دعا رئيس أركان الجيش البريطاني ريتشارد دانات إلى سحب قوات بلاده من العراق في أقرب وقت، قائلاً إن وجود هذه القوات يجعل الأوضاع أكثر سوءاً. وفي وقت لاحق، حاول دانات استدراك الموقف بعد ضغوط يبدو جاءته من الحكومة البريطانية، قائلا إن التصريحات التي نشرتها صحيفة “الديلي ميل” على لسانه “أسيء فهمها”. وأضاف أنه يرغب في انسحاب قواته من العراق بعد إكمالها مهمتها بنجاح.

ولكن ما لم يدركه دانات من البداية هو أن تصريحاته كادت أن تتسبب في بغضب الحليف الأكبر لبريطانيا (أميركا) والتي يحاول الجميع إرضاءها وذلك لكي تكون واحدة من القوى التي لا يمكن قهرها.

ولذلك حاول رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير رفع الحرج عن بلاده وتأكيد الولاء لـ”طفلة لندن المدللة” إذ قال إن ما يقوله دانات بشأن الرغبة في سحب القوات البريطانية من العرق هو “بالضبط ما نقوله جميعا، إذ إن استراتيجيتنا هي الانسحاب منه بعد إنجاز المهمة”.

ومن الملفت للنظر هو أن الدافع وراء تصريحات دانات منذ البداية لايزال مجهولا، إذ تتوافر لدينا عدة خيارات من ضمنها أن يكون كلامه زلة لسان كشفت عن حقيقة مخفية أوصدت لندن عينها تجاهها كي لا تراها خشية من أن ينكشف ما وراء الستار للعوام. أو أنه فعلاً أسييء فهم الجنرال وهذا الخيار مستبعد. إذ من المعرف عن المسئولين عادة إيضاح مثل هذه النقاط التي إذا تم الالتباس في فهمها قد تسبب في نائبة على رؤسائهم. وفي الواقع كان دانات يعني فعلاً ما قاله وكان مغزاه هو الاعتراف بحقيقة مرة، ولكن إذا صحة هذه الفرضية فما سبب تراجعه؟.

هنا نصل إلى النقطة الفاصلة، في غالب الأمر اضطر الجنرال إلى التراجع عن كلامه بعد أن انهالت عليه الضغوط والإدانات من دوانينغ ستريت.

ولكن كلام دانات فتح العيون على شيء كان من المفترض أن يحدث إذ إن الوجود والتدخل البريطاني في جنوب العراق لم يعد مرغوباً فيه وخصوصاً بعد أن بدأت القوات العراقية في تسلم السلطة الأمنية هناك. إذاً فلم لا تغادر القوات البريطانية العراق بعد أن فشل المشروع الذي جاءت من أجله