العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ

خطاب جنرال والجمع بين «المتناقضات»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم سيعقد تيار الجنرال ميشال عون تجمعه الجماهيري في منطقة ارمنية في بيروت الشرقية (المسيحية) ليعلن كما هو مرجح برنامجه «الطائفي» الذي التبس على شارعه بسبب تحالفه مع حزب الله وتراجعه عن عدائه التقليدي لسورية. فالخطاب يرجح أن ترتفع في فقراته جرعة «طائفية» من دون أن يتخلى عن تحالفه المصلحي مع حزب الله. ورفع منسوب «الطائفية» في الخطابات «اللبنانية» لا يمكن أن يتمظهر جماهيرياً من دون إعلان حرب ضد «طائفة» أخرى تحت شعارات «وطنية» أو «اجتماعية». وهذه حال تشترك فيها كل القوى السياسية «اللبنانية».

هذا الاحتمال توقعته الكثير من القوى المتابعة الأمر الذي أملى على بعض الصحافيين كتابة مقالات أو افتتاحيات «استباقية» لتطويق تداعيات خطاب المهرجان الذي يتصادف مع ذكرى اقتلاع عون من القصر الجمهوري في بعبدا بالقوة العسكرية (السورية اللبنانية) في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1990.

المقالات «الاستباقية» التي كتبت قبل موعد الذكرى/ المهرجان حاولت تزيين «طائفية» الجنرال والدفاع عن «مسيحيته» المظلومة من قبل قوى ما يسمى «14 آذار» وحكومة فؤاد السينورة. كذلك حاولت تفسير أسباب دعوة الجنرال إلى عقد مهرجانه في منطقة ارمنية للتأكيد على أن شعبية تيار «الشعب العظيم» لم تتراجع مسيحياً بسبب تحالفه مع «حزب الله» وقوى «8 آذار». فالشعبية التي يحظى بها الجنرال بحسب ما ذهبت إليه «المقالات الاستباقية» لا تزال على حالها من القوة لا بسبب ذلك التحالف بل نتيجة تمسكه بحقوق المسيحيين ومطالبته بتحسينها من خلال إعادة صوغ حكومة السنيورة تحت شعار مشاركة المسيحيين الذين يتمتعون بنسبة معقولة من دعم الشارع.

برأي «المقالات الاستباقية» أن «طائفية» الجنرال مبررة بينما «مسيحية» القوى التي تقف في منطقة وسطى تتلاقى عليها مصالح الطوائف «لبنانياً» ليست مبررة. فاللبناني هو الطائفي في خطابه السياسي وهو من يطالب بتحسين نسبة تمثيل طائفته في إطار الحكومة وغير ذلك فهو «لبناني» لا يرى حقوق الطوائف ولا يشعر بمعاناة الشارع «المغبون» الذي تعرض إلى تهميش سياسي لخدمة أغراض لا تتوافق مع حصة المسيحيين في الدولة.

وبناء على هذا التحليل الذي سارعت «المقالات الاستباقية» إلى طرحه قبل 72 ساعة من موعد الذكرى/ المهرجان توقعت مصادر التحليل أن تزحف الجماهير «المسيحية» إلى الساحة للإعلان عن حضورها واعتراضها على الغبن والتمييز والتهميش مدعومة من جماهير «8 آذار» وأركان القوى التي تتوافق لأسباب مختلفة على تعديل حكومة السنيورة حتى تكون على سوية وطنية لمواجهة العدو الصهيوني.

«المقالات الاستباقية» التي نشرت على عجل لم تكن اعتباطية. فهي أرادت توجيه ضربة لكل القراءات المتوقعة وما يمثله المهرجان من التباسات تختلط فيها «الطائفية» المغبونة بالمقاومة، و«اللبنانية» المحرومة بحكومة «وطنية» قادرة على التصدي للعدو الصهيوني، و»الثلث المعطل» باستحقاقات إقليمية ودولية. لذلك شرحت لماذا يعقد المهرجان في ذكرى المواجهة العسكرية العونية - السورية ومحاولة الجنرال استخدام تلك الفترة لتوضيح موقفه المستجد من دمشق للشارع المعطل. كذلك حاولت تفسير اختيار الموقع في مكان يسيطر عليه حزب «الطاشناق» الأرمني الذي يدعم صهره الرئيس إميل لحود. فالاختيار عفوي وليس له علاقة بتراجع شعبية التيار «الوطني الحر» والتعويض عنها بشارع أعلن أيضاً عن مشاعر الغبن الذي لحقت به بسبب التمثيل الأرمني في حكومة السينورة. فالاختيار مصادفة وشعارات اللقاء (حركة محرومين مسيحية - أرمنية) كافية برأي «المقالات الاستباقية» لإلهاب الشارع وحقنه ضد الهيمنة السنية - الشيعية على الدولة وتغييب الدور المسيحي في صوغ القرار السياسي.

«المقالات الاستباقية» ليست عبثية فهي من جانب تلامس أجواء حقيقية ومن جانب آخر تحاول استدراك الانزلاق نحو «طائفية» ملتبسة يقودها الجنرال دفاعاً عن شعبيته التي تراجعت اعتراضاً على تحالفاته الجديدة. فالجنرال فعلاً فقد الكثير من التأييد المسيحي بسبب التغييرات التي ألحقها بمشروعه السياسي الذي نهض في تسعينات القرن الماضي على فكرة العداء للسوريين والفلسطينيين وضمناً «المسلمين».

شعبية الجنرال السابقة تجمعت في شارعه «المسيحي» لأسباب طائفية وليست وطنية. وهو بنى شهرته على أساس أنه أول قائد للجيش اللبناني يفتح النار مباشرة على الجيش السوري، وهو أول من حارب «القوات اللبنانية» لتوحيد «البندقية المسيحية» ضد الغرباء. وهو قاد «الاعتراض» على «اتفاق الطائف» وقاومه عسكرياً لأنه ضمناً يساوي المسلمين بالمسيحيين للمرة الأولى منذ تأسيس الكيان في العام 1920. وهو أيضاً قاد الهجوم على الوجود السوري في لبنان بعد ترحيله عن القصر الجمهوري وتوجه إلى الكونغرس الأميركي وأدلى بشهادة اعتمدت أساساً لاصدار «قانون تحرير سورية». وهو أيضاً لا يتردد في القول إنه كان السبب، أو من أسباب، الضغط على إصدار القرار 1559 الذي رأى النور، ويا للمصادفة، بذريعة التمديد للرئيس الحالي لحود.

كل هذا «التراث» يعتبره الجنرال من انجازاته. وبسبب «التراث» المذكور تجمعت شعبيته وارتفع منسوبها في الشارع المسيحي. فالقوة إذاً ليست «لبنانية» في جوهرها بل هي استندت أصلاً على «طائفية» خطاب سياسي اعتمد التهييج والتحشيد ولم يتردد في إقامة علاقات تحالفية/ استراتيجية مع نظام صدام حسين في العراق نكاية بالوجود السوري والنفوذ الإيراني في لبنان.

انقلاب الجنرال

هذا «التراث» المسيحي (الطائفي في جوهره السياسي) انقلب عليه الجنرال فجأة بعد عودته من فرنسا معتبراً أنه يكفي هذا القدر من التجميع لفتح الطريق أمامه لدخول القصر الجمهوري في بعبدا بعد طرده منه قبل 16 سنة. إلا أن حسابات الجنرال لم تتطابق مع حسابات الشارع. فالشارع معه ضمن شروط وحين تخلى عن تلك العناصر التي شكلت أدوات الخطاب ومخاطبة الجمهور فإن الشعبية لا بد لها من التراجع لمصلحة قوى وفئات أخرى. وخوفاً من هذا الاحتمال لجأ الجنرال إلى تعويض خسارته بسبب تحالفاته الاقليمية والمحلية المستجدة إلى تطوير خطابه «الطائفي» والابتعاد عن «اللبنانية» التي رفعها في السابق كإطار عام لتنظيم العداء ضد سورية والمخيمات الفلسطينية. ولهذا السبب حاولت «المقالات الاستباقية» تفسير أسباب صعود الجرعة «الطائفية» في خطاب الجنرال والدفاع عنها كذلك شرح العوامل «المسيحية» التي دعته إلى تجميع «الشعب العظيم» في منطقة أرمنية.

فالطائفية هي سلاح لمقاومة حكومة السنيورة وتشكل قوة ضغط شارعية باسم الدفاع عن «حقوق المسيحيين» والظلم الذي لحق بهم بسبب «اتفاق الطائف» السني/ الشيعي. والأرمنية هي نقطة تجمع بين الرئيس لحود وشبكة المصاهرة وتقليدية حزب «الطاشناق» المعروف دائماً بتأييده للعهد مهما كان توجهه وسماته.

إلا أن الجديد في «الأرمنية» هو صعود تيار اعتراضي على تمثيل «الطائفة» واضطهادها في مجلس النواب ومجلس الوزراء والتعيينات الإدارية والدبلوماسية. وهذا الشيء الجديد ازدادت قوته اعتراضاً حين رفض «الطاشناق» مشاركة الجيش التركي في القوات الدولية (يونيفل) في الجنوب بذريعة أن أنقرة ارتكبت مجزرة ضد الأرمن في مطلع القرن الماضي.

إذاً اختيار المكان ليس مصادفة فهو يجمع شعبية الرئيس لحود (علاقات مصاهرة أرمنية) مع خطاب جنرال تهافت في شارعه واستقر على بقاياه «الطائفية» إلى تيار «قومي» يعبر عن تهميشه من خلال الدمج بين كره تركيا قومياً وكره المسلمين طائفياً.

لكل هذه الاعتبارات الجغرافية/ السياسية والطائفية/ القومية والتحالفات الجهوية/ الفئوية توقعت «المقالات الاستباقية» أن يكون المهرجان في ذكرى الحرب ضد سورية مناسبة «وطنية» للإعلان عن مشروع «لبناني» ترتفع فيه جرعة «الطائفية».

اليوم إذاً «الشعب العظيم» على موعد مع انقلاب جديد عزم الجنرال قيادته حفاظاً على شعبيته التي تخسر باللبنانية وتربح بالطائفية. وحتى تكتمل شروط نجاح الحركة التصحيحية لا بأس من استخدام التحالفات لجرجرة البلد نحو الفوضى سيكون الخاسر فيها «لبنان الكبير» في حال انزلقت إلى نهاياتها المذهبية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً