العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ

«الحاجب» يحجب القائد عن القاعدة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعل من أخطر الوظائف التي يتحدث عنها تاريخنا الاسلامي هي وظيفة «الحاجب»، وهو الشخص المسئول عن ادخال الناس، أو حجبهم، عن الحاكم أو صاحب الكلمة، وهو الوسيط بين الحاكم والرعية، بين المسئول الاول وغيره من الناس، وهو المسئول عن ايصال الرسائل (أو حجبها) عن القيادة. ودور «الحاجب» كان في التاريخ محورياً ومازال يلازمنا، وهو موجود على مختلف المستويات الأهلية منها والرسمية، حتى بدأنا نسمع ونقرأ ان مسئولي هذه الجمعية أو تلك أصبحوا «محجوبين» عن قواعدهم بسبب وجود من يقوم بدور «الحاجب». والامر ذاته في الداوئر الرسمية اذ يشتكي الكثيرون من ان المسئول اصبح «محجوباً» عن الناس بسبب وجود من يلعب دور «الحاجب».

المسلسل التاريخي الدرامي الذي تعرضه عدد من القنوات الفضائية العربية في أيام رمضان المبارك «أبناء الرشيد، الأمين والمأمون» يعتبر من أفضل ما انتج هذا العام ، وهو يوضح كيف يلعب «الحاجب» الدور الرئيسي، بل والمحوري، في هبوط «الأمين» ، وصعود «المأمون» ، وكيف ان مصير الحكم يعتمد على عدم اخلاص حاجب الأمين للأمين، في مقابل اخلاص حاجب المأمون للمأمون.

عوداً الى التاريخ أيضاً، يقال ان العلامة الموسوعي عبد الرحمن بن خلدون كان طموحه الأول في عز شبابه هو ان يصل الى وظيفة «الحاجب». وفعلاً اشتغل الوظيفة لمدة عامين أو أكثر كحاجب لأحد الأمراء في المغرب، وقام بدور «الحجابة» وسيطر على ما يريد ان يسيطر عليه في تلك الدائرة، الى ان انقلبت عليه الأيام واتهم بالتآمر ووضع في السجن. وبعد سجنه ذاك انتقل الى أحد دواوين الأمراء في غرناطة وانقلب عليه الأمر مرة أخرى، فانتقل لاحقاً الى الجزائر ولعب دوراً في تنظيم علاقات أمير «بجاية» الجزائرية مع القبائل، واستوحى الكثير من أفكاره من خلال هذه المهنة الصعبة. وثم انقلبت عليه أحوال السياسة فقرر الاعتزال واللجوء الى قلعة «ابن سلامة» الجزائرية وتفرغ لكتابة «المقدمة» التي اشتهرت لاحقاً في كل مكان على أساس انها أول دراسة في «علم الاجتماع». وظيفة الحاجب انقلبت على عبد الرحمن بن خلدون، وجلبت اليه المآسي، ثم قرر الهروب منها ليصبح مراقباً لحوادث عصره ومتأملاً بالأسباب القريبة والبعيدة للمشكلات الاجتماعية والسياسية. وفي عصرنا، لابد ان نلغي منصب الحجابة بكل تصنيفاته ومسمياته التي نعاصرها، ونستبدل «الحاجب» بالحال المؤسسية التي تقوم عليها النظم المتقدمة في الدولة والمجتمع والاقتصاد. فلم يعد عالمنا يتحمل شخصنة الوظائف، وترك الامور الى «الحظ» و«النصيب» ونوعية من يمسك بوظيفة الحجابة. فالدولة الحديثة والمجتمع الحديث والاقتصاد الحديث جميعها قائمة على المؤسسات غير المشخصنة التي تنظر الى شئون المجتمع بصفتها تمس المصالح العامة، وتفصلها عن الشئون الخاصة، وتضمن الحقوق الفردية، كما تضمن سياقات العمل العام الذي يتطلب مشاركة جميع من يعنيهم الأمر ضمن ترتيبات أصبحت تعرف بقواعد وأصول دستورية. فهذه الحال المؤسسية تلغي الحاجة الى مهنة «الحجابة» التي تناسب زماناً لم يتوافر فيه ما يتوافر لدينا في عصرنا الحالي من خبرات ونظم تستطيع التعامل مع اكثر الموضوعات تعقيداً وتعالجها بنجاح

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً