من الأمور التي باتت تشغل بال الساسة الأميركان هي مدى قدرة الولايات المتحدة أن يتوازن تفردها بحصة الأسد في العلاقات الدولية مع تقدم ريادي في مجالات التكنولوجيا ومن ثم الاقتصاد. ولا يخفى على المؤسسات العلمية أن العلماء الأميركيين مازالوا يحصدون جوائز نوبل، سواء هذا العام أو خلال الأعوام الأخيرة في مجالات الطب والكيمياء والفيزياء والاقتصاد. وكل الأرقام والإحصاءات تشير إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بالريادة وتسبق معظم دول العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتؤكد تفوق الاقتصاد الأميركي.
لكن وعلى رغم ذلك فإن القلق في واشنطن يتزايد خشية أن يكون هذا التفوق نتاجاً مؤقتاً لجهود وإنفاق سنوات الماضي. وأن تكون قدرات الولايات المتحدة على التنافس في مجال العلوم باتت مهددة خصوصاً في ظل احتدام المنافسة الآسيوية، وقيام غالبية الشركات الأميركية العملاقة بالاستثمار في أسواق أقل كلفة واتباع البعض الآخر سياسة ما أصبح يعرف بالعهدة (الاستعانة بعمالة خارجية Outsourcing) التي تقلص من فرص العمل للمواطنين الأميركيين وتمنح فرص العمل لعمالة من دول أخرى تقوم بمزاولة عملها عبر الهاتف أو الانترنت.
هذه المخاوف الأميركية وأخرى غيرها من ظاهرة العولمة وفي الاتجاه ذاته، إلى جانب القلق بشأن المستقبل وقدرات الولايات المتحدة على التنافس علمياً وتقنياً واقتصادياً كانت عنوان ومحور النقاشات الذي شهدها معهد بروكينغز في وسط العاصمة واشنطن صباح الخميس الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
تحدث في تلك الندوة برنارد شوارتز Bernard Schwartz راعي منتدى قدرات الولايات المتحدة التنافسية بالمعهد، والرئيس السابق لشركة «اورال سبيس أند كومنيكاشنز» الذي أعرب عن مخاوفه أكثر من أي وقت مضى في ظل صعود اقتصادات العولمة والتنافس الشرس المتنامي من دول مثل الصين والهند، التي تدفع إلى السوق بالملايين من الأيدي العاملة وتنفق ملايين الدولارات على الأبحاث العلمية وتحقق معدلات إنتاج مرتفعة بكلفة أقل بكثير من نظرائها في الغرب. هذا الواقع الجديد يفرض تحدياً على الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
لكنه اختتم كلمته معرباً عن تفاؤله من آفاق نمو الاقتصاد الأميركي وتفوقه في المستقبل حين يقول إن الولايات المتحدة لاتزال تتمتع بميزات كبيرة وواسعة تشمل أحدث الابتكارات والاختراعات العلمية.
أما نورمان أوغسطين Norman Augustine الرئيس السابق لمؤسسة لوكهيد مارتين فقد أكد جدية التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة في المجالين العلمي والاقتصادي قائلاً: إن مضاعفة الجهود الحل الوحيد لمواصلة الريادة والتنافس، وأنه لا مفر من قبول هذا التحدي خصوصاً، ولا توجد أمة طوال التاريخ لديها حق فطري في ريادة العالم.
وعرج أوغسطين على تأثير آليات العولمة على طبيعة التنافس مؤكداً أن الأيدي العاملة الأميركية لم تعد، نتيجة العولمة، قادرة على ان تنافس الأيدي العاملة في دول الجوار الإقليمي، بل تجد نفسها في عصر العولمة في منافسة ضارية مع جميع شعوب العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه.
وفي سياق تقييمه لواقع الأداء الأميركي في مجالات الإنتاج والصناعة قال أوغسطين وبناء على تقييم اللجنة الأكاديمية الوطنية: إن الأداء الأميركي ليس سيئاً ولكنه في تراجع في بعض ميادين التنافس مع دول مثل الهند والصين واليابان وغيرها من الدول التي شهدت طفرات إنتاجية في السنوات الأخيرة. وأعطى أوغسطين مثال الصين والهند اللتين سيكون لديهما وبنهاية العام 2007، 31 في المئة من إجمالي العاملين في مجال البحوث والتنمية في العالم، وذلك بارتفاع كبير عن نسبة 19 في المئة في العام 2004. كما تم إغلاق ما يزيد عن 110 مصانع كيماوية في الولايات المتحدة خلال السنتين الماضيتين مقارنة بإنشاء 120 مصنعاً جديداً في العالم بكلفة مليار دولار لكل مصنع، افتتحت الصين منها بمفردها 50 مصنعاً.
وسيطرت المخاوف من العولمة، واحتمال أن تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها على الولايات المتحدة على موضوعات الندوة والنقاشات التي دارت حولها. ويبدو أن مؤسسات العصف الذهني (Think Tank) من أمثال معهد بروكينغز باتت تولي هذه المسألة الكثير من الأهمية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ