يقف العالم الإسلامي اليوم، وقفة إجلال لشخصية تاريخية تركت بصماتها واضحة المعالم في أربعة أعوام ارتقت خلالها أعواد خلافة الدولة الإسلامية. الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ابن عم رسول الله (ص) وحامل لوائه ومنجز عدته. شخصية نتلمس ملامحها من أقوال الخلفاء إبان دولة الخلفاء الراشدين، فمنهم من قال: «لولا علي لهلك عمر»، و»لا أبقاني الله لمعضلة لم يحضرها أبو الحسن».
إن الدولة الإسلامية عاشت ازدهارًا كبيرًا وفتوحات بلا حدود في عهد الخلفاء الراشدين، وواجهت الدولة الكثير من التحديات التي التفت من حولها بدءًا من حروب الردة، وصولاً إلى حربي الجمل وصفين... ولكن لم تشهد الدولة فتنًا كما شهدتها في عهد الإمام علي (ع)، وقد يسأل سائل: لماذا هذه الفتن بالذات؟ ولماذا في عهد علي؟ إن الكتب التاريخية بكاملها تذكر أن الإمام علي أحدث تغييرات كبيرة في بيت الحكومة، معلنًا الإصلاح السياسي من الداخل والإصلاح من الخارج، ورفع شعار «الضعيف عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي ذليل حتى اقتص منه».
وليس بغريب أن نذكر أن بعض الشخوص الذين كانوا يمنون النفس بالحصول على مناصب قيادية في دولة علي، كان لهم الأثر الأكبر في قيادة الحروب الطاحنة، فمنذ أن تسلم مقاليد الحكم هرول إليه طلحة والزبير لعلهما يتسلمان الولاية على بعض المناطق، إلا أنه ردهما، ومنذ تلك اللحظة أعدوا العدة لحرب الجمل الشهيرة، وانتهت بعقر الجمل.
ولم تكد الأمور تهدأ حتى دخل الإمام علي في حرب طاحنة أخرى مع معاوية والي الشام والتي انتهت بصورة خطيرة جدًّا، إذ انشق الخوارج عن جيش علي واتهموه بالكفر، وطلبوا منه أن يعلن توبته بعد كفره!
هذا التمزق الواضح في الدولة الإسلامية له مبرراته، فالإصلاح الحقيقي يعني بالضرورة اقتصاص الحق وإعادته إلى أهله، وهناك من لا يقبل أن يساوى في العطاء مع من كان يراه أنقص منه، أو مع خادمه الذي عتقه بالأمس، أوهل يرضى المتنفذون في ذلك الزمن بأن يسترجع الحق منهم ويوزع بالتساوي على المسلمين؟ ولو أمعنا النظر في تاريخ حكم الإمام، لوجدنا أن أكثر من أشاع الفتن هم أولئك الذين كانت لهم يد طولى ومن أصحاب المطامع.
واصطدم الإمام علي (ع) بطائفتين؛ أولئك الذين لا يرضون بحكمه العادل ومن هنا انطلقت الثورات المضادة والمعارك الطاحنة، وأولئك الذين يغالون في حبه حتى اعتبروه ربًّا!
وعلى رغم هذه التعقيدات التي لا تحصى، استطاع الإمام أن يكون دولة إسلامية قوية، دولة يتساوى فيها الجميع أمام سطوة القانون، لا فضل لأعجمي على عربي فيها، ولا لأبيض على أسود، ولا لحر على عبد، فالكل متساوون أمام قانون الله، ويكفينا أن نتصفح العهد الذي بعثه الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر، وفيه سنجد قيمة هذه الشخصية التاريخية، سنقف حينها أمام ثورات الحرية التي يتغنى الغرب بمبادئها كالثورة الفرنسية وغيرها، وسنقول لهم: أنتم متخلفون في حقوق الإنسان يا غرب. ويكفينا أن الأمم المتحدة وزعت على الدول العربية هذا العهد في العام 2002 ليتخذ منه القادة العرب مثالاً.
في هذا اليوم، تنتهي آخر محطات حياة الإمام علي(ع)، وتنتهي آخر كلماته إلى ابنه الإمام الحسن (ع) حين أوصاه بالأسير الذي اغتاله في محرابه «إن أنا مت فضربة بضربة»، بل وأوصاهم بإطعامه ومعاملته معاملة حسنة.
أية شخصية أنت يا أبا الحسن، أي عنوان خلده التاريخ الإسلامي بسطور من ذهب. ذهبت وبقي نهجك وعدلك أبد الآبدين
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ