جمعتان حاسمتان... في الأولى انتخابٌ وفي الثانية خطابٌ، وما بينهما أسبوعٌ من «هرج ومرج»، وهاتان المفردتان العربيتان، ليستا تعبيرا أدبيا ولا انحيازا سياسيا، وإنّما كلمةٌ وردت على لسان السيد الخامنئي في خطابه الحاسم الأخير.
الخطاب تضمن رسالة للخارج ورسالتين للداخل، وابتدأ بتذكير الناسين بأن المتنافسين كلهم من أبناء النظام، وبالتالي ليس صراعا بين الداخل والخارج.
طبعا لم يكن متوقعا أن يعلن الخامنئي الخضوع وقبول إعادة الانتخابات، التي اعتبرها ملحمة تاريخية ونصرا لنظام الجمهورية، وخصوصا مع مشاركة 85 في المئة، وهي من أعلى النسب في العالم إطلاقا (في انتخابات لبنان النيابية 53 في المئة، وفي أميركا الرئاسية 66 في المئة وكلاهما حاسمتان وحماسيتان). فكان المرشد ينظر بشكٍ عميقٍ، إلى اليد الخارجية التي حاولت قلب الحدث إلى نكسةٍ وطنية. ولذلك حذّر شباب بلاده من «الأعداء والذئاب الجائعة التي كشّرت عن وجوهها الديبلوماسية». واستخدم تعبيرا قرآنيا «قد بدت البغضاء من أفواههم»، للتنديد بالطرف الأخبث (الدولة البريطانية)، التي لم تمض ثلاث ساعات حتى استدعت السفير الإيراني لتعبّر عن احتجاجها على هذا الموقف غير المقبول.
الخطاب كان فرصة لمعرفة موقف الخامنئي من المناظرات، واستشفاف مدى إمكانية استمرارها في المستقبل، بعد أن شكّك البعض بذلك. الملاحظ أن الخامنئي أثنى على هذا الأسلوب المستحدث، لتأثيره في رفع حماسة الشعب للمشاركة، بما يصبّ في تعزيز مكانة النظام وشعبيته. إلا أنه انتقد بلغةٍ دينيةٍ أقرب إلى الوعظ والإرشاد، السلبيات التي رافقتها، ولم يوفّر طرفا من النقد. فمن جهة، انتقد كيل الشتائم والإساءة للرئيس الشرعي للبلاد، وخصوصا اتهامه بالكذب، وبالمقابل انتقد الاعتماد على الإشاعات في توجيه التهم، وعدم إنصاف الحكومات السابقة التي بذلت جهودا هائلة خلال الثلاثين عاما الماضية حسب قوله.
ربّما من أهم ما جاء في الخطاب، محاولة «رد الاعتبار» للشيخ رفسنجاني، فقد أثنى على «الشخصيات الخدومة التي بذلت عمرها في سبيل هذا النظام». وأشار إلى أن هؤلاء السادة (رفسنجاني وناطق نوري) لم يتهمهم أحدٌ بالفساد المالي، وإنما طُرحت بعض الأقوال والإشاعات عن ذويهم، وكل من لديه مستندات فليطرحها بالطرق القانونية. فالفساد المالي يجب مكافحته أينما كان لكيلا يستشري، كما حدث في بلدان كثيرة، آخرها بريطانيا حيث طال مجلس العموم.
الخامنئي ذكّر الناسين أيضا بأن معرفته برفسنجاني قبل 52 سنة، ووصفه بأنه «من أهم الأشخاص في فترة النضال، فهو من المجاهدين قبل قيام الثورة، ومن أبرز الشخصيات المؤثرة بعد انتصارها، وظلّ إلى جانب الإمام والقيادة حتى يومنا هذا». والنقطة الأهم أنه قبل الثورة «صرف أمواله على الثورة والثوار والمناضلين، وعلى الشباب أن يعرفوا ذلك». وبعد الانتصار... «تحمّل مسئوليات كبيرة، من بينها رئاسة البرلمان والجمهورية، ولم نشهد أي حالة على محاولة استغلال منصبه لأغراض شخصية».
هذه الإشادة الناصعة، لم تمنع الخامنئي من الاعتراف بأنه في مسائل السياسة الخارجية والعدالة الاجتماعية والقضايا الثقافية، يرى نفسه أقرب لأحمدي نجاد منه لرفسنجاني. وما نظر إليه الكثيرون انحيازا لطرف، يمكن إعادة قراءته سياسيا بعد الخطاب، من ناحية لعبة التوازنات بين أقطاب النظام. فموقف رفسنجاني الصامت حتى الآن، فيما لو مال لمصلحة النظام، سيكون ضربة جديدة للإصلاحيين بعد ضربة خطاب الجمعة
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2480 - الأحد 21 يونيو 2009م الموافق 27 جمادى الآخرة 1430هـ