العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ

لن أناقش التهم الشخصية... أما تهمة «أوامر الإنجليز» فهي مرفوضة

تقي البحارنة ...شاهداً على عبد الرحمن الباكر في الذكرى الـ 52 لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني:

«استطاع هذا الشعب الطيب المسالم أن يدور دورة كاملة في بضعة شهور من المساعي الحميدة العاقلة، من كونه ممزقا، حائرا، الى شعب موحد الصفوف»، وكان الباكر ممن ساهموا في صناعة هذه الدورة الوطنية.

في كلمات أحد رموز تلك الفترة تقي البحارنة في عبدالرحمن الباكر حباً، إحساساً مشتركاً ماهيته أن البحرين تحتاج الباكر مجدداً، يقول البحارنة «نحتاج اليوم ولا شك الى باكر جديد يتمتع بالثقة من جميع المواطنين لا من بعضهم». يضيف البحارنة في وصفه الباكر «يبدي لخصمه الصاعين بدل الصاع، ولا يسكت على الإهانة» «يتوعد من بناصبه العداد»... وماذا كان الباكر أيضاً كما يقرأه تقي البحارنة.

يقال إن الزمان والمكان يجعلان معرفة الأشخاص ديناميكية متحركة لا تستقر، وقد يكون الوقت عامل التعريف بالأشخاص في حد ذاته، من هو صاحب “من البحرين إلى سانت هيلانه...” اليوم في مخيلة تقي البحارنة؟

- يدعوني سؤالكم الأول إلى تصور عبدالرحمن الباكر في مخيلة اليوم وليس في واقع زمانه، ولكن سأتكلم عن الاثنين معاً، إنصافاً لصاحب الذكرى.

بالأمس كان صاحب “من البحرين إلى سانت هيلانه” زعيماً شعبياً وقائداً لمسيرة جماهيرية ذات قاعدة عريضة على امتداد مدن البحرين وقراها قاطبة، ومناضلا عربياً ضد الاستعمار والمتحالفين معه في الجزيرة العربية والخليج العربي، ومؤيدا لحركات التحرر في أرجاء الوطن العربي ولاسيما الثورة المصرية بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر.

أما اليوم وفي معرض الذكرى، فأراه رمزا وطنياً من أكبر الرموز الوطنية في تاريخ البحرين الحديث. وأراه مصلحا اجتماعيا استنجد بالعقلاء والمخلصين فأنجدوه وذلك في سبيل جمع الشمل وتوحيد الصفوف والقضاء على التفرقة الطائفية والمذهبية... وقد نجح هو وزملاؤه نجاحاً باهرا في هذا المضمار.

إن عصر “الهيئة” والاتحاد الوطني كان عصراً فريداً متميزاً ناصعاً في تاريخ البحرين برزت فيه طيبة شعب البحرين بكل فئاته وطوائفه، وتجلت فيه مشاعر الاخوة والمواطنة والمواساة في السراء والضراء والعمل الوطني المشترك.

لقاءاتكما عدة، كانت لك ذكرياتك في ذلك الأوان وتلكم الشخصيات، ماذا الذي تجلبه معها هذه الذكريات؟

أول لقائي مع الباكر كان في آخر الأربعينات ومازلت صغير السن بعد، وذلك في أمسية من أمسيات نادي العروية اذ عقد جمع مشترك من رجالات البحرين ومثقفيهم النية على مقابلة شيخ البحرين وتقديم مطالب وطنية. ثم تلاقيت معه والمرحوم قاسم أحمد فخرو في نادي العروبة أيضاً لوضع قانون تأسيس «صندوق التعويضات التعاوني» وتكررت لقاءاتي به كثيراً أثناء قيام الهيئة التنفيذية العليا. والذكريات التي تتوارد اليوم على الذهن كثيرة ومتنوعة وحركة. فعلى المستوى الشخصي رأيت رجلا بشوشاً ضحوكا ًفي موضع النكتة والمعاشرة، سريع الانفعال والغضب عند التحدي الشخصي، قوي الحجة عند الجدال لكونه يملك ذاكرة قوية ومخزوناً من المعرفة عن الأشخاص وعلاقاتهم ونزعاتهم وانتماءاتهم. ورأيته دائم الحركة كثير المعارف والأصدقاء وعنده أعوان ومتطوعون لتزويده بالمعلومات وتيسير ما يحتاج إليه من خدمات سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام وأجهزة الدولة وإداراتها. وكل ذلك يدل على ثقة المواطنين به وبأخلاصه ورأيته دائم التنقل والزيارة للشخصيات المهمة في البلد بشكل يومي تقريباً فمن زيارة المؤيد إلى أحمد فخرو إلى منصور العريض إلى علي الوزان إلى إبراهيم فخرو وغيرهم وغيرهم وذلك مروراً بمكتبي جيئة وذهاباً. وكان يسلم إليّ ما يكتب من مقالات ورسائل وبيانات اذ أقوم بالتأشير عليها في مواضع الأخطاء اللغوية أو الملاحظات وكان يناقشني وكثيراً ما يقتنع بملاحظاتي. وقد اكتشفت أن ذهنه صاف وبديهته حاضرة للكتابة السريعة المسترسلة في أي وقت يشاء. ووجدته حاد الذكاء لا يقبل الكلام على علاته بل يحاول أن يتسلل إلى نفسية محدثه لاكتشاف الدوافع والنزعات فهو من الناس الذين يستعملون الشك للوصول إلى اليقين، حاضر البديهة، يكل لخصمه الصاعين بدل الصاع، ويتوعد من يناصبه العداء، ولا يسكت على الاهانة، وله في نفسه ثقة واعتداد، أما على المستوى الوطني فهو رجل سياسة، ومعرفة بأساليب التأثير في الأفراد والجماعات، على رغم صراحته وكلماته اللاذعة أحياناً.

يقول البعض: البحرين وفق هذا الاصطفاف الطائفي تحتاج باكراً... لماذا نجح الباكر آنذاك، وهل ثمة بيننا من يحل محله، ولماذا هذا الرجوع السريع لوطن كامل في سيرة رجل واحد؟

- شخصية الباكر شخصية قوية نافذة إذا وضع أمامه هدفاً لتحقيق قضية يؤمن بها فهو يواصل مهمته ولا يأبه للعقبات ولا ينثني عن عزمه حتى يتم له تحقيقها بشكل من الأشكال. وهو مستعد للتضحية في سبيل ما يسعى اليه بكل مالديه من إمكانات. وهو لا يقتنع بالاعذار في سبيل المصلحة العامة، وأسلوبه المحرج يوفر له المساندة التي يرجوها من رجال البلد وعقلائهم والطليعة المثقفة، كما أن مخاطبته للمواطنين تركز على التعبير عما يجول في خواطرهم وتخاطب عواطفهم ومشاعرهم الطيبة فتذكي عندهم الحماس لتأييد الهدف السامي الذي يسعى نحوه الجميع.

نحتاج اليوم ولاشك إلى باكر جديد يتمتع بالثقة من جميع المواطنين لا من بعضهم فقط. نحتاج إلى قائد يوحد الصفوف، وإذا شعر كل المواطنين بأنهم فعلاً بحاجة إلى قائد مخلص في مجال توحيد الصف والقضاء على الفتنة وتحقيق أهداف المشروع الإصلاحي الكبير... فتلك هي البداية لمستقبل واعد للجميع.

“وكنت الشاهد عليهم”، شهادتك في الباكر التي لم تبح بها لأحد ما، ما هي؟

- هذا السؤال يناقض نفسه. فإذا افترضنا جدلاً أن لدي شهادة في الباكر لم أبح بها لأحدما... فما هو المبرر لنشرها على رؤوس الأشهاد.

هناك من أحب الباكر، وهناك من وجه له “نقداً” وصف بالحاد في بعض الأحايين، من أين كانت تؤكل كتف الباكر...؟

- من النقد الذي وجه للباكر أنه ينفرد في اتخاذ القرار، والحديث باسم الهيئة التنفيذية العليا من دون مراجعة أعضائها واتهم أيضاً بأنه “دكتاتور” كما اتهمه خصومه من كلا الاتجاهين اليسارى والإسلامي بأنه يأتمر بأوامر الإنجليز وليس هنا مجال مناقشة التهم الشخصية، أما تهمة أوامر الإنجليز فهي غير صحيحة ومرفوضة.

تارة هو “التاجر” المتنقل بين الموانئ وتارة أخرى هو “المناضل” عن حريات الشعوب العربية جمعاء... لكنه كان دائماً يبحث عن المقدمة، هل كان الباكر يعاني من أزمة “رئاسة” أو “سيادة”؟

- من المعروف بلدان الخليج عموماً والبحرين خصوصاً، ان طبقة التجار هي التي كانت تتصدر الحركات الاصلاحية في المنطقة يساندها المثقفون والمتعلمون. وعلى ايدى هذه الطبقة تم إنشاء الأندية الثقافية وبناء مدارس التعليم. وكون الباكر عمل في التجارة لا يتعارض مع كونه مناضلا وطنيا. فقد كان يحمل ضميره الوطني معه حيثما ذهب، وفيما ذكره من سيرة حياته مصداق لذلك.

أما موضوع البحث عن المقدمة، وطلب الرئاسة أو السيادة فيعتمد على الزاوية التي ينظر منها إلى تلك الظواهر السلوكية.

هناك من يطلب الرئاسة لأغراض شخصية ومطامع ذاتيه وهو لا يستحقها وهناك من تأتيه الرئاسة لأنه يستحقها. وأنا اعتقد ان الباكر تطوع لان يكون قائد الحملات الاصلاحية بما يعنيه التطوع من تضحيه وسهر وتعرض للأذى والمكر وضيق العيش مما لا يصبر عليه غيره. وكل هذه الصفات تنطبق على القائد وليس الرئيس بالمفهوم العام لا بمفهوم رئاسة الهيئة. ولم أشعر من الباكر يوماً انه كان يطمع لرئاسة “الهيئة”. فهو من النوع الذي وصفه شاعر البحرين طرفة بن العبد بقوله:

“إذا القوم قالوا من فتى” خلت أنني

عنيت... فلم أكسل ولم أتبلد

وبعد: فان إحياء ذكرى “الهيئة” ورجالاتها يستدعي منا الذكرى على الجوهر وليس المظهر. والجوهر في نظري هو المادة الخام الطيبة في نفوس أهل البحرين جميعا. فقد استطاع هذا الشعب الطيب المسالم أن يدور دورة كاملة في بضعة شهور من المساعي الحميدة العاقلة، من كونه ممزقاً، حائراً، إلى شعب موحد الصفوف يسعى الى هدف مشترك، فعلينا اذاً أن لا نفقد الأمل في جيل شبابنا الواعي وعقلاء قومنا الصالحين وجمهورنا المخلص لتراب هذا الوطن. وحري بهذه العناصر المخلصة المرابطة ان تتسلم الزمام من أيدي الطيش والتهور وأن تبطل ما يحاك لوحدة الشعب من الفتن والمؤامرات ما ظهرمنها وما بطن... والله يهدي إلى سواء السبيل

العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً