العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ

انسداد الطرق وتيبس القنوات (1)

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

الأوضاع والقوانين والنظم المعافاة والسليمة في المجتمعات هي التي لا تؤمن للأفراد حاجاتهم الشخصية فحسب، بل تتجاوز ذلك لتؤمن حاجات الكتل والجماعات والمذاهب والمدارس والأطياف المتساكنة على أرض واحدة وفي وطن واحد.

والأوضاع والممارسات السقيمة والطائفية المشرعنة صراحة أو بطريقة التساكت والتواري والمؤامرة، هي الصورة المقلوبة تماماً لما سبق، فلا الأطياف والطوائف ككتل تنال ما يشعرها بالتقدير والاحترام من حاجاتها الأساسية،على مستوى التمثيل والشراكة والحضور الفاعل، ولا الأفراد كآحاد يأخذون مكانتهم ومواقعهم بحسب الطاقة والكفاءة التي يتمتعون بها.

قد يقال هنا أن الأوضاع الطائفية ليست بسبب الأنظمة القائمة، بل بسبب تعقيدات الوضع الاجتماعي والعقدي الديني، ومن ينفخ فيه من المتعصبين المتعمدين، أو الجهلة المخدوعين، ومع أن هذه المقولات وأمثالها غير مهضومة أو مقنعة، لكن قد يتمكن المهمشون من تفهم المشكل القائم وأن يسعوا جاهدين للبحث عن حل في مشوار الألف ميل، ليبدأوا معاناتهم في طرق الأبواب والبحث عن منافذ يمكن أن تساعدهم في الانخراط ضمن مجتمعهم الكبير ليصبح إنسانهم إنساناً في النظام الاجتماعي القائم مساوياً في إنسانيته إنسان الطائفة الأخرى المسيطرة، محترماً كما يحترم ذاك، يـأخذ حيزه فتشعر طائفته بالراحة والسعادة لأن آحادها يتقدم تقدماً طبيعياً، فلا ترى داع لأن تتعامل بهوس طائفي متقوقع ومنعزل عن المجتمع الكبير.

إلى هنا يمكن القول إن مصيبة حلت وأن أهلها يجهدون في الوصول إلى حل، لكن ناقوس الخطر يزداد قرعه ويصبح مخيفاً حين تسد الطرق، وتوصد الأبواب، وتتيبس قنوات الحل أو تتلكأ، فتنعدم المعالجات الناجعة، ويكتشف الناس بفعل التجارب والمحاولات المتكررة أن طريق الألف ميل طريق دائري يعيد الأمور دائماً إلى نقطة العدم، ليُصفع الناس بنتيجة محزنة لجهدهم وعنائهم الكبيرين.

في هذه النقطة تحديداً، وفي المراوحة المتأرجحة في المكان الواحد، وضمن قانون «مكانك سر» ترتفع الأصوات معلنة أن هنالك مشكلاً قائماً، ويبدأ التبرم والانزعاج واضحاً في الطرف المقهور، ليتخذ التعبير عنه أشكالاً لا عدّ لها ولا حصر، أهونها على النظام الاجتماعي المسيطر، وأشدها على الطائفة المنكوبة هو أن تقرر الانعزال والتقوقع وعدم التفاعل والمشاركة في كل ما يمت بصلة للمنظومة الاجتماعية المفروضة.

والخوف من هذا التباعد والانعزال أمر مشروع وضروري يعود سببه إلى تجدد الأجيال وطموحاتها المرتفعة التي قد لا تقبل هذه المراوحة، ولا ترتضي هذا التلكؤ، وخصوصاً مع التغيرات السريعة والمحيطة بمناطقنا، وانفتاح الشهية السياسية العالمية للتدخلات الخارجية.

وأحياناً يتغير المسار إلى ما هو أبعد من ذلك وأخطر، ويعود السبب في إمكان حصول ذلك حسب رأيي إلى الاستعداد والتهيئة التي يوفرها الطريق المسدود، والضغط المتواصل، والمبالغة في التهميش والتغافل، وببساطة متناهية لا يكتنفها عناء ولا غموض نستطيع الحديث عن مشخصات الحال التي تكون عليها الأقليات حين تغلق الطرق في وجهها، وتقفل سبل الحل، وتوصد الأبواب دون مطالبها في المساواة العادلة بمحيطها العام.

الشعور بالغربة

لا أدري إن كان صحيحاً أن أبناء الأمهات العاملات يشعرون بالحنان أكثر في محضر الخادمة (الشغالة) بينما يشعرون بالغربة بمقدار مع أمهم التي أنجبتهم، وأنهم يبكون وينتحبون ويشعرون مرارة الفراق والفقد حين تسافر الأم البديلة، وإن كانت الأم الأصلية بينهم، حتى يشعرون بعد حين بأمومتها الحقيقية إذا مدت يدها إليهم وقامت بما يرجونه منها.

ولا أدري عن صحة ما يقال أيضاً عن حال الغربة التي يعيشها الأبناء الذين يشعرون التهميش في أسرهم ،بينما يغدق العطاء والحنان على إخوانهم من دون حساب. ولا أعلم أيضاً إن كان هذان المثالان ينطبقان على الموضوع الذي نعنيه بالبحث أم لا؟

ما أعلمه تفصيلاً هو أن تعامل المحيط يؤثر في الإنسان تأثيراً مباشراً، فإذا أشبع المحيط حاجات أطيافه وطوائفه بأبعادها المختلفة اجتماعية كانت أم دينية أم سياسية، شعرت تلك المجاميع بالوطن الفعلي وبالدفء الداخلي وبالمساواة العادلة المشتركة.

العكس يمكن أن يكون صحيحاً أيضاً إذا وجدت الطوائف والجماعات أن حريتها الدينية أوفر حظاً خارج الوطن، وأن كرامتها أعلى نصيباً في كل مكان عدا وطنها الأصلي ومسقط رأسها، وأن خير الهواء والمتنفس حين يسافر أفرادها إلى الخارج ليروا كتابهم الديني متوافراً من دون مشقة، وعباداتهم الدينية ممكنة من دون إهانة، ورموزهم تأخذ مواقعها بقبول وترحيب، ورأت كيف أن الفرص بين الآخرين متساوية، وأن العالم لا يعاني من الأمراض الاجتماعية المزمنة المعاشة في بلادهم، لا شك أنها ستشعر بالحسرة والغربة والضياع في وطنها

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً