العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ

كوريا وإيران... وخيارات واشنطن المفتوحة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لم تتوصل دول مجلس الأمن الكبرى إلى صيغة قرار يدين كوريا الشمالية على تجربتها النووية. فالدول الست متفقة على مشروع قرار الإدانة لكنها مختلفة على نوعية الرد. الولايات المتحدة مدعومة بحذر من أوروبا تتجه نحو التصعيد وتطالب بأن يصدر القرار تحت “الفصل السابع” على أن يشمل سلسلة إجراءات عقابية تزيد من عزلة “النظام” وتضرب حوله طوقاً من الحصار الشامل.

روسيا الاتحادية لا تمانع في الإدانة و”الفصل السابع” لكنها تميل إلى الحدِّ من التصعيد حتى لا ترد كوريا الشمالية بخطوات انتحارية قد تسهم في زعزعة استقرار المنطقة وربما تخريبها. الصين أيضاً تحبذ التروي وعدم اتخاذ خطوات ناقصة وغير مدروسة حتى لا تنقلب الطاولة وتظهر من بيونغ يانغ ردود فعل غير متوقعة، وخصوصاً انها أعلنت عن برنامجها الصاروخي القادر على حمل رؤوس فتاكة إلى مسافات بعيدة تصل مداها إلى آلاسكا وكاليفورنيا.

هذا الاختلاف في تقدير الموقف يفتح الباب أمام احتمالات غير متوقعة على المسار الدولي في مسألة التعامل مع أزمة خطيرة من هذا النوع. فالولايات المتحدة ترى في أسلوب التحدي الكوري إهانة لسياسة واشنطن التي اعتمدت مبدأ الكيل بمكيالين بذريعة تصنيف العالم وتشطير دوله تحت بندين “مع” أو “ضد”. والضد برأيها “شرير”، “مخالف”، “مارق”، و”فاشل” وبالتالي يجب معاقبته سواء لجأ إلى تصنيع “أسلحة دمار شامل” أو لم يلجأ. روسيا لا توافق على هذا النهج كذلك الصين والى حدٍّ ما فرنسا. فهذه الدول الثلاث أبدت خلال السنوات الماضية بعض التحفظات على تلك الإستراتيجية الأميركية ورأت أنها تزيد من التوتر الدولي وتضع الدول المطلوب شطبها أوتلك الدول الموضوعة على لائحة “الضد” في موقع حساس يفرض عليها اللجوء إلى كل الأساليب المتاحة للدفاع عن مصالحها وشعوبها وسيادتها.

الآن وقع المحذور وباتت واشنطن تخضع إلى امتحان صعب فهي إما أن تنفذ تهديداتها أو تأكل “الحامض” وتسكت على مضض.

خيارات أميركيا

ماذا تستطيع أن تفعل إدارة “البيت الأبيض” التي تقودها كتلة شريرة تسيطر على مبنى البنتاغون؟

الرئيس جورج بوش صرح في خطابه الأخير بشأن كوريا وإيران بأن كل “الخيارات مفتوحة”. وحين تكون “الخيارات مفتوحة” فمعنى ذلك أن كل السيناريوهات جاهزة أو قابلة للتنفيذ في حال أقفلت كل الطرقات الدبلوماسية في وجه واشنطن.

هنا تقع نصف المشكلة. النصف الآخر نجده أيضاً في الجانبين الكوري والإيراني. بيونغ يانغ مثلاً أعلنت أنها ليست خائفة وهي ترى في التهديدات الأميركية محاولة لكسر إرادتها وإذلالها لذلك قررت الرد على أي خطوة استفزازية معتبرة أن العقوبات أوالحصار من الأعمال العدوانية وهذا سيدفعها إلى استخدام القوة النووية دفاعاً عن مصالحها وسيادتها.

طهران لم تذهب إلى هذا الحد في الرد على الاستفزازات الأميركية. لكنها ألمحت إلى استعدادها لمواجهة العقوبات بعقوبات مضادة، والحصار بحصار آخر، والعبث بأمن الدولة بالعبث بأمن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. أميركا إذاً في وضع صعب. فهي لم تعد تمتلك ذاك الموقع الخاص الذي يسمح لها فعل ما تريده مقابل الخضوع والإذعان من الطرف المتضرر أوالمقصود من سياسة الحصار والعقوبات وربما التهديد بالحرب. فالطرف الآخر أعلن أنه لن يسكت وسيرد بالمثل. أي ان الحرب ستقابل بالحرب، والصواريخ بالصواريخ، والحصار بالحصار، والعقوبات بالعقوبات... أي العين بالعين والسن بالسن و”البادئ أظلم”.

أميركا إذًا أمام معادلة دولية جديدة أوعلى الأقل أمام معادلات إقليمية مختلفة عن تلك التي قادتها واشنطن ضد العراق بعد حرب 1990 - 1991. آنذاك نجحت الإدارة الأميركية في تشكيل جبهة دولية - إقليمية قوية ومتماسكة ضد العراق ولم يكن أمام نظام بغداد سوى القبول والسكوت. والقبول والسكوت انتهى إلى أسوأ سيناريو وهو احتلال العراق وإسقاط النظام واعتقال رئيسه وإحالته إلى المحاكمة بتهم مختلفة بينما دخلت بلاد الرافدين في فوضى أمنية جرفت حتى الآن وبحسب آخر التقارير نحو 655 ألف ضحية.

المثال العراقي يبدو أنه يشكل ذاك النموذج السلبي لكل من كوريا الشمالية وإيران. وبسبب ذاك المثال قررت بيونغ يانغ وطهران مقاومة أي قرار أميركي أو أي اتجاه دولي يفرض إجراءات عقابية ضدهما.

إيران غير كوريا

التوافق الكوري - الإيراني على عدم السكوت والرد على الاستفزاز واضح في عناوينه العريضة. إلا أن هناك اختلافات كثيرة في طبيعة الرد ونوعيته. كوريا الشمالية هددت باستخدام سلاحها النووي وكررت أكثر من مرة أنها ستطلق تجربة جديدة تعتمد على الصاروخ الناقل للقنبلة. إيران لم تصل إلى هذا الحد وذلك لأن طبيعة برنامجها النووي يختلف عن برنامج كوريا. فطهران لا تملك ذاك السلاح وهي أكدت أكثر من مرة على الطبيعة السلمية لبرنامجها وحقّها المشروع في إنتاج مصادر سلمية بديلة للطاقة. وبسبب اختلاف البرنامج الإيراني عن الكوري كان الكلام عن احتمال الردّ يصب في إطار سلمي يتناول العقوبات المضادة للعقوبات وهي تقتصر على النفط وحقوله وخطوطه. فالرد الإيراني طبيعته سلمية بينما الرد الكوري لا يتحفظ عن الكشف عن طبيعته الحربية.

إيران لا تملك السلاح النووي وكوريا تملكه ولكن الإدارة الشريرة في “البيت الأبيض” لا تميز بين الدولتين وتتعامل مع الموضوعين في سياق مبرمج. فواشنطن تحاسب الدول على “النوايا” وتتعمد إثارة الشكوك للقول إن طهران تخطط لإنتاج سلاح نووي وفق أجندة سرية تصر “إسرائيل” على وجودها، بينما تتجنب اثارة هذا الموضوع مع الجانب الكوري.

ماذا يعني هذا الأمر؟ الجواب يحتمل فرضيات كثيرة وكلها تصب في احتمال واحد وهو أن كوريا أصبحت نووية وهذا يمنع الولايات المتحدة من المغامرة العسكرية وخصوصاً إذا وجدت ممانعة من روسيا والصين. مقابل هذا هناك إيران التي يحتمل أن تصبح نووية كما تذهب إلى القول “إسرائيل”. هذه الفرضية الإسرائيلية تعطي ذريعة لأميركا بالإقدام على تنفيذ مغامرة عسكرية تقطع الطريق على نمو البرنامج السلمي وتطوره في المستقبل إلى حربي.

احتمال التصعيد العسكري الأميركي ضد إيران بات المرجح بعد أن خسرت الولايات المتحدة معركتها ضد كوريا الشمالية وباتت في موقع دبلوماسي صعب في مجلس الأمن.

حتى الآن لاتزال المداولات قائمة بين واشنطن وبكين وموسكو للتفاهم على صيغة قرار دولي يصدر عن مجلس الأمن ضد كوريا الشمالية. المعلومات تشير إلى أن القرار لن يخرج على المألوف وسيتضمن فقرات قاسية ضد بيونغ يانغ لكنها ستبقى تحت السقف المعقول وأيضاً المقبول من كوريا الشمالية.

هذه التسوية في شرق آسيا قد تفتح الأبواب على احتمالات أخرى في منطقة “الشرق الأوسط” وربما تعطي ذريعة للولايات المتحدة بسلوك طريق مضاد تعوض من خلاله تلك الخسارة المعنوية والموضعية في دائرة كانت تعتبرها واشنطن مجالاً حيويًّاً لتصريف البضاعة ونقل الرساميل وتحريك السفن التجارية.

حتى الآن لم تتوضح صورة القرار الدولي المتوقع صدوره عن مجلس الأمن للحديث عن تسوية أوصفقة تعقد في شرق آسيا على حساب “الشرق الأوسط”. لكن مجرى الرياح الساخنة التي هبت من كوريا الشمالية قلصت من احتمالات المناورة وباتت “الخيارات المفتوحة” التي تحدث عنها بوش مراراً خيارات مغلقة الأبواب في شرق آسيا لكنها ليست بالضرورة أن تكون مغلقة كلها في “الشرق الأوسط”.

فهل تتمسك واشنطن بسياسة “الخيارات المفتوحة” أم تتخلى عن كل الخيارات باستثناء “المغامرة العسكرية” لتعويض تلك الخسارة في شرق آسيا؟ حتى الآن لاتزال الرياح الساخنة بعيدة ولكن الاحتمالات باتت مفتوحة على ترجيح خيار واحد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً