لم يكن الأمر مفاجئاً للشارع البحريني الذي تعود سيادة أجندة الحكومة على السيادة الشعبية، فقرار إلغاء التصويت الالكتروني التي بذلت فيه الحكومة ما بذلت من جهود وأموال كانت تهدف إلى استخدامه بشكل محدود في الانتخابات القادمة، وتعميمها خلال الانتخابات 2010 «لغاية في نفس يعقوب». وبعد أن تغير المشهد الانتخابي برمته في الفترة الأخيرة التي أربكت الأجندة الحكومية في مرحلة توصف بالخطرة على مستقبل العملية الانتخابية، وبعد أخذ ورد وبعد أن نجحت القوى السياسية المعارضة من إحراج الحكومة من خلال ردودها الحيادية الموضوعية المقنعة والتي تستند إلى الأدلة الدامغة، والتي لا تتفق مع قرار التصويت الالكتروني لوجود ثغرات واضحة، ورغبة منهم في تعزيز الثقة أولاً، ومن ثم التصويت الالكتروني ثانياً، يبدو أن المشهد من الوهلة الأولى بأن الإرادة الشعبية انتصرت وتحققت بعد إلغائه. غير أن المراقب والمتابع ربما سيعرف حقيقة الإلغاء من عدمه في مستقبل الأيام. لأن قرار إلغاء التصويت الإلكتروني ربما كان بعد أن أوجدت البدائل المناسبة إليه، مثلما حصل لإلغاء قانون أمن الدولة، فقد جاءت حزمة من القوانين المكبلة للحريات إذا اجتمعت أصبحت قوتها مساوية تماما لقانون أمن الدولة سيئ الصيت.
والحكم بعدما أعلنت القوى السياسية المقاطعة للانتخابات يناقض نفسه، فتارة نراه يعلن سعادته لموقف الجمعيات السياسية من المشاركة ولكن عندما نرى أفعاله نستغرب، لأنها تتنافى مع حقيقة مشاعره، فلا نعرف أيهما نصدق، المشاعر أم الأفعال؟ كما عودنا الحكم على التحكم بمجريات الأمور السياسية، ومسك زمام الأمور كما يراه هو وكما يريدها لا كما تريدها القوى السياسية، فالتحكم في العملية الانتخابية على سبيل المثال أحد المحاور الذي تديرها الحكومة، وتوصف بأنها تدار بشكل مغاير لا من أجل أن تهزم أو تسقط هيبتها إن جاز لنا التعبير من قبل رغبات القوى السياسية المعارضة، التي تعودت أن تعارض كل ما يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا، رغبة منها في تحقيق إصلاحات سياسية لصالح الوطن والمواطن.
وما حصل في اليوم الأول لتسجيل المرشحين في القوائم لخير شاهد على أحوال السوق له، فقد تفاجأت الجمعيات السياسية في اليوم الأول من تسجيل المرشحين ، أقول فعلاً إن المفاجأة معنية بها الجمعيات السياسية من دون غيرها لكون المستقل إذا لم يعتمد فهذا شأن يعنيه بالدرجة الأولى، ولكن الأمر يبدو مختلفاً بخصوص الجمعيات السياسية، وهو فعلاً ما يسبب صدمة؛ لأن الأمر واقع غير متوقع، فقد تسلم المرشحون استمارة تتضمن معلومة جداً خطيرة ليس على المرشح وإنما على الجمعيات السياسية التي تشارك لأول مرة، رغبة منها في إثراء التجربة السياسية، فعملت على الاختيار طوال ستة شهور سابقة أو ربما لمدة أطول، وتنظيم صفوفها من خلال قوائم انتخابية لإحداث حراك سياسي نتيجته في صالح الإصلاحات السياسية، لكن ما حصل أن لجنة الإشراف على سلامة الانتخابات لن ترد الرد الرسمي على قبول طلبات الترشح إلا بعد تاريخ 17 من الشهر الجاري أي بعد إغلاق باب الترشح، وبالتالي لا يمكن للجمعيات السياسية من طرح مرشحين جدد وبدائل للمرشحين الذين لم يتم اعتمادهم على قائمة المرشحين، على رغم أن ذلك يمثل سابقة إذ إن الانتخابات السابقة 2002 كان المرشح يحصل على الرد الرسمي من اللجنة في اليوم التالي مباشرة، بعد أقل من 24 ساعة من التسجيل. الآن هناك تراجع على هذا الصعيد على رغم التطور الهائل في الإمكانات بدليل رغبة الحكومة المستميتة في الانتخابات الجارية في استخدام التقنية من خلال التصويت الإلكتروني، وهذا بدوره عمل كبير على رغم ذلك أعدت العدة له، وعلى رغم أن أعداد المرشحين أقل بكثير من أعداد الكتلة الانتخابية المشاركة في العملية الانتخابية فإن عليهم الانتظار خمسة أيام على الأقل لكي يحصلوا على الرد الرسمي بقبول طلبهم من عدمه. ما يدعو الأمر إلى التشكيك في الإجراء المتبع والذي تصر اللجنة اعتماده، فالأمر كما يبدو مخطط له كأجندة حكومية بديلة عن ما تم إلغاؤه من إجراءات أخرى تحمل الأهداف والأغراض نفسها، بغرض المساهمة في حرمان الجمعيات السياسية من وضع خياراتها الأخرى حال عدم اعتماد الاسم، كما أن الأمر لا مبرر له، وخصوصاً أن المترشحين وبحسب قانون مباشرة الحقوق السياسية قد وضعوا على جداول الناخبين وبالتالي لا إشكال يمنع قبول ترشحهم، كما أنهم مستوفون للشروط من خلال تقديم كل المستندات والوثائق المطلوبة في عمليات الترشح في المراكز الإشرافية أثناء التسجيل.
من جانب آخر، إصرار الحكومة على وجود المراكز العشرة العامة إلى جانب وجود المراكز الرئيسة الخمسة وصعوبة وضع وكلاء من قبل المرشحين في المراكز العشرة إلى جانب المراكز الرئيسة وتصعيب المسألة، مؤشر واضح الأبعاد على رغبة الحكومة في التلاعب في نتائج الانتخابات وخصوصاً بعد استجابتها بإلغاء التصويت الإلكتروني في فترة من الفترات والبحث عن تعقيدات انتخابية أخرى تتساوى في مجموعها مع ماتم إلغاؤه، فالأجندة الحكومية تتحرك على الدوام؛ لتعوق أجندة الجمعيات السياسية المخلصة والتي قلبها على صلاح البحرين وأمنها واستقرارها
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ