«عند العيايز كل شيء جايز» هي الجملة التي اتخذ منها مسلسل الرسوم المتحركة الإماراتي «فريج» والذي يعرض على شاشة «سما دبي» عقب الإفطار كل يوم - كما يشاهده مشاهدو فضائية دبي في بث آخر - شعاراً له ليقول من خلاله صاحب فكرته ومخرجه محمد سعيد حارب كل ما يريد بشكل كاريكاتيري ساخر على لسان أربع نساء عجائز هن أم سعيد وأم سلوم وأم خماس وأم علاوي وكل واحدة ترمز إلى نمط نسائي معين.

النساء الأربع يسكنّ في فريج (حي شعبي) في دبي التي تعد أكثر المدن عصرية وعلى رغم ذلك فإنهن يعشن حياة أقرب إلى الماضي ويتذكرن أيام الزمن الجميل غير مكترثات بضجيج الحياة العصرية في محاولة من صناع هذا العمل لإحياء عادات وتقاليد الأجداد وتعريف الأجيال الجديدة بها من خلال عمل يجذب الكبار والصغار ويوصل الرسالة للمشاهدين بأسلوب كاريكاتيري ساخر يثير الضحك والتأمل والتفكير ويربط شباب اليوم بحياة الأمس والموروث الذي كاد أن يندثر في ظل زمن العولمة.

المسلسل يعود إلى حياة ما قبل 50 عاماً واختار نمط الجدة لحمل رسالته إلى الأجيال الجديدة لما لها من تأثير في الآباء والأبناء والأحفاد واتخذ من الرسوم المتحركة شكلا فنيا لتتيح له قول ما لا يمكن قوله عبر الدراما العادية ولكي تصل كلمته إلى الشباب والناشئة باعتبار أنهم الجمهور المنشود على رغم التفاف الجميع حوله.

«فريج» يعتبر أهم إنجاز فني في الإمارات خلال هذا العام ويستمد أهميته من عدة اعتبارات أولها أنه أول مسلسل رسوم متحركة في الدولة، وعلى رغم أنه الخطوة الأولى إلا أنه جاء على مستوى عال من الحرفية والتقنية في الرسوم والتحريك والأداء الصوتي والديكور والموسيقى، وقد جاءت شخصياته بعيدة عن أي شبهة تقليد، إذ إنها تحمل ملامح الأرض الإماراتية وتتحدث بلسان محلي وتناقش القضايا الاجتماعية بمنظور يحيي العادات والتقاليد الجميلة.

أما ثاني العوامل التي يستمد منها المسلسل أهميته فهو أنه إبداع إماراتي شبابي خالص لم تمتد إليه أيد خارجية منذ كان فكرة في عقل محمد سعيد حارب وجدت الدعم من مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشروعات الشباب والتفت حوله طالبات جامعة زايد ليرسمن ملامح الشخصيات ويقمن بتصميمها وتحويلها إلى رسوم تتحرك بجانب شباب قاموا بالأداء الصوتي، وجمعهم المخرج بعد معاناة طويلة إذ أجرى اختباراً لخمسين شخصية ولم يجد بينهم من يبحث عنهم حتى اكتشف الأصوات الرئيسية مصادفة وأحدهم كان صديقا له انتبه لصوته بشكل مفاجئ وشابان أحدهما موظف مرور والثاني موظف بنك والصوت النسائي الوحيد هو الذي تؤديه أم علاوي. وليؤلف من هذه الأصوات ويمزج بينها لتخرج بهذه الصورة التي ستحيا في وجدان الأجيال المقبلة باعتبارها أول تجربة رسوم متحركة في الإمارات.

وبجانب ذلك فإن المسلسل وإن كان كارتونيا فهو ليس مخصصا للصغار كما هي العادة في المسلسلات الكارتونية، بل يشاهده من هم في سن 15 وما فوق، وقبل الخوض في التفاصيل تجدر الإشارة إلى أن المسلسل تمكن من خطف الأضواء وجذب الأنظار إليه في وقت تعرض فيه بقية القنوات أفضل ما لديها من برامج ومسلسلات.

أجمل ما في الموضوع أن «فريج» عمل لم يأت في عجالة وليس سلق بيض أو الظهور لمجرد الظهور بل جاءت التجربة بعد دراسة وإعداد للعمل اتسما بالتأني، إذ قضت 25 طالبة من جامعة زايد 6 أشهر في إجراء البحوث الميدانية للمناطق والأحياء القديمة في الدولة، ورصد العادات والتقاليد المعروفة في المجتمع في الخمسينات، وقدمن صورا كثيرة لأماكن وشخصيات وأدوات وأزياء، وقدمن تصورا كاملا للعمل مثل الحياة القديمة في الإمارات.

بل أكثر من ذلك، إن عدد الذين ساهموا في إنجاز المسلسل بلغ 500 شاب وفتاة و100 متطوع ومتطوعة، ولا تفوتنا هنا نجلاء الشحي التي درست الإخراج في مصر وعملت في مدينة دبي للإعلام التي استعان بها المخرج لكتابة بعض الحلقات، وتشارك بصوتها أيضا في أداء بعض الشخصيات لاشك أنها أيضاً موهبة نتوقع لها الكثير في هذا المجال.

تم في العمل استخدام تقنيات كمبيوترية فنية عالية أضفت على هذا الإبداع جماليات من نوع آخر، وأسبغت عليه بعداً يمنحك إحساساً وكأنك أمام فريج حقيقي، وتجلس في بيت شعبي قديم بأدق التفاصيل ومختلف الأدوات.

«فريج» الذي بلغت كلفته 4 ملايين و200 ألف درهم لا شك أنه يمثل خطاً جميلاً في كوميديا الرسوم المتحركة، ويعلن بقوة أن في وسع الشخصيات الكارتونية إذا ما توافر لها الفكر السليم والعمل الجاد والرغبة الصادقة في تقديم فن راقٍ يعبر عن الواقع والإمكانات المطلوبة، في وسعها تقديم ما يخطف الأبصار إليه ويشد الجمهور إلى نقطة ضوء مهما كانت صغيرة