في الصفحة الأولى، ولكن في الأسفل منها، وفي مساحة صغيرة، نشرت إحدى الصحف المحلية خبر «اجتماعات مبدئية يعقدها عدد من رجال الأعمال من مختلف القطاعات لاستشراف إمكانية تشكيل إطار لدعم عدد من المترشحين لانتخابات مجلس النواب القادم...». ليس هناك ما يدعو للغوص كثيرا في تفاصيل الخبر، حيث أن القصد هنا ليس التأكد من مدى صحته، التي نحن على يقين من مصداقية الصحيفة التي نقلته، ولاحتى مناقشة ما ورد فيه، لأن ذلك ليس القصد من الإشارة إليه. ما يثيره الخبر هو طبيعة تناول قطاع رجال الأعمال للمسألة السياسية في البلاد. فمنذ أن دخلت البحرين مرحلة مشروع الإصلاح السياسي، وبدء انتخابات المجلس النيابي، ونحن
لانكف عن سماع رغبة تجار البحرين في «إيصال صوتهم إلى المواطن عبر البرلمان، والدفاع عن مصالحهم عن طريق إيصال أو دعم من يدافع عن مصالحهم». الأيام تجري والتاريخ يدون أحداثه والتجار ما زالوا يتداولون. يذكروننا في ذلك بـ «أهل الكهف» الذين استيقظوا بعد أن غطوا في سبات نومهم ليكتشفوا أن كل شيء من حولهم
قد تغير، بما ذلك عملة البلاد المتداولة.
على تجار البحرين إن هم أرادوا أن يكونوا رقما له ثقله في معادلة العمل السياسي البحرينية أن يدركوا الأمور التالية:
1. ضرورة التخلي عن السلوك الخجول الذي يشبه من يرغب في الحصول على الشيء، لكن خجلة يمنعه من طلبه. فالوصول إلى البرلمان ليس أمرا «يستجديه»
التجار، بل هو حق من حقوقهم أولا، وواجب وطني عليهم أن يؤدوه ثانيا وليس أخيرا.
لذلك على رجال الأعمال أن «يناضلوا» من أجل، بدلا من أن «يطلبوا»، الوصول إلى البرلمان. وللنضال، على النقض من الاستجداء، سلوك وأخلاقيات وطرق خاصة به، على التجار أن يتحلوا بها، إن هم كانوا صادقين مع أنفسهم في رغبتهم في أن يكون لهم دور سياسي، مميزا ومؤثر في آن.
2. إدراك أن العمل السياسي ليس حكرا على قبة البرلمان، وعلى وجه الخصوص عندما تبيح القوانين للقوى الاجتماعية تشكيل القوى السياسية المعبرة عن
تطلعاتها، والمدافعة عن مصالحها. وبالتالي، فبوسع التجار، إذا ما أدركوا هذه الحقيقة، أن يفتشوا، أيضا، عن قنوات سياسية أخرى من شأنها تحقيق الأهداف التي
يرغبون في تحقيقها. فمنطق الأمور يقول أن الرغبة أو العمل من أجل التمثيل في البرلمان لايضمن نجاح المرشحين في الوصول إلى قبته. وبالتالي، فعلى القوة
الخاسرة في دورة معينة مواصلة نضالها السياسي لضمان وصول مرشحيها للدورة التي تليها. هذا يقتضي البحث الدؤوب، ذي النفس الطويل، عن البدائل التي تضمن وجود رقم «رجال الأعمال» بشكل مستمر في معادلات العمل السياسي البحريني، من خلال البرلمان، وعن طريق القنوات الأخرى.
3. الاقتناع بأن غرفة تجارة وصناعة البحرين، هي عربن التجارالتي ينبغي أن يعززوا من أركانها ويصونوا حرمتها. وليس المقصود هنا الحرص على تشكيل مجلس
إدارة يتناوب دوريا على إدارة الغرفة. المطلوب هنا وصول مجلس إدارة قوي، له مشروعه السياسي، «غير الخجول» الذي يدافع، في كل مكان وزمان، عن مصالح التجار وطموحاتهم. ولعل أول حق ينبغي أن ينتزعه مجلس إدارة الغرفة هو ربط تجديد السجل التجاري، ومن ثم حق التاجر في ممارسة عمله التجاري، بعضويته في الغرفة، وهو أمر غير قائم اليوم، ونجحت السلطة التنفيذية في فرضه على الغرفة منذ تأسيسها.
لقد آن الأوان كي تنتزع الغرفة هذا الحق، وهو معيار مباشر يدلل على صدق إدعاء تلك السلطة للتجار، بسعيها لتعزيز مكانتهم السياسية. اكتساب هذا الحق، يوفر
للغرفة مصدر تمويل يرسخ من عناصر استقلالية الغرفة عن السلطة التنفيذية، ويوفر لها مصدر دخل دائم لها يمكن استخدامه في مشروعات الغرفة الاستثمارية وبرامجها السياسي، حين تقرر ولوج العمل السياسي، بما يحتاجه ذلك من عناصر الاحتراف.
4. فهم الساحة السياسية بكل تناقضاتها ومحاورها، فالعمل السياسي بمعناه الواسع يحتاج من التجار، شأنهم في ذلك شأن القوى الاجتماعية الأخرى، أن يكون
لهم من يمثلهم مباشرة في تلك الساحة. ينبغي أن يكف التجار القبول بنمط «الوكيل»، بمعنى دعم قوى أخرى. ولابد من إزالة اللبس حول هذه النقطة، إذ أن المقصود هنا بروز قوة سياسية يؤسسها التجار، تتولى هي بناء العلاقات ونسج التحالفات مع القوى السياسية الأخرى. حتى اليوم، يفتش المواطن عن جهة سياسية تكون هي الناطق الرسمي السياسي، في البرلمان وخارج البرلمان عن قطاع رجال الأعمال.
5. محاربة ذهنية الذيلية للسلطة التنفيذية، إذ على التجار، إن هم أرادوا كسب ثقة المواطن، واحترام الشعب، أن يميزوا أنفسهم، وبوضوح عن السلطة التنفيذية. ليس المقصود هنا الإصرار على افتعال المعارك، أو الدخول في مهاترات أو مناكفات غير مبررة. لكن بالمقابل، وبالمنطق ذاته، ينبغي تمييز التجار لأنفسهم عن تلك السلطة، وإعطائها ما تستحقه من الدعم، دون التفريط بحقهم في ممارسة النقد. لابد للتجار، أن يرسموا بدقة ووضوح، سعة الهامش الذي يميزهم عن السلطة التنفيذية، والذي يفتح أمام المواطن قنوات بناء الثقة السياسية «شبه
المفقودة حاليا» بين الطرفين.
المسافة الزمنية التي تبعدنا عن انتخابات 2010 ليست طويلة، وهذا يضع على التجار مسئوليات ينبغي التحضير لها من الآن
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2480 - الأحد 21 يونيو 2009م الموافق 27 جمادى الآخرة 1430هـ