يرى المراقبون أن النواب الفرنسيين الذين صوتوا على القراءة الأولى للنص الذي يربط مداورة دخول تركيا بالاعتراف بمذابح الأرمن، وذلك خلافاً للقرارات المتخذة من قبل الاتحاد الأوروبي التي تربط هذا الانضمام بشروط أخرى قد أخطأوا بتسرعهم بإقرار هذا التوجه من ناحية أخرى، يتوقع هؤلاء بأن يؤدي ذلك إلى نشوء سجالات حادة مستقبلاً بين فرنسا من جهة ودول أوروبية فاعلة، على رأسها ألمانيا التي تدعم بقوة انتساب أنقرة للمجموعة.
على أية حال لم يتأخر بعض ممثلي الاتحاد الأوروبي بإظهار انزعاجهم من الموقف المتفرد الذي اعتمدته باريس من دون تشاور مسبق، وبدفع واضح من رئيس جمهوريتها جاك شيراك. إذ بعد نحو أسبوع على زيارته ليرفان، عاصمة أرمينيا، ودعوته من هناك للحكومة التركية الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن بقوله: «إن الدول تكبر باعترافها بأخطائها، وبالتالي على تركيا أن تقوم بذلك من دون تردد ما آثار بعض النواب المعارضين له، حتى من داخل صفه الذين حذروا من مغبة هكذا تصريحات متناقضة وغير مدروسة، كونها تفتح الأبواب على فرنسا لناحية المذابح التي ارتكبتها في الماضي بحق شعوب الدول التي استعمرتها، الجزائر مثال؛ خصوصاً بعد التصويت من قبل البرلمان الفرنسي في العام الماضي على مشروع القانون الذي يؤكد حسنات الاستعمار الفرنسي. ما أدى إلى تجميد توقيع «اتفاق الصداقة والسلام» بين البلدين. والذي أكد من بعده الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ضرورة اعتذار فرنسا رسمياً لما ارتكبته من مجازر بحق الشعب الجزائري.
وانتقدت شخصيات فرنسية متعددة، من ضمنها شريكة للرئيس الفرنسي في الأكثرية النيابية، التصويت على النص، متهمة النواب الذين رفعوا أيديهم بالموافقة عليه باخفاء حقيقة هذا الخيار عن الشعب الفرنسي. لأن ما يهم هؤلاء النواب المقربين من شيراك، ليس آلام الشعب الأرمني ومعاناته على مدى عدة عقود، بل جذب أصوات الفرنسيين من أصل أرمني الذين يصل عددهم إلى نحو 400 ألف.
ومن ضمن الآثار السلبية الأخرى التي ترتبت على عملية التصويت على هذا النص الذي حدا ببعض النواب والإعلام المرتبط بالأكثرية بين تركيا الدولة المسلمة - على رغم قوانينها العلمانية - والتطرف الديني الإسلامي، وأيضاً النوايا «الخبيثة» لحكام تركيا بغزو أوروبا دينياً من باب الانضمام إلى اتحادها، واقتصادياً عبر دخول أسواقها. كذلك قبول الشروط المفروضة مثل: حقوق الإنسان والديمقراطية، وصولاً إلى الاعتراف بالشطر اليوناني من جزيرة قبرص، وفتح أسواقها أما منتجات هذه الأخيرة. وتتوقع مصادر فرنسية مطلعة أن هذا النص لن يتحول إلى مشروع قرار يصوت عليه البرلمان، كون معارضته شديدة في أساسها، كافية لتشكل عقبة رئيسة في طريق تمريره. ذلك ناهيك عن التحرك السريع لاعتراض النص من قبل الاتحاد الأوروبي الذي أفهم المعنيين بهذا الملف ببروكسيل الحكومة الفرنسية أمس، بأن تجاوز القرارات المتفق عليه داخل الاتحاد والمتعلقة بملفات دقيقة، كالملف التركي، من شأنها أن تحدث ارباكات داخل المؤسسات الأوروبية هي بغنى عنها في هذه المرحلة.
ولا تخفِ أوساط فرنسية مطلعة أن تحريك هذه المسألة من قبل شيراك إلى حد التورط شخصياً، هي محاولة لوضع أصوات الأرمن في «الجيب» يمكن أن يدخل في إطار إمكان ترشح هذا الأخير لولاية ثالثة، وبالتالي معاقبة وزير الداخلية نيكولا ساركوزي على تمرده وخوضه المعركة الرئاسية من دون مباركته، وخصوصاً بعد سيطرته على حزب الأكثرية، «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية»
العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ