لا يزال العالم ـ وفي مقدَّمه العالم الإسلامي ـ يضجّ بالمشكلات المحلية والإقليمية والدولية في أكثر من بلد، جرّاء التخطيط الخبيث للإدارة الأميركية التي تعتمد أسلوب الإثارة لتحريك حال المصادرة للمصالح المتنوعة لشعوب المنطقة لحساب المصالح الاميركية والإسرائيلية. و تابعنا ذلك في رحلة وزيرة خارجية أميركا التي استدعت وزراء خارجية أكثر من دولة عربية وصفتها بالاعتدال، من أجل إيجاد محور سياسي ضد جهات وصفتها بـ»التطرف»، لإرباك العلاقات بين هذه الدول وبين إيران وسورية وحركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، ملوّحةً لهم بأنها ستحقق بعض النتائج الإيجابية في المسألة الفلسطينية، ولكنها لم تستطع أن تحصل على أي مكسب من «إسرائيل» للشعب الفلسطيني، لأنها لا تملك الضغط على العدو، بل كان دورها هو الحصول على مكاسب لـ «اسرائيل» في إثارة السلطة الرسمية ضد حكومة حماس من أجل إسقاطها لحساب العدو ولحساب أميركا... وهكذا رأينا كيف أن الواقع الفلسطيني لا يزال في حال شدّ وجذب قد تنتهي به إلى مستوى الكارثة في الحرب الأهلية.
وفي الجانب العراقي، لا تزال المأساة تتمثل يومياً بالمجازر الوحشية التي يتحرّك بها الاحتلال وأعداء الشعب العراقي من حلفاء الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا إضافةً إلى دوّامة الأوضاع المذهبية الطائفية في حال الفعل وردّ الفعل في القتل والاختطاف والتهجير، من أجل إيجاد واقع تقسيمي مدعوم من قِبَل الاحتلال.
وفي الملف النووي الإيراني السلمي، لا تزال الاتهامات غير الواقعية أن إيران تخطّط لصنع سلاح نووي، ولكن الواقع هو أميركاـ ومعها حلفاؤها الأوروبيون ـ لا تسمح بحصول إيران على تقنيات الخبرة العلمية النووية التي تمكّنها من التقدم الاقتصادي لخدمة شعبها في قضاياه الحيوية العامة، لأن أميركا تريد لدول المنطقة، ولاسيما الدول الإسلامية، أن تبقى في حاجة إلى الغرب في أمورها العلمية والاقتصادية والأمنية. ويدور الحديث حول العقوبات التي ستفرض على إيران التي ستقف ضد كل هذه التهديدات، لأن القضية هي قضية الحرية والقوة والكرامة وحركة المواجهة في موقع التحدي.
وكانت الصدمة القوية للسياسة الأميركية في التجربة النووية لكوريا الشمالية، التي هزّت الواقع الاستكباري الذي انصبّت كل ضغوطه على هذه الدولة قبل حدوث تجربة التفجير، وخصوصاً أن أميركا، والدول الكبرى، كانت تريد أن تستأثر بامتلاك السلاح النووي. فأميركا تمتلك أقوى الترسانات النووية، كما أن «إسرائيل» التي يُتحدث عن امتلاكها 200 رأس نووي بعد مساعدة بعض الدول الأوروبية لها في تجاربها النووية، حظيت بغطاء سياسي أميركي بحجة أنها مستهدفة، وهذا مما يضحك الثكلى، لأن هذه الدولة اليهودية الغاصبة، تمثل تهديداً لدول المنطقة مستفيدةً من الدعم الأميركي المطلق اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بل إنها تمثل تهديداً للسلم العالمي في تحالفها الاستراتيجي مع أميركا... إلا أنّ مسألة السلاح النووي امتدّت إلى الهند وباكستان، ما أدى إلى خضوع أميركا لهما بعد رفضها لذلك في البداية... وهكذا انتهى الدور إلى كوريا الشمالية التي لم تمنحها أميركا ما طلبته من التعهد بعدم الاعتداء عليها، بل رفضت ذلك، هذا فضلاً عن الضغوط المتعددة من خلال حلفاء أميركا في المنطقة...
لقد بدأ التحدي للولايات المتحدة الاميركية بالجرأة المتنوعة التي تنطلق من الدول ومن الحركات التحررية، وصولاً إلى الحركات التي تسميها أصولية، ما جعل الإمبراطورية الأميركية تتخبط في سياستها في مناطق احتلالها المباشر، كما في العراق وأفغانستان، وفي احتلالها ـ بواسطة «إسرائيل» ـ كما في فلسطين...
إننا نعتقد أن هذه الدولة الظالمة العاتية المستكبرة (الولايات المتحدة) ستحاصرها الشعوب بالرفض لسياستها، وبإرباك مصالحها ـ مهما امتدت سيطرتها ـ و أصبحت المشكلات تحاصر رئيس هذه الإدارة في داخل بلده، من خلال الفضائح الكثيرة المثارة ضد حركة هذه الإدارة.
إن الله يريدنا أن نرفض الاستكبار وأهله، وأن نقف ضد الظالمين ونواجه كل الضغوط العدوانية، لأن الله يريد لنا الحرية والعزة والكرامة، لأن ذلك من عناصر عقيدة التوحيد التي ترفض كل الذين يريدون فرض العبودية على الناس.
أما لبنان، فلا يزال يعيش الدوامة السياسية في السجالات التي تهدأ تارةً وتثور أخرى، ولاسيما في الاتهامات التي تتراشق بها المعارضة والموالاة، وتنطلق من جديد الدعوة إلى الحوار التي قد لا نجد الظروف التي تصل به إلى نتيجة، لأن الساحة السياسية لا تملك أمرها، ولأن القوى الخارجية تضغط على القرارات في كهوف السفارات والمندوبين الدوليين... ويبقى الشعب الذي يعيش الكثيرون منه ـ ولاسيما بعد العدوان الإسرائيلي ـ تحت خط الفقر، لأنه لن يشبع من خطابات موائد الإفطار التي لا تمنحه إلا الكلمات التي تربك فكره ولا تشبع معدته. ساعد الله المستضعفين في لبنان، اذ لا يزال البلد في عهدة المترفين الذين أُثروا على حساب الشعب ومن سرقة موازنته ، في نظام الفساد الذي لا يزال ينخر جسم الدولة اللادولة
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ