على رغم حادث كوريا الشمالية الذي خطف الانظار لبعض الوقت تظل منطقتنا العربية الإسلامية (أو كما يحلو للغزاة أن يسموها بـ “الشرق الأوسط”) محور اهتمام العالم الغربي ورأس الحربة في مخططاته!
ففلسطين في حال انهيار وتآكل للسلطات بسبب حصار التجويع من جهة واقتتال الاخوة على حطام السلطة الخاوية أصلاً من جهة أخرى ولا من مجيب!
والعراق يتجه إلى مزيد من الضياع والعنف الأعمى على رغم اشكال المقاومة الشريفة من حربية وسياسية وفكرية هنا وهناك بسبب تكالب العدو الخارجي والتابع الداخلي على نهب مقدرات هذا البلد الجريح والنازف دماً روحاً تحت انظار القاصي والداني!
ولبنان يتجه بدروه إلى المجهول إذا ما ترك هكذا لقمة سائغة بيد تحالف السفارات والقناصل بوجه اتحاد شعب لبنان الشجاع والعظيم مع مقاومته الشريفة والتاريخية، ولاسيما ان سيف الفتنة الطائفية والمذهبية وحكم الفيدراليات الطائفية مسلط على رقاب الناس!
بالإضافة إلى ذلك كله فإن نهم الجشعين من الامبراطوريين الجدد لا ينتهي عند حد، فهم على رغم ضعفهم وهوانهم لايزالون يلوحون بحروب جديدة من بينها الحرب على إيران وسورية وما بينهما من ضغوط وإجراءات عقابية هدفها تجويع الشعوب لاجبارها على الإذعان!
والسبب الرئيسي لما يحصل بنا هو تشتتنا وتشرذمنا طرائق عددا على رغم المعلومات المتوافرة التي تصل الينا جميعاً وبشكل لا لبس فيه بأننا مطلوبون بالترتيب وبحسب الأولوية! مادة رسمة التقسم والتجزئة والتفتيت ونهب الثروات والقدرات!
ثمة من يشبه أوضاعنا الراهنة بالاوضاع التي سادت هذه البلاد في أوساط القرن السادس عشر اذ سقطت الكثير من قلاعنا واقطارنا وقوانا البحرية والبرية بل وحتى “الحضارية” فريسة الصراعات المذهبية والقبائلية والسياسية ما فتح المنطقة كلها أمام الزحف البرتغالي الاستعماري القادم بكل عزم لنهب الثروات والسطيرة على المضائق وطرق التجارة متدرعاً بالانتقام للاسبان الذين تضرروا بقوة لغزو العرب والمسلمين لهم.
يقول المؤرخ البرتغالي جواو دوباروس: “لقد خص الله البرتغال بنعمة ان كتب لهم ان يغزوا الكفار وخصوصاً العرب منهم... عقاباً لهم على خطاياهم وذلك بعد قرون عدة لغزوهم اسبانيا وانزال الويلات بها، إلى أن قضت ارادته ان يمارس البرتغاليون حقهم الطبيعي هذا وبالطريقة ذاتها وبحد السيف ليس فقط في الجزيرة العربية... لكن في بلاد فارس أيضاً”.
وفي مكان آخر يضيف المؤرخ ذاته: “لقد غزا البرتغاليون الفرس وجعلوهم يدفعون الثمن غالياً نتيجة اهانتهم لاسبانيا وبعدما اعتنقوا ديانة أولئك العرب المتخلفين!”.
وفعلاً فقد دفع وقتها العرب والفرس الثمن غالياً أمام الزحف البرتغالي الاستعماري نتيجة انشغال المسلمين بالصراع العثماني - الصفوي من جهة بالإضافة إلى لانشغالات الداخلية في كل إمارة من إمارات المسلمين بالصراعات القبلية والسياسية ومن بينها الصراع السني الشيعي!
اليوم كذلك يحاول الامبرطوريون الجدد النيل من العرب والمسلمين من نقطة الضعف التاريخية نفسها، ويبذلون قصارى جهدهم لاشغال كل جماعة أو قطر أو مصر أو إمارة بالخلافات الداخلية التي كانت حتى الأمس القريب نائمة أو بالاختلافات المستحدثة مع الاخوة الجيران!
لقد قرأنا جميعاً كيف انهم يتشذقون بدعم محمود عباس مقابل “حماس” طبعاً بشرط ان يطيح بها من خلال حرب أهلية والا لو كانوا فعلاً صادقين لكانوا قد دعموا ياسر عرفات!
كما سمعنا كيف انهم باتوا يرحجون ان يقسم العراق الى ثلاثة اقاليم كردية وشيعية وسنية بعد أن ظلوا يتشدقون بعراق ديمقراطي تعددي فيدرالي موحد! وهو الأمر الذي أعلنه جيمس بيكر باسم لجنة تحقيق عينها الكونغرس لاخراج الإدارة المتخبطة من ورطة العراق.
وكنا قد سمعنا أيضاً كيف أنهم كانوا ينتظرون الوليد الديمقراطي الحر من حرب “إسرائيل” الدموية ضد لبنان، حتى انهم سموه بالشرق الأوسط الجديد! حتى يميزوه عن العالمين العربي والإسلامي اللذين باتا يشبهان “أوروبا القديمة” التي أعلن كولن باول تضايقه منها غداة حرب بلاده على العراق.
وعشية سفر كوندوليزا الأخيرة الى بلادنا سمعنا أيضاً كيف مهد لها مستشارها غيليب زليكوف عندما ألقى محاضرة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى داعياً “المعتدلين العرب” الى حلف يجمعهم مع “إسرائيل” والغرب ضد من سماهم بالهدامين والمتطرفين من العرب والمسلمين!
فهل بعد ذلك كله نستغرب هذه الحملة الإعلامية والفكرية والثقافية المنظمة ليس فقط ضد المسلمين والعرب بل وضد الإسلام نفسه، وصولاً الى شخص الرسول الاكرم محمد بن عبدالله (ص).
صدقوني انه التاريخ الذي يعيد نفسه من جديد ولكن بشكل فكاهي وكوميدي هذه المرة. لماذا؟ لان اللعبة باتت على المكشوف وليست بحاجة الى استغراب أو عجب أو تعجب أو حزن أو تراجيديا! والمثل الشهير يقول: “شر البلية ما يضحك” أليس كذلك؟!
نقف مع الشيعة ضد السنة دعماً للحرية الضائعة لكن سرعان ما يتم الانقلاب عليهم لانهم شكلوا ميليشيات قد تهدد الديمقراطية الأميركية! والعرب ضد الفرس لانهم نوويون خطرون! ثم نذهب للفرس ونقول لهم: ماذا يجمعكم مع العرب؟ انتم أصحاب تاريخ وهوية مختلفة، انظروا إلى مصالحكم القومية الخاصة، أليس من الأفضل لكم ان تحيوا حضارتكم القديمة وتفكوا تحالفكم مع العرب المتعصبين ودينهم الخشن؟!
صدقوني هذا هو ما يحصل في الاورقة والصالونات الخاصة لا بل صار يسمع علناً في شوارع أكثر من عاصمة وبيوتات ومساجد وحسينيات وتحت رايات شتى واعلام وبيارق جاهلية أوردنا النزر القليل منها وجمهور العامة يعرف المزيد لكن العتب على أهل الحل والعقد فمتى ينهضون وينتفضون ضد “البرتغاليين” الجدد؟‡
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ