العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ

البنوك الإسلامية: الواقع والتحديات (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

باتت المصارف والخدمات التي توفرها سمة أساسية من سمات المجتمعات المتقدمة، وأضحت ضرورة من ضرورات العصر الحديث، بحيث لا تستطيع أن تستغني عن خدماتها أمة من الأمم، أو قطاع من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وحاز موضوع الصيرفة الإسلامية اهتمام العالم الغربي حتى بات مادة شيقة تتحدث عنها الصحف الأجنبية، بعد أن شرعت الكثير من المؤسسات المصرفية الغربية في توفيق أوضاعها وتعاملاتها على أساس الشريعة الإسلامية.

نشأة المصارف والبنوك

المصارف جمع مصرف، وهو يطلق على المؤسسات التي تخصصت في إقراض واقتراض النقود، وتسمى أيضاً بالبنوك... ولفظ البنك مشتقة من اللفظة الإيطالية “بنكو” أي مائدة، إذ كان لكل صيرفي في القرون الوسطى مائدة يضعها في الطريق عليها نقود يتجر فيها، وقد كان معظم الصيارفة من اليهود، وصناعة الصيرفة ترجع إلى العهد الذي نشأت فيه العلاقات التجارية بين الجماعات البشرية.

وصارت البنوك على مر الأيام مكانا آمنا لحفظ المدخرات من ذهب وفضة وجواهر ثمينة نظير أجر معين، وكان هؤلاء الصيارفة يعطون كل من يودع شيئا من المال سندات فيها توثيق الودائع، تستخدم في سحب ما يحتاج إليه من نقود.

ثم تطورت العملية فبدأ هؤلاء التجار المودعون يتداولون هذه السندات بينهم في البيوع ووفاء الديون وتصفية الحسابات، لأن تداولها أخف من تداول الذهب والفضة، وشعر الصيارفة بوجود المال الكثير في صناديقهم.

وقد ألف المودعون التعامل بالسندات قبضا وتسليما، والمال باق عند الصيارفة لفترات طويلة، قلما يأتي مودع يطلب نقوده، ففكروا في استغلالها والانتفاع بها بأنفسهم، فبدأوا يعطونها الناس قروضا بفائدة، ويتصرفون فيها، وكأنهم أصحابها.

وهكذا أصبح الصيارفة يأخذون على الذهب المودع أجرين: أجراً على الحفظ، وأجراً مقابل القرض، فلما تطورت هذه العملية وأصبحت السندات تقوم مقام الذهب في المعاملات.

بدأ الصيارفة يقرضون الناس السندات الورقية بدل أن يقرضوهم ذهبا. وبهذه الطريقة تضخمت ثرواتهم التي لم تكن في أصلها إلا أموال المودعين، وبدأوا يدفعون فائدة للمودعين لإغرائهم بالإيداع، وتحولت عملية الإيداع إلى علمية إقراض.

وبذلك أصبح دور الصيارفة هو التوسط بين الأشخاص الذين لديهم أموال لا يمكنهم استثمارها بأنفسهم، وبين الأشخاص المحتاجين إلى أموال لتثميرها ويستحلون الفرق بين الفائدتين.

وبتطور التجارة وأشكالها تعددت أعمال المصارف وأنواعها، فمنها المصارف التجارية، وهي التي تمارس جميع الأعمال المتصلة بالتجارة، وتتميز عن سواها من حيث استعدادها لقبول الودائع النقدية من الأفراد أو الشركات وتخويل المودع حق السحب عليها... وهناك المصارف الزراعية والصناعية والعقارية، وهي التي تقرض نظير فائدة، ولا تستقبل الودائع النقدية.

البنوك الاسلامية

بدأت ظاهرة البنوك الإسلامية فى آسيا بحملة “بنوك بلا فوائد” وانطلقت المسيرة في شبه القارة الهندية بكتابات متميزة؛ كإسهامات نجاة الله صديقي منذ 1958، وغيره من الاقتصاديين المسلمين، وعلماء الشريعة الإسلامية، ورجال الأعمال الرواد، أمثال الأمير محمد الفيصل والشيخ صالح الكامل اللذين سددا المسيرة وقويا عودها؛ حتى وصل اليوم عدد المؤسسات المالية الإسلامية على امتداد العالم إلى170 مصرفًا ومؤسسة في غضون 25 سنة فقط، وتبلغ الاستثمارات التي تديرها أكثر من 150 مليار دولار.

صارت المصارف الإسلامية واقعًا يحظى بالقبول العالمي، ما جعل مصارف عالمية عريقة تقدم خدمات مصرفية إسلامية، مثل: مجموعة “هونغ كونغ شنغهاي” المصرفية (إتش. إس. بي. سي) و”شيس مانهاتن سيتي بنك”، وكذلك مصارف إقليمية ومحلية مرموقة، مثل: البنك الأهلي التجاري السعودي، والبنك السعودي الهولندي، و”ميي بنك” الماليزي - أبرز المؤسسات المالية التقليدية التي ارتادت مجال الصيرفة الإسلامية - وهناك مصارف تقليدية تستعد للتحول، مثال ذلك: بنك الجزيرة السعودي، وبنك الشارقة الوطني بالإمارات.

وتمثل اليوم كلّ من اليمن وإيران والسودان أكثر الدول الإسلامية التي تطبق النظام المصرفي الإسلامي، وتمنع التعامل البنكي التقليدي في جميع مصارفها، بينما تتجه باكستان إلى تطبيق قانون إسلامي يمنع الفوائد الربوية في جميع المؤسسات المالية والمصرفية العاملة في البلاد، أما دول أخرى مثل ماليزيا والسعودية والبحرين والإمارات ومصر والكويت؛ فإنها تسمح بوجود النظامين المصرفيين، جنبًا إلى جنب، الإسلامي والربوي، من دون أن تلزم قانونًا بإجراء المعاملات المالية على أساس تحكمه الشريعة الإسلامية.

نمو وانتشار البنوك الإسلامية

حتى مطلع الثمانينات كان عدد المصارف الإسلامية في المنطقة محدوداً للغاية, وكانت الفكرة وقتها تواجه معارضة شديدة من جانب الكثير من الاقتصاديين، الذين استفزتهم وقتها فكرة ما سمي بـ “شركات توظيف الأموال” التي انتشرت خصوصاً في مصر بشكل لافت للنظر، واستغلت الوازع الديني لدى شريحة كبيرة من الراغبين في عدم التعامل مع البنوك التقليدية، أو ما يسمى بالربوية, ونجحت هذه الشركات في جمع إيداعات خيالية من المودعين، في وقت فشلت فيه البنوك التقليدية الضخمة.

ووجهت إلى هذه الشركات، تحت دعاوى مختلفة، ضربات إجهاضية أدت إلى تصفيتها، في وقت لايزال ضحاياها حتى الآن، وعلى رغم مرور أكثر من 15 عاماً، عاجزين عن استرداد ودائعهم، وبدءاً من أوائل التسعينات عادت فكرة البنوك الإسلامية للظهور وبقوة، ونجحت عبر عقدين من الزمن، على رغم الصعاب التي واجهتها، في كسب ثقة المتعاملين، وباتت منافساً قوياً للبنوك التقليدية، بل إنها تجاوزت حدود العالم الإسلامي إلى التواجد في الدول غير الإسلامية خصوصا في أوروبا.

وبحسب الإحصاءات هناك 300 مؤسسة تمويل إسلامية، يبلغ رأس مالها مجتمعة 13 مليار دولار، وتقف أصولها حالياً عند حد 265 مليار دولار، باستثمارات تتجاوز 400 مليار دولار، أما الإيداعات فتقدر حالياً بنحو 202 مليار دولار، بمعدل نمو يصل إلى 20 في المئة.

أما بالنسبة إلى المحافظ، فقد قدر في تقرير حديث أن هناك 250 محفظة مشتركة إسلامية في العالم، تقدر قيمة موجوداتها بـ 300 مليار دولار، بينما توجد 300 مؤسسة مالية إسلامية أخرى لديها موجودات حجمها 250 مليار دولار.

وتكاد تكون الإمارات البلد الثاني في الخليج، بعد البحرين، الذي يحتضن عدداً لا بأس به من البنوك الإسلامية، خصوصاً وأن الإمارات شهدت مولد أول بنك إسلامي في العالم (بنك دبي الإسلامي الذي تأسس منتصف السبعينات على يد الحاج سعيد لوتاه) ويعمل حالياً في القطاع المصرفي 4 بنوك إسلامية (دبي الإسلامي, أبوظبي الإسلامي، الشارقة الإسلامي، الإمارات الإسلامي، الأول والثاني تأسسا منذ البداية كمصارف إسلامية، في حين تحول الثالث والرابع من بنوك تقليدية إلى إسلامية).

لكن اللافت للنظر أن الفترة الأخيرة شهدت رغبة محمومة من قبل عدد من البنوك التقليدية وشركات التمويل للتحول إلى الصيرفة الإسلامية، إذ أعلن عن تحول كل من البنك التجاري الدولي، وبنك دبي، وشركة أملاك، إلى بنوك إسلامية، كما تقدمت بنوك تقليدية، منها الاتحاد الوطني، والمشرق، والخليج الأول، بطلبات للمصرف المركزي، إما لفتح فروع للمعاملات الإسلامية، أو لتأسيس شركات تمويل إسلامية، وكان قد سبق الجميع بنوك أجنبية افتتحت فعلاً فروعاً لمعاملات إسلامية مثل “أمانة” التابع لمجموعة “إتش إس بي سي” البريطانية، ومجموعة سيتي بنك.

واستطاعت البنوك الإسلامية أن تطرح مفهوماً جديداً في التعاملات المصرفية، وليس أدل على ذلك من سعي الكثير من البنوك العالمية لإنشاء أقسام إسلامية لتلبية الطلب المتزايد لعملائها المسلمين على الخدمات البنكية التي تتوافق وتعاليم الشريعة الإسلامية. ويربط البعض بين نمو القطاع المصرفي الإسلامي وحوادث 11 سبتمبر/ أيلول، مستندين في ذلك إلى ارتفاع حجم الودائع في البنوك الإسلامية خلال الأشهر الثلاثة التي تلت هجمات 11 سبتمبر بنحو 5 في المئة عن المعدل الطبيعي الذي يتراوح بين 5 و10 في المئة.

ودفع صدور قانون الوطنية الجديد في الولايات المتحدة الأميركية، الذي يلزم المصارف الأميركية بالكشف الكامل عن أي استثمار أجنبي تزيد قيمته على 10 آلاف دولار، عدداً كبيراً من الأثرياء إلى البحث عن أماكن أقل عدائية لإيداع أموالهم. وتزامنت عودة الأموال الخليجية من الولايات المتحدة مع الازدهار الذي شهدته أسواق المنطقة نتيجة الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط، وهو ما أحدث طفرة في السيولة لدى البنوك العربية والإسلامية مكنتها من تقديم عوائد أكبر من نظيرتها الغربية.

المحلل الاقتصادي بصحيفة “فرانكفورتر الجماينة” الإسبانية كاترين هوفمان ألقى الضوء على هذه الظاهرة من خلال مقال نشر حديثاً ذكر فيه أن هذا التحول قد نتج عنه حالة من الازدهار خيمت على المؤسسات الغربية مع اجتذابها أموال العرب والمسلمين وخصوصاً في منطقة الخليج الغنية بالنفط. وأورد هوفمان في مقاله الذي نشرته صحيفة “الاقتصادية” السعودية حديثاً مجموعة من الشركات التي خاضت تجربة التحول في هذا الإطار كشركة أليانز ومقرها مدينة ميونيخ الألمانية والتي بدأت تقديم خدماتها التأمينية في إندونيسيا للمسلمين ملتزمة بقواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا.

ويقول مدير مجموعة أليانز في جاكرتا جينز رايش: إن إندونيسيا تعد أكبر دولة إسلامية وإن حجم القوة الاقتصادية هناك هائلاً جداً. إلا أن ما قامت به “أليانز” اليوم، والشركة الفرنسية المنافسة “أكسا - Axa” سبقتهما إليه بعض البنوك الأخرى منذ فترة طويلة ولاسيما في المناطق الثرية من العالم الإسلامي الذي يحافظ أبناؤها على الشريعة الإسلامية حتى في معاملاتهم المالية. فأول ما يتبادر إلى ذهن المسلم هو اختيار المؤسسة المالية التي يضع فيها أمواله.

هذا كله جعل طبيعة عمل المصارف الإسلامية تتركز في استثمار الأموال بطريقة المشاركة في الربح والخسارة أي أنه يتم الحصول على الأرباح مقابل تحمل المخاطر إذ يشترك صاحب المال وصاحب العمل في نتائج الأعمال من ربح وخسارة ويتم اقتسام الربح بينهما بحسب الاتفاق على أن تكون نسبة شائعة من الربح أما الخسارة فيتحملها صاحب رأس المال باعتبار أن صاحب العمل سيخسر جهده.

بهذه الجردة السريعة نكون قد ألقينا بعض الضوء على واقع تلك المصارف الإسلامية التي تواجه اليوم تحديات متعددة الأوجه والجوانب، وهو ما ستناقشه الحلقة الثانية من المقال

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً