العدد 2480 - الأحد 21 يونيو 2009م الموافق 27 جمادى الآخرة 1430هـ

التشجير والحدائق البيئية وأثرهما على تغيُّر المناخ (1)

البيئة هي كل ما هو خارج عن كيان الإنسان وكل ما يحيط به من موجودات فتشمل الهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه والأرض التي يعيش عليها، أي هي الإطار الذي يمارس فيه حياته وأنشطته المختلفة وأثر السلوك البشري وما يخلفه من تطور في الصناعة والإقبال على الطاقة بكل صورها وتأتيره على جودة الهواء وانبعاث الغازات المسئولة عن ارتفاع حرارة الجو وما يترتب على ذلك من آثار قد تحدث تغيرات في الخريطة العالمية.

الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة ظاهرة حقيقية وملموسة بعد ان كانت في العقد الماضي تناقش داخل قاعات البحث وتحمل فى طياتها أمرا خاضعا للتكهنات، ولكن الآن التوقعات المستقبلية أصبحت واضحة أمام أعيننا فيراها سكان المناطق الباردة بشمال أميركا فى انصهار الجليد وسكان أميركا الجنوبية في الأعاصير المهلكة وانهيار الصخور، وهذا ما توصل إليه الباحثون من خلال دراستهم لجذوع الأشجار ومعرفة كيفية التكوينات الحلقية بجذوع الأشجار ودراسة تطور جبال الجليد وهذا ما يؤكد استمرار الارتفاع الحراري لسطح الأرض وهو ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري.

ويحدث الاحتباس الحراري نتيجة السلوك البشري ومن خلال التصرفات الخاطئة والتطور الصناعي والاقبال على الطاقة بكل صورها ما نتج عنها ملوثات طاقة البترول والطاقة الكهربية وعوادم سيارات ومبيدات حشرية واستخدامات غير مقننة للأسمدة وغير ذلك، كل هذا أدى إلى تراكم مجموعة من خليط الغازات، هذا الخليط تركز على ارتفاعات معينة من الغلاف الجوي محدثا ستارة غازية حيث ترسل الشمس أشعتها قصيرة الموجة إلى الارض فتمتص منها الارض قدرا متفاوتا طبقا للغطاء النباتي أو البحار وترتد باقي الاشعة الشمسية على صورة أشعة طويلة الموجة تصطدم هذه الاشعة بكتلة خليط الغازات المتجمة فينفذ من الأشعة الشمسية جزء قليل ويرتد باقي الأشعة للارض محدثة الارتفاع في درجة حرارة الأرض.

علاقة البيئة والتنمية

أحدث التطور الصناعي والتنمية تغييرات حادة في البيئة ولكن الانسان هو أرقى الكائنات الحية فى المنظومة البيئية وهو يتميز بالابداع والتفكير ويمكنه إحداث تغييرات كمية ونوعية في مكونات البيئة وهنا لابد ان لا نعارض كل عجلات التنمية من أجل دعاوى الحفاظ على البيئة ولكن كل ما علينا هو التركيز والاهتمام بتطور العلاقة بين الانسان والبيئة بالصورة التي تساهم في الحد من استنزاف الموارد والمحاولة من تقليل الملوثات بالابداع والعلم، ولذا لابد وأن نفتح أفاقنا لكل ما هو لنا وللاجيال القادمة ونجري تقييما دقيقا لاقتصاديات الموارد بصورة منطقية سواء مباشرة أو غير مباشرة.

أثر التطور الصناعي والتنمية الزراعية بالبيئة

لنا أن نسأل أنفسنا أولا، لماذا ظلت الارض ملائمة للحياة فترة تزيد على ثلاثة مليارات من السنين بالرغم من تعرضها للكثير من الكوارث وبالرغم من هذا تحافظ على التوازن من خلال التغذية الارتجاعية من خلال دوران العناصر بالسلسلة الغذائية لتحافظ على كيانها الذي يضمن الحياة عليها بقدرة الخالق سبحانه وتعالى، ولكن هذا لا يمكن ان يكون صدفة

وما تعانيه الآن من تلوث إنما هو راجع الى الطفرة الصناعية ومعدل النمو الاقتصادي لكثير من البلدان بالإضافة الى تغير نمط الاستهلاك للسكان حيث اثرت ونتجت عن الطفرة الصناعية العديد من الملوثات سواء الجوية او النفايات الصلبة التي أصابت سواء الهواء او النفايات التي أصابت الارض او البحار.

وكذلك أثرت الزراعة والسباق لتغطية الاحتياجات العالية التي تطلبها النمو الى السباق المحموم باستخدام الاسمدة لزيادة معدلات المحاصيل وكذلك استخدام المبيدات لوقاية المحاصيل من الامراض، وكان الاستخدام باختيار المواد الضارة على الانسان نفسه والبيئة، هذا بالاضافه الى الهدر في استخدام الموارد كمثال الهدر غير المبرر ولا المقنن لاستخدام المياه الجوفية دون أدنى دراسات للقيمة الاقتصادية للمحاصيل ومقارنتها بالقيمة الاقتصادية للمياه مضافا إليها بقية الموارد، وهذا ما فتح الباب لاستمرار السلوكيات الخاطئة في الاستخدام مهددا الموارد البيئية وهذا ما سبب صورا من الاجهاد البيئي.

الإجهاد البيئي والصبغة العالمية

الإجهاد البيئي وهو ما يقصد به حالة عدم التوازن بين ما يستهلكه البشر وبين ما يمكن للنظم البيئية ان توفره، وسوف نتناول على سبيل المثال وليس الحصر قضية المياه فكثير من البلاد ليس لديها مصادر متجددة للمياه وتعتمد بصورة كبيرة على مخزون المياه الجوفية وتوجد حالات قد تشترك كثير من البلدان في مخزون الحوض الجوفي نفسه، وبلدان أخرى تشترك فى نهر واحد، الا انه في كلا الحالتين كل بلد تسحب من المخزون دون التنسيق بمقننات السحب مع دول الجوار وهذا يشكل اجهادا بيئيا للموارد وكذلك الشأن عندما نذكر بأن الغابات الاستوائية تمتص بما يعادل 18 في المئة من غازات ثاني أكسيد الكربون. فلابد من دعم هذه البلدان حتى لا تقطع الاشجار وهي الفلاتر الحقيقية الآمنة واستبدالها بزراعة محاصيل تعود عليها بالنفع، وهذه أكبر الامثلة، فإن غابات المناطق الاستوائية تُعدّل من حرارة العالم وأن أي ملوث تحدثه دولة فى مياه النهر يؤثر على جودة مياه البلاد المشتركة معها على النهر وهذا أوجد مفهوما آخر للسيادة والصبغة العالمية للبيئة.

مفهوم السيادة والصبغة العالمية للبيئة

السيادة الدولية وهي ان لكل دولة لها السلطه العليا في جميع الشئون الواقعة في نظام الاراضي الخاضعة لسلطانها او مجالها الاقليمي سواء برّا أم بحرا أم جوّا، وأن جميع الدول ذات سيادة سواء أكانت الدولة صغيرة أم كبيرة فإن لها حقوقا متساوية وأن السلامة الاقليمية لجميع الاقطار لا يمكن انتهاكها ولا يمكن أيضا السماح بالتدخل في الشئون الداخلية بأي صورة من الصور.

ولكن عند الحديث عن العلاقات البيئية فإننا سوف نكون أمام مفهوم آخر، حيث ان إحداث ملوثات في أقصى الشمال يؤثر بالسلب على أقصى الجنوب، ولذا سوف يحتم الوضع البيئي المتردي الى قبول كثير من البلدان الى صيغة أخرى للحوار البيئي بشكل جماعي من خلال آلية وهذا ما كان خطوة أولى لقيام مؤتمر قمة الارض ومؤتمر كيتو ليضعوا العالم أجمع أمام مسئولياتهم الجماعية للحفاظ على البيئة والاقرار للحد من نسب انبعاث الغازات، وهذا اكبر الامثلة رغم انها لا ترقى الى طموحاتنا الا انه يؤكد ان البيئة والحفاظ عليها اصبح نهجا دوليا بل عالميا بحيث نحافظ على علاقة البيئة بالتنمية علاقة توأمة إيجابية فلا يمكن لنا أن نقف أمام عجلة التنمية بدعوى الحفاظ على البيئة.

لذا فليس لدينا الوقت ولا الحق في نبذ تطور العصر والسباق التكنولوجي المبدع والمستمر فكل ما فعله العقل البشري من تطوير اساليب العلم محدثا هذه النهضة وأحدث خللا في المنظومة البيئية الا ان العقل البشري قادر على إيجاد الحلول ولذا ندعو بعض البيئيين المتحفظين على اقامة المصانع والتطور العمراني بألا ينسحبوا الى الزمن الرومانسي قبل عصر التصنيع، ورغم ان هذا الزمن كان موجودا سابقا الا انه من المستحيل أحياؤه الآن وكل ما علينا ان نبني العلاقة بين الانسان والبيئة والتنمية علاقة توازن وتقارب يخلق الابداع.

تغيُّر المناخ وتغيُّر الخريطة العالمية

نعم لو ترك الأمر بهذه الصورة فسوف يشهد العالم كثيرا من التغيرات في الخريطة العالمية، فالمناخ يتغير نتيجة ارتفاع درجة حرارة الارض، فسوف تصبح كثير من المناطق أكثر دفئا والقليل منها أكثر برودة. فالبلاد التي سوف ترتفع فيها درجة الحرارة هي روسيا والدول الاسكندنافية وكندا وغيرها، فسوف يتعدل فيها المناخ ليصبح معتدلا ومناسبا لنمو كثير من المحاصيل سواء الاستيراتيجية أو غيرها، وذلك راجع لدورات التغذية المرتدة الايجابية. ولا ننكر ان كثيرا من البلدان ينصبُّ ارتفاع حرارة الارض في صالحها، لذا فهي لن تفعل شيئا بصورة جدية لما يحد من تراكم ثاني أكسيد الكربون رغم انها مسئولة بما تحدثه من تلوث يزيد من حرارة الارض وتلك الزيادة تعمل على ذوبان نسبة ليست بالقليلة من الغطاء الجليدي بالقارة الجنوبية. وهذا ما دفع العديد من الدول يقارب عددها من 16 دولة إلى إعلان ملكيتها لأجزاء من القارة القطبية وذلك عن طريق قواعد للبحث العلمي، بل تمادى البعض بإنشاء مكاتب بريد بها وبدأ الصراع المحموم على القارة وتوزيع أحقية التنقيب عن النفط هناك ولكن فرنسا واسترليا اعترضتا رغم تواجدهما القوي بالقارة القطبية. لذا الكل له مصالح فى ارتفاع حرارة المناخ دون اعتبارات للدول التي سوف تتضرر، فارتفاع حرارة الجو يزيد من كثافة المياه بالبحار والمحيطات، هذا فضلا عن ذوبان الجليد مشكلا ارتفاع مناسيب المياه بالبحار يهدد كثيرا من البلدان بغرق أجزاء من أراضيها مثل بنغلاديش لما ستتعرض له دلتا الجانجر.

الوطن العربي من أكبر المتضررين

تؤكد كثير من الدراسات - رغم انها تقريبية - أن المناطق التي سوف ترتفع فيها الحرارة هي قارة آسيا من غرب الصين حتى شبه الجزيرة العربية، وحيث ان المعدل الحراري الآن 40 درجة مئوية فسوف يرتفع المعدل الحراري ليصل الى 45 درجة مئوية في حدود سنة 2100 ورغم ان هذه الدراسات مازالت تحت حيز النسبية الا أنه لابد من ادخال أنماط جديدة للاستهلاك بحيث يقل الاعتماد الغذائي على محصول الأرز حيث ستتضرر الاراضي المنخفضة التي تكثر فيها زراعات الأرز بالفلبين على سبيل المثال لابد من إتمام الابحاث لتطوير النباتات الملحية وإدخال اصناف ملحية جديدة ونؤقلمها والاعتماد على بدائل جديدة للطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة حرارة باطن الارض ولا ننسى نصيب الشمال الافريقي مثل بعض سواحل المغرب وتونس وما سوف تتعرض له اراضي الدلتا المصرية والمتوقع غرق 500 الف فدان من الدلتا التي يقطن بها 16 في المئة من سكان مصر ولذا نصح كثير من العلماء البيئيين بعمل حواجز مائية عند جبل طارق وباب المندب، نعم التكلفة عالية ولكن قدرت الدراسات أن الكلفة في الوقاية تقل 7 مرات قدر كلفة الضرر، وللعلم أن العالم العربي بمجمله لا يشترك في إحداث ارتفاع الحرارة بما يحدثه من ملوثات الا بقدر 6 في المئة فقط، أما أميركا والصين فكلٌ منهما له نصيب 25 في المئة من المسئولية في تلوث البيئة.

تذبذب الملوثات البيئية

كانت نتيجة سلسلة من التجارب التي قام بها الباحثون أن نسبة الغازات المسئولة عن التلوث سواء أكانت أكاسيد كربونية او أكاسيد نيتروجينية او غازات الاوزون أو غيرها من الغازات أن معدل تواجد هذه الغازات بالجو يقل خلال فصل الربيع من كل عام وعلى مدار عدة اعوام وهذا راجع لزيادة مساحة الغطاء النباتي حيث تعمل الاشجار كرئة حقيقية تنقي الجو من التلوث.

هواء سليم رئة سليمة

أنعم الله علينا بكل انواع النباتات سواء في البر أو في البحر لتكون رئة حقيقية للعالم الذي نعيش فيه بحيث تضمن لنا سلامة وجودة الهواء الذي نتنفسه ولقد وجد أن الانسان الطبيعي يتنفس من 16 الى 18 مرة في الدقيقة الواحدة وهو قائم، أما وهو نائم فيتنفس 12 مرة في الدقيقة، وهذا المعدل يختلف حسب الجنس والعمر، فالبنات مثلا في سن البلوغ يتنفسن بمعدل اعلى من الاولاد في الفئة العمرية ذاتها وان ما يتنفسه الانسان خلال اليوم الواحد يقدر 14 مترا مكعبا من الهواء أي بما يعادل 10 آلاف لتر من الهواء يوميا أي ما يزيد على 3 ملايين ونصف مليون لتر من الهواء خلال العام وهذا يلفت انتباهنا للحفاظ على البيئة بالمحافظة على جودة الهواء.

11 شجرة رئة لكل سيارة

تعددت صور التلوث الغازي وتنوعت ما بين تلوث بغازات ثاني اكسيد الكربون او الاكاسيد النيتروجينية او أكاسيد الرصاص الذي مازال من اخطر الملوثات على الصحة، ورغم توافر البنزين الخالي من الرصاص فإن التلوث الناتج من عوادم السيارة المتوسطة نتيجة سيرها لمسافة 50 كيلومترا وبسرعة لا تتعدى 90 كيلو في الساعة قدرا من الملوثات يقدر 12 لترا من غاز ثاني اكسيد الكربون، وان الشجرة الواحدة المتوسطة تمتص ما يقل عن 2 لتر من ثاني اكسيد الكربون يوميا وبالقياس بمعدل سير السيارات يوميا وجد انه يستلزم 11 شجرة تزرع لتز ما تنتجه سيارة واحدة فى اليوم وهذا أمر ليس من السهولة توافره من موازنات مادية وما يترتب عليها ولكن فى كثير من البلدان بدأت في التفكير فى تقييم قيمة الموارد الطبيعية بحكم أنها ثروات الاجيال القادمة وحيث ان جودة الهواء هو أحد هذه الموارد فقد اقترحت بعض الدول أن تضاف رسوم على كل سيارة لمرة واحدة وهي قيمة زراعة 11 شجرة توجه هذه الرسوم الى جهاز التنمية الزراعية ويقوم بدورة بزراعة الاشجار وبهذا يزيدون من التشجير الذي يلعب بدوره في تحسين البيئة وخفض نسبة الكربون عن النسب المحددة للدول على ان تباع شهادات الكربون محدثة صورة أخرى من صور الدخل وأشبه هذا بمقولة «هيّا بنا نضحك ونبيع أصوات ضحكاتنا للآخرين»

العدد 2480 - الأحد 21 يونيو 2009م الموافق 27 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:06 ص

      شكرا

    • زائر 3 | 12:46 م

      هذا كلام جميل جدا للغايه يجب أن نهتم بالتشجير وان نعمل معا على زيادة مساحة الغابات والغطاء النباتى على سطح كوكب الأرض لأن الخطر عام ولايستثنى احد

    • زائر 2 | 11:19 ص

      الموضوع

      كان الموضوع رائعا بكل مكوناته و عنوينه اشكركم كثيرا لكن كان عليكم وضع نصائح للمحافظة على الوسط الدي نعيش فيه .
      شكرا.

    • زائر 1 | 2:15 م

      جيد جدا

      الموضوع جيد جدا شكرا علي المسا عدة

اقرأ ايضاً