العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ

صنع في البحرين... أدوية عشبية تتحدى الكيماويات

جولة الأسرار في صناعة عمرها مئات السنين

كرانة، القدم، كرباباد - محمد آل حيدر 

13 أكتوبر 2006

من العجيب، أن تلك الزجاجات الشهيرة التي تحمل أسماء تتسم بالغرابة نوعاً ما، أصبحت معروفة بالنسبة إلى المواطنين والمقيمين... العرب وغير العرب... فقد يصبح الأمر مستغرباً حينما تجد عائلة “آسيوية” تحتفظ بزجاجة من ماء “المرقدوش” أو “الحندبان” وربما “ماء الحيج” أو “الشاترة” للتداوي بها في الحالات الطارئة كحالات المغص الشديد والجفاف والأرق والنفخ الغازي... تلك الأدوية الشعبية الشهيرة المعروفة على مستوى الخليج تأخذ صفة “الأسرار”، لكنها تعطي صورة للبركة التي تحظى بها “النخلة”... الشجرة المباركة في القرآن... ومنذ قديم الزمان وبعض العارفين يستخرجون من الأعشاب البرية وغيرها مياه مفيدة ونقية وصحية وخالية من الألوان والمواد الحافظة لاستخدامها في خلطات معينة تعارف عليها القدماء كأدوية لبعض أمراض وعوارض جسم الإنسان وآلامه، وأحياناً أخرى لإضافة حلاوة ونكهة إلى مياه الشرب.

وأصحاب هذه الصناعة من القدماء استحدثوا الكثير من الأدوية المستخلصة من الأعشاب عن طريق التقطير، التي عرفت بـ “الأدوية العشبية” و”الأدوية الشعبية” وهي من أحد أنواع الطب البديل، فالأدوية العشبية اليوم هي أحد الأدوية المنتشرة في الخليج وخصوصاً بالبحرين منذ القدم، وهي مفيدة لأمراض الجسم.

أقدم المصانع... في البحرين!

وفي البحرين أقدم مصانع الأدوية العشبية التي تقوم بتقطير المياه من الأعشاب، والتي تصدر الكثير من منتجاتها إلى كل دول الخليج، اخترنا أقدم مصنعين وقمنا بزيارتهما، لنقف مع المؤسسين والعاملين فيهما على طبيعة عملهما ولنسجل شيئاً من تأريخ هذه الصناعة، نشأتها وآلاتها وتطورها، ونشاهد ما يدور خلف أسوار هذه المصانع من طرق التقطير القديمة والحديثة، وعمليات التعبئة، ونشاهد العشب قبل أن يُستَخلَصَ منه الماء، ولنتعرف على الأعشاب المستخدمة من النادر والغريب والمتوافر في البحرين، وسنستمع إلى رأي الاستشاري في طب العائلة واختصاصي الصحة المهنية بوزارة الصحة سمير الحداد الذي سألناه عن اشتراطات وزارة الصحة في عمل مصانع الأدوية العشبية؟ وهل تمثل الأدوية العشبية أي خطر على مستخدمها؟ وسألناه عن دور وزارة الصحة في المراقبة على المُصَنِّعِين لهذه الأدوية العشبية؟ وهل هناك قانون ينظم عملية التصنيع أو لوائح وأنظمة من قبل الوزارة؟ مع هذا الاستطلاع ستجدون الإجابة عن الكثير من الأسئلة:

خبرة مكتسبة من الأجداد

في مصنعي “الكامل” و”الجسر” وهما أقدم مصنعين في البحرين بل والأشهر على الإطلاق على مستوى الخليج، وهما المصنعان اللذان يصنعان الأدوية العشبية عن طريقة التقطير، واللذان يسجل لهما تقديم كل أنواع المياه المقطرة التي تحتوي على وصفات طبية مجربة، في هذين المصنعين كانت المعلومة الرئيسية هي أن هذه الصناعة في البحرين عمره ا 135 عاماً، وهي مصانع نجحت في إنتاج أدوية شعبية مفيدة وصحية خالية من الألوان والمواد الحافظة ومستخلصة من الأعشاب الطبيعية، وفي الاستطلاع الآتي معه تجد أهم النجاحات في هذه الصناعة، ذلك النجاح الممتد عبر خبرة مكتسبة من الأجداد مضفين إليها الاطلاع العلمي الحديث.

البحرين تُقَطِّر منذ 500 عام

بالنسبة إلى مصانع الأدوية العشبية التي تعمل عن طريق تقطير المياه من الأعشاب يقول إبراهيم الجسر: “إنها ترجع إلى أكثر من 500 عام، إذ توارثها الآباء عن الأجداد، لذلك عُرِفَت البحرين بهذه الصناعة منذ القدم”.

ويسجل في حديثه أن تاريخ هذه الصناعة العريقة، لا يتوقف عند تاريخ تأسيس المصنع “مصنع الجسر” الحالي الذي يعود إلى 28 عاماً عمر التأسيس بل إنها تمتد لأكثر من 500 عام.

وحين سألناه عن بداياته في هذه الصناعة أخذ يسأل أبناءه عن: هل يمتد عمر العمل فقط لـ 28 عاماً؟ ليجيبه ابنه خليل فيقول: “لا بل أكثر”، وأخذ يحدثنا إبراهيم الجسر أنه أول ما بدأ يصنع كان يصنع “ماء القروف” وهو ما يستخلص من قروف النخيل، الذي يضاف إلى الماء ليعطيه نكهة، وكانت البداية للاستخدام الشخصي، وأتذكر أني قمت بعد ذلك بجمع المعدات البسيطة لاستخلاص “ماء القروف”، وفعلاً تحققت أمنيتي في إنتاج بسيط، قمت به وبعفوية بتوزيع هذا المنتج على الأقرباء والجيران بالمنطقة الذين أصروا على أن يحصلوا على المزيد ويشتروه مني، وفعلاً بادرت إلى صناعة المزيد من “ماء القروف”.

ولايزال إبراهيم الجسر يتذكر كيف أنه عمل جاداً لكي تكون هذه الصناعة هي مهنته، فكانت شغله الشاغل منذ أيام شبابه الأولى، فعمل يصنع ويصنع حتى استطاع أن يحقق هذا النجاح الواضح في هذا المصنع العتيد والواسع بإنتاجه الكم الكبير على المستوى المحلي والخليجي.

أكثر من 21 دواءً عشبياً

أدوية عشبية كثيرة اشتهرت على مستوى الخليج وعرف بصناعتها أهل البحرين منذ القدم، كلها تشترك في عنصرين أنها مستخلصة من الأعشاب وليس بها مضاعفات للجسم، ونواصل مع المدير العام لمصنع الجسر خليل الجسر لنتعرف إلى أهم هذه الأدوية العشبية إذ يقول: “إن من بينها الكثير ولكن نذكر البعض منها ومن بين تلك المياه (ماء الشاترة) أو (الشاترج)، الذي يستخدم كعلاج منبه للكبد والمرارة ويستخدم بشكل رئيسي في علاج الحالات الجلدية مثل الاكزيمة، كما أنه مدر للبول وملين معتدل، وكذلك في علاج التهاب المسالك البولية، الحرقان في البول والتهاب الرحم إضاف إلى ذلك أنه مقو للمعدة، ومبرد للجسم. (ماء طبيخة) وهو مخفف لآلام الولادة، ولداء الصرع، ومطهر، ومضاد للتشنج ومنبه ومنشط ودافع للريح (الغازات) ومهضم ومدر للبن، ومنقٍ للدم، ومطمث، وطارد للديدان، وخافض للسكر ويستخدم في مغص المعدة”.

البحرين بلد العيون والنخيل

ولأن البحرين بلد العيون الطبيعية والنخيل فإنها اشتهرت بتوافر “قروف النخيل” الذي هو من أشهر أنواع المياه العشبية ماء اللقاح (القروف) من ناحية الاستهلاك والتصنيع، والذي يساعد على تقوية القلب وله مذاق خاص ورائحة زكية، و”ماء المرقدوش”، و”ماء الزموتة التونسية”، و”ماء الهندباء أو الحندبان”، و”ماء النعناع”، و”ماء الكوزبون”، و”ماء الحلوة”، و”ماء السكري”، و”ماء الدارسين”، و”ماء الحيج”، و”ماء المرقدوش الخلطة التونسية”، و”ماء الزيتون”، و”ماء الهيل”، و”ماء الزهر”، و”ماء الشاترة”، و”ماء الكرفس”، و”ماء اليانسون”، و”خلطة الأعشاب الطبيعية”، و”ماء جهار عرق”، و”ماء الورد”، كل هذه أنواع من مياه التقطير التي تصنع لدينا، والفقرة السابقة من حديث خليل الجسر وهو يعدد أسماء المنتجات.

خبرة متوارثة أباً عن جد

ومن بين هذه المصانع وأقدمها والرائد الأول في تقطير المياه والأدوية العشبية في البحرين، مصنع الكامل الذي يناهز عمر التأسيس أكثر من 135 عاماً، إذ يسجل السيدفيصل الكامل لأول مرة نبذة للصحافة عبر “الوسط” عن تاريخ المصنع الذي أنشأه الأجداد من عائلة الكامل، وبدأ فيه العمل بطريقة تصنيع تقطير ماء اللقاح “القروف”، بالطرق البدائية أي بأواني الفخار والأواني النحاسية. ويقول فيصل الكامل: “بدأ العمل في المصنع ببناء المخازن بالطين التي هي ملاصقة للمنازل اليوم داخل منطقة القدم، وكذلك كانت الآلات والأواني التي كان يعتمد عليها الأجداد في التصنيع هي من الفخار والطين ويعود عمرها إلى 140 عاماً”.


40 عاماً من التقطير

كان الأجداد يقومون بعمل تقطير المياه من الأعشاب ولم يكن التقطير للعملية التجارية وإنما خدمة اجتماعية من أجل توفير الأدوية للأهالي وعمل محليات للماء الطبيعي لأهالي المنطقة، ولما كثر الطلب بدأ الأجداد بالجد في العمل وإنشاء توسعة للمصنع وكان هذا التطوير على يد الجد السيدعلوي الكامل وليتطور المصنع من العمل الخدماتي المحض إلى خدماتي وتجاري مع أبنائه الثلاثة السيدمرتضى والسيدباقر والسيدحميد” هذا ما ذكره لنا فيصل الكامل من تاريخ المصنع.

من جهته، يقول المدير التنفيذي لمصنع الكامل السيدجلال الكامل: “إن الجيل الجديد من الأبناء الذي يعملون الآن في المصنع استحدث خلطات عشبية جديدة وقام بزيادة عملية الإنتاج أكثر وأكثر، وذلك بعد عملية التطوير التي قام بها السيدعلوي بعد أن أحضر الآلات الحديثة، وجلب عمالاً من أبناء الخليج من عمان والكويت والسعودية، وكل ذلك كان قبل 40 عاماً، حيث بدأ التطور الحقيقي للمصنع في المنتج وفي عملية الإنتاج واستحداث الخلطات الجديدة، وإشهار المنتج أكثر وأكثر على المستوى المحلي والخارجي، بذلك كان أساس المشروع وبنيته التحتية قويين، وكل ذلك بروحية من الجد في العمل والتطور من الأبناء نما العمل واستمر حتى الآن”

العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:40 ص

      البحرين قديماً

      الأدوية الشعبية القديمة لها فوائد أكثر يقول البعض و لكن أريد أن أعرف ماهي فوائدها؟؟؟

اقرأ ايضاً