق على كل المحافظات والدوائر والمقاعد في كل لبنان. حتى المقترع لا يحق له الإدلاء بصوته إلا في مكان ولادته. فالشيعي مثلاً من مواليد بعلبك وغادر مدينته طفلاً وعاش 50 سنة في بيروت لا يحق له التصويت في مكان إقامته بل عليه الذهاب يوم الاقتراع إلى بعلبك للإدلاء بصوته. ومثال ابن بعلبك ينطبق على كل اللبنانيين من الشوف إلى جبيل ومن عكار إلى صيدا. فمكان الولادة أقوى من مكان الإقامة حتى لو هجر المواطن موطنه الأصلي يبقى سجل نفوسه (لائحة الانتخابات) معلقاً بالأصل ولا يحق له تبديل مكان تصويته إلى مكان سكنه.

نظام لائحة طائفية

حتى الآن لم تتوضح صورة قانون الانتخابات اللبنانية. والصورة ستصبح أكثر غموضاً في حال المبالغة في رسم معالمها وتبيان حدودها. فالقانون الانتخابي في لبنان يعتبر الأعقد من نوعه في العالم، ولذلك لابد من تطويل الشرح حتى يمكن التقاط بعض مفارقاته العجيبة.

قانون البحرين يعتمد الدائرة الفردية. فهناك مقعد للدائرة ويتنافس عليها المترشحون من سكانها وعلى المقترع أن يختار اسم أحد المترشحين وانتهت مشكلة التصويت. مثلاً في الدائرة الثالثة من الجنوبية يتنافس سبعة مترشحين على المعقد، وفي الدائرة الثانية من العاصمة يتنافس 13 مترشحاً، وفي الدائرة الرابعة في الوسطى يتنافس تسعة مترشحين، وفي الدائرة السابعة من المحرق يتنافس ستة مترشحين، وفي الدائرة الخامسة من الشمالية يتنافس ثمانية مترشحين. المسألة واضحة كالشمس ولا تغيب عن ذهن المقترع معلومة ولا يحتار في التصويت. فما عليه فعله هو وضع اسم أحد المتنافسين في الصندوق وتنتهي المهمة.

في قانون لبنان الانتخابي هناك مجموعة حواجز على المقترع أن يقفز فوقها بنجاح وإلا سيتعثر صوته ويلغى من التعداد. وإذا عرف السبب بطل العجب. فالقانون ينص على تقسيم الدوائر وكل دائرة موزعة على مجموعة مقاعد. وبسبب تعدد المقاعد الموزعة بحسب توازن الطوائف ونسب المذاهب في الدائرة قرر المشرعون نظام اللائحة. واللائحة تضم عادة كل مقاعد الدائرة. وهذا يعني أن المقترع سيصوت إلى لائحة كاملة قد تتألف من خمسة مترشحين أو عشرة أو 15 مترشحاً أو أكثر أو أقل، وذلك بحسب الكثافة السكانية. وتتنافس على الدائرة (المتعددة المقاعد) أكثر من لائحة وأحيانا ثلاث أو أربع لوائح. ويحق للمواطن إذا أراد أن يشكل لائحته الخاصة ويختار المترشحين من اللوائح المتنافسة. إلا أن حرية الاختيار هذه مشروطة أو مكبلة بمدى معرفة المقترع بالأسماء والعائلات والطوائف والمذاهب. ليست هناك مشكلة إذا كانت الدائرة من لون طائفي واحد وتنتمي مقاعدها إلى مذهب واحد، فهنا ما على المقترع إلا أن يشطب هذا الاسم ويضع مكانه ذاك. تبدأ المشكلة في الدوائر التي تضم مجموعة من الطوائف والمذاهب المسلمة والمسيحية. وبسبب نظام اللوائح تتشكل أسماء المترشحين بحسب المقاعد وعلى مقاس نسبة (وزن) الطوائف والمذاهب. هنا تبدأ المشكلة مع المقترع المسكين إذا أراد أن يحذف هذا الاسم من هذه اللائحة ويضع مكانه الاسم المقابل من اللائحة المنافسة. فالمقترع هنا عليه أن يختار المنافس الآخر من طائفة الاسم المحذوف.

مثلاً إذا أراد المقترع أن يشطب اسم الدرزي في اللائحة التي اختارها فعليه أن يختار المنافس الدرزي في اللائحة الأخرى وإذا أخطأ بسبب تشابه الأسماء (محمد، أحمد، علي، حسين، حسن) ووضع الشيعي أو السني مكانه تكون النتيجة راحت على الدرزي ولم يكسب الشيعي أو السني صوته. فالصوت يجب أن يذهب إلى الدرزي فقط وألا يلغى الاختيار. وأيضاً إذا أراد المقترع استبدال المترشح الماروني في هذه اللائحة واستبداله بآخر فعليه أيضاً ألا يكرر الخطأ. وبسبب تشابه أسماء العلم أحيانا (جورج، جوزيف، ايلي، ميشال، بيار) فلابد أن يضع سهواً اسم المترشح الارثوذكسي او الكاثوليكي وإذا حصل الخطأ لا يحتسب الصوت للماروني ولا للارثوذكسي أو الكاثوليكي.

حتى الآن وصلنا إلى نصف المشكلة. النصف الآخر يبدأ في إشكالات كثيرة يقع فيها المقترع اللبناني في حال قرر اختيار لائحته. مثلاً هناك عشرات مئات العائلات المسيحية تكنى بأسماء عربية (طارق، زياد، وليد، خالد، عمر، فؤاد، غسان) وهذا يعني إضافة على تعقيد الاختيار حين يختلط الاسم بالمذهب. كذلك هناك عائلات مسيحية تحمل أسماء مسلمة في الانتماء للشجرة القبلية أو المكان الذي جاءت منه مثل الـ «الحسيني» أو «الهاشم» أو «البغدادي» أو «الحلبي» أو «المصري» أو «الدمشقي» أو «الطرابلسي» وغيرها. فهذه الأسماء لها دلالات مختلفة على طوائف ومذاهب متعددة لذلك على المقترع أن يمتلك معرفة قاموسية في انتماءات المترشحين حتى ينجح في اختيار الشخص المنافس للمقعد المناسب.

باختصار قانون الانتخابات البحريني أكثر سهولة وأبسط وأوضح والأهم من كل ذلك متطور في مضمونه السياسي لأنه يعتمد نظام الدائرة الجغرافية على أساس سكن المواطن. والدائرة فردية ولا تشترط نظام اللائحة أو الطائفة أو المذهب... إلى آخره.

في لبنان قانون الانتخابات متداخل ومتشعب وشائك فهو يخلط المحافظة بالقضاء والقضاء بالدائرة والدائرة بالعدد النسبي للمقاعد... ثم توزع المقاعد على الطوائف والمذاهب بحسب انتشارها في هذه المنطقة أو تلك. وأخيراً يزيد الطين بلة وجود نظام اللائحة (لا الدائرة الفردية) وهي تتطلب من المقترع المسكين أن يكون خبيراً في علم الأجناس والانتروبولوجيا وأعمق معرفة من الشهرستاني في منظومة «الملل والنحل»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1503 - الثلثاء 17 أكتوبر 2006م الموافق 24 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً