لقد أصبحت المصارف الإسلامية أمراً واقعاً في الحياة المصرفية الإقليمية والدولية بعد أن شقت طريقها بصعوبة في بيئات مصرفية، بعيدة في أسسها وقواعدها وآليات العمل فيها عن الروح والقواعد التي تدار بها المصارف الإسلامية.
11 سبتمبر 2001
لقد قيل الكثير عن الصعوبات والتحديات التي كان من المتوقع أن تواجهها المؤسسات المالية الإسلامية في أعقاب حوادث 11 سبتمبر/أيلول. وعلى رغم بعض التراجعات التي شهدتها بعض المصارف الإسلامية، لكن يمكننا القول إن المصارف الإسلامية قد نجحت في تجاوز نسبة عالية من ذيول 11 سبتمبر 2001، وهو ما تؤكده بيانات صندوق النقد الدولي التي تشير إلى انتشار المصارف الإسلامية في 48 بلداً تمثل ثلث دول العالم الأعضاء في صندوق النقد، وأنها خرجت من نطاقها الطبيعي في أسواق الدول الإسلامية إلى أسواق الدول الأخرى، كما أشارت إحصاءات الاتحاد الدولي للمصارف الإسلامية العام 1998 إلى النمو السريع للمصارف الإسلامية خلال عقدين من الزمن، حيث كانت في نهاية السبعينات خمسة مصارف فقط وصلت بنهاية العام 1998 إلى 176 مصرفاً بإجمالي أصول قدرها 176 مليار دولار، وإجمالي إيداعات أكثر من 112 مليار دولار، وحقوق مساهمين أكثر من 7 مليارات، وبمعدل نمو سنوي بلغ 15 في المئة سنوياً.
بل إن البعض يذهب إلى أبعد من ذلك، ويرى أن حوادث 11 سبتمبر أعطت زخماً جديداً لعمل المؤسسات المالية الإسلامية، وأن الدليل على ذلك، ارتفاع حجم عمليات الودائع خلال الأشهر الثلاثة التي تلت الاعتداءات على نيويورك وواشنطن، معتبرين أن الهجوم العنيف الذي تعرضت له المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية كان مبنياً على سوء فهم وعدم إلمام بطريقة عمل هذه المصارف وخصوصاً لدى السياسيين، ومورست ضغوط شديدة للغاية على المؤسسات المالية الإسلامية في دول الخليج العربية من أجل تجميد أصول المشتبه فيهم أو المرتبطين بمجموعات إرهابية محتملة.
وكانت محصلة كل ذلك، مواصلة حركة الإيداع في المصارف الإسلامية ارتفاعها لتصل إلى 5 في المئة زيادة عن المعدل الطبيعي الذي كان يتراوح بين 5 و10 في المئة، وعزا الخبراء ارتفاع نسبة الودائع في المصارف الإسلامية في تلك الفترة إلى حركة سحب في السيولة من المصارف الغربية والأميركية تحديداً أو إيداعات غير مباشرة من المصارف المحلية. وتراوحت قيمة السيولة المسحوبة بين (150 و200) مليون دولار في غضون ثلاثة أشهر بعد 11 سبتمبر، لكن معدل الإيداع في المصارف الإسلامية عاد بعد ذلك إلى معدلاته الطبيعية.
التحديات
أول هذه التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية ذات علاقة بالمسألة العقيدية، إذ إن هناك اختلافاً بشأن الموقف من آليات المصارف التقليدية وطرق ممارستها عمليات الإقراض. فبينما نجد عدم تحريمها لدى البعض من مثل شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي، نراها محرمة لدى شيوخ آخرين من أمثال الشيخين يوسف القرضاوي ونظام يعقوبي. وكان الأخير واضحا في مخالفته شيخ الأزهر بشأن هذه المسألة في لقائه أحمد منصور في برنامج «بلا حدود» الذي تبثه قناة «الجزيرة».
فحين أثار أحمد منصور معه هذه المسألة بقوله: «يعني هناك فتوى ظهرت قبل عدة سنوات للشيخ (طنطاوي) يعني قال فيها إنه لا فارق بين البنوك التقليدية وبين البنوك الإسلامية على اعتبار أن العلاقة القائمة بين العميل والبنك هي علاقة تعاقد... يعني لا ضير فيها طالما أن هناك اتفاقاً وتراضياً بين الطرفين في المسألة»، كان رد الشيخ نظام يعقوبي: «إن هذه الفتوى هي فتوى فردية، والآن عصر الاجتهاد الفردي في المسائل الكبرى - ولاسيما القضايا المصيرية والقضايا الحاسمة المهمة من مثل هذه القضية - يجب علينا أن نبتعد عن الفتاوى الفردية، نحن الآن في عصر الاجتهاد الجماعي وفي عصر المجامع الفقهية الكبرى التي يشارك فيها نخبة من كبار فقهاء وعلماء المسلمين... وجميع المجامع الفقهية التي أنا اطَّلعت على فتاواها: المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، مجمع البحوث الإسلامية الموجود في الأزهر، المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، والمجمع الفقهي في باكستان، فجميع المجامع الفقهية الجماعية تخالف هذه الفتوى التي أتى بها هذا الشيخ، بل أنا أقول: حتى القانون في بلاده يخالف ذلك لأن القانون يقول: إن البنوك هي مؤسسات للإقراض والاقتراض، وليست مؤسسات للتجارة».
ويضيف يعقوبي قائلاً: «وأنا أقول إن جُلَّ علماء المؤسسة التي يرأسها الشيخ الفاضل يخالفونه الرأي في هذه الفتوى، ويمكن عمل استفتاء في هذا، بل قلت إن القانون في بلاده يخالف هذا لأن القانون ينص على أن البنوك هي مؤسسات للإقراض والاقتراض وليست مؤسسات تجارية».
لكن إذا تجاوزنا الجانب العقيدي، على أهميته، فسنجد أن المصارف الإسلامية تواجه مجموعة أخرى من التحديات العملية يمكن تلخيصها في:
1- ضيق الدائرة الايديولوجية للمصارف الإسلامية، إذ من المنطقي أن تكون للمصارف الإسلامية ايديولوجية تختلف عن المصارف التقليدية، فهي تُعتبر وجهاً من أوجه النشاط الاقتصادي الإسلامي ومن أهم عناصر تلك الايديولوجية:
أ - الاستناد إلى العقيدة الإسلامية.
ب - إلغاء سعر الفائدة أخذاً وعطاءً في جميع المعاملات.
ج - الالتزام باستثمار الأموال في تنمية المباحات من دون المحرمات.
د - الالتزام بالمفهوم الشامل للتنمية بمعنى عدم النظر إلى التنمية على أنها اقتصادية فقط.
هـ - الأخذ بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة.
وبعض مثل هذه المقاييس لا تتوافق، بل إن بعضها يتضارب، مع بعض الآليات والمقاييس المعمول بها في المؤسسات المالية التقليدية أو غير الإسلامية.
منذ نشأة المصارف الإسلامية وهي تحاول الحفاظ على هويتها الإسلامية، بأن تعمل في مناخ أقل ما يوصف بأنه لا يُمكن أن يكون في صالح المصارف الإسلامية.
2- عدم وجود جهاز مصرفي إسلامي متكامل: فالمصرف الإسلامي مضطر إلى أن يخضع وهو يباشر نشاطه إلى جميع القواعد والأدوات التي يستخدمها البنك المصرفي في مراقبته سير العملية المصرفية، والذي لا يُفرق بين العملية بين المصرف الإسلامي وغيره. والسؤال المطروح في هذا الشأن: ماذا لو تعرض مصرف إسلامي لأزمة سيولة طارئة، هل سيستطيع الاقتراض من البنك المركزي بشروط الفائدة نفسها التي يستخدمها البنك المركزي مع المصارف الأخرى؟
3- اضطرارها إلى التعامل مع مصارف غير إسلامية: فالمصارف الإسلامية، في حالات كثيرة، مضطرة إلى الاحتفاظ بنسبة من ودائعها لدى المصارف المركزية التي يدفع كثير منها فائدة على هذه الودائع، وهو ما لا يتفق مع منهجها. كما تقوم البنوك المركزية بوظيفة المقرض الأخير للمصارف، وعلى رغم أن المصارف الإسلامية بحاجة ماسة إلى التمتع بهذه الميزة التي تتوافر لغيرها من المصارف، فإنها لا تستطيع شرعاً الاستفادة من تسهيلات البنوك المركزية؛ لأنها تقدم على أساس ربوي.
4- صغر حجم رؤوس أموال نسبة عالية من المصارف الإسلامية، ما يحدّ من انطلاقها لمواكبة الصناعة المصرفية المتقدمة، ويحدّ من قدرتها على الوفاء بحاجات المتعاملين معها، وهي بذلك تعرض نفسها لمصاعب جمّة قد تؤدي إلى خروجها من السوق في ظل المنافسة المتزايدة.
5- طبيعة الودائع التي تستثمرها لصالح المودعين، فهي ذات آجال قصيرة، في حين أن تمويل المشروعات بحاجة إلى أموال ذات آجال طويلة، ما تنتج عنه صعوبات بالغة للمواءمة بين آجال الالتزامات واحتياجات التمويل.
وأدت هذه التحديات والمصاعب التي تواجه المصارف الإسلامية إلى تعرض الكثير منها لأزمات ومشكلات عملية، وخصوصاً في الوقت الذي تعرضت فيه الاقتصادات الآسيوية لانهيارات، غير أن الكثير من المصارف الإسلامية لم تتعرض للانهيار على عكس مصارف عدة، مثل بنك معاملات إندونيسيا الإسلامي الذي تدخل البنك الإسلامي للتنمية لإعادة هيكلته.
وفي نهاية المطاف من الطبيعي والمتوقع أن تلقي العولمة الاقتصادية والمالية بمتغيراتها على الصناعة المصرفية سواء أكانت إسلامية أم غير ذلك، الأمر الذي يتعين على المصارف مواجهة مثل هذه المتغيرات.
رئيس البنك الإسلامي للتنمية أحمد علي يرى أن العولمة ستتيح فرصاً للمصارف لزيادة استخدام الصيغ التمويلية الإسلامية، وفتح المزيد من الفروع في البلدان الأخرى، شريطة إعادة هيكلتها وزيادة رؤوس أموالها وتنفيذ خطة محكمة للاندماج الذي يحقق لها مزيداً من الكفاءة والتطوير والمنافسة وتحسين نوعية خدماتها وتطوير مشروعاتها، ويجري بنك التنمية الإسلامي حالياً دراسة لإمكان اندماج المؤسسات المالية الإسلامية في منطقة الخليج باعتبارها تضم أكبر تجمع للعمل المصرفي الإسلامي. ويعزز من هذه النظرة، الرئيس التنفيذي السابق للمصرف الشامل البحريني نبيل نصيف الذي يتوقع سقوط الحواجز والقيود بالنسبة إلى الصناعة المصرفية بنهاية 2010، ويعتبر السوق المحلية جزءاً من السوق العالمية التي يمكن لأي مصرف دخولها وتقديم خدماته فيها؛ لذلك يجب على المصارف الإسلامية الاستعداد الفوري لهذا التحدي الكبير. والسؤال هنا: هل تمتلك المصارف الإسلامية القدرة على مواكبة الصناعة المصرفية العالمية ومواجهة المنافسة من ناحية تطوير أنظمتها وجودة خدماتها ومنتجاتها، وخصوصاً إصدار الصكوك المالية التي تساعد على حل مشكلة إدارة السيولة، وتضمن موارداً للدولة، وتحديث أجهزة اتصالاتها وأنظمة تشغيلها، الأمر الذي سيعوق استمرارها إن لم تكن لديها الإمكانات المالية والفنية لمجاراة السوق المالية؟ وهل سيكون في وسعها بناء نظام مصرفي عالمي متكامل قادر على إدارة وضبط العمليات المصرفية العالمية على أسس وقواعد العقيدة الإسلامية في ظل النظام المالي العالمي من دون التفريط في تلك العقيدة؟
مثل هذه التحديات هي التي على المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية أن تتصدى لها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ