في كل مرة تتجه فيه «الوفاق» إلى أية خطوة من الخطوات، يشعر المراقب بحركتها على الأرض، فتيار «الوفاق» تيار عريض، فأي تحرك لها يلفت نظر الصحافة، وتكون مادة صحافية دسمة يجري خلفها الإعلاميون لتحقيق سبق صحافي، فهكذا بدت صورة «الوفاق» الخارجية والحقيقية من خلال خطوات عريضة محسوسة وكأن «ديناصورا» قام من قبره دبت فيه الحياة فجأة وأخذ يمشي على الأرض. هكذا حال «الوفاق»، نشعر دائما بأن هناك حياة جديدة لتوها تدب فيها وبحركة «الوفاق» نشعر بحيوية المشهد السياسي، فالعرائض والمسيرات والمظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات لا تعدم، فالأعين تتجه على الدوام إلى الساحة السياسية من خلال «الوفاق» وتحركه، فموقع «الوفاق» موقع حساس جدا وعليه يتحدد الكثير من الأمور الحساسة بطبيعة الحال، على رغم ذلك لا يمكن التنكر لكون الحراك الناتج من «الوفاق» حراكا شيقاً ومميزاً على رغم مرارته وتداعياته أحيانا، فكل مفصل من مفاصل «الوفاق» يحمل مواقف لا يمكن نسيانها مع الأيام، بل ستظل نكهة خاصة يتذكرها محبوها وحتى عذالها.
فعندما نطلب من ذاكرتنا أن تأخذنا قليلاً إلى الوراء نجد أن هناك محطة من المحطات التي مرت عليها «الوفاق»، وتأصلت فيها، وأصبحت صفحة تاريخية من صفحات «الوفاق» السياسي، فالتسجيل تحت قانون الجمعيات السياسية على سبيل المثال كان أحد الحراكات السياسية الفاقعة في مسيرة «الوفاق»، التي كلفتها الكثير من الجهود المضنية ومن الخسائر البشرية، ميزت المرحلة عن المراحل السابقة سواء من اجتماعات الجمعية العمومية المكثفة التي أرهقت كاهل الإدارة السابقة من تنظير وإعداد وتنظيم إلى تنفيذ وتحمل كل الملاحظات التي تعطى في حقهم، إلى الاجتماع المقرر للتصويت على قرار الجمعية بالبقاء على ما هو عليه كجمعية أهلية تعنى بالشأن العام بعيدا عن التجاذبات السياسية، أو التسجيل تحت قانون الجمعيات السياسية الذي لن يرحمها ويحجمها ضمن قانون ضيق الأفق يقل كثيراً عن طموحات القوى السياسية المتعطشة إلى أفق أوسع يسمح لهم بالتحول إلى أحزاب. فهم على أية حال في مفترق طرق ولابد لهم من خيار، كما أن المدة المعطاة لهم ليست بكبيرة وعليهم استغلالها وإلا فاتهم القطار، أو من خلال الاجتماعات المتكررة بهدف وضع النظام الأساسي وصوغه، ومن ثم مرحلة التوافق عليه من قبل الأعضاء، مرورا بالتصديق عليه من قبل الجمعية العمومية وما يتبعه من تحشيد لها، أو من خلال الاستقالات المتوقعة المفاجئة التي رافقت العملية الانتقالية، «وفراق الأحبة» على حد قول الأمين العام للوفاق في أول اجتماع للجمعية العمومية بعد استقالة إخوة أعزاء من مجلس الإدارة السابق. كل تلك التحركات تمثل حراكات متوقعة من تيار الوفاق الذي يعج بالحيوية والنضوج، كما استنزفت الكثير من الجهود، كان الأولى أن تضخ في إدارة ملف من الملفات السياسية ولكن إرادة الحكم دائما قائمة على أساس «إشغال» القوى السياسية بأمور عارضة، ليتفرغ لحبك ووضع المزيد من العراقيل أمام إرادتهم.
قرار المشاركة والمقاطعة أيضا في الانتخابات السابقة 2002 كان أيضا أحد أوجه المخاضات العسيرة الصعبة التي مرت بها الجمعية، وكان قرار الجمعية العمومية بعد دراسة أبعاد الوضع، وبعد النكسة الدستورية وبعد أخذ ورد، مقاطعة أول انتخابات للمجلس النيابي على رغم تعدد الآراء وتباينها، لكن الديمقراطية تفضي بالالتزام برأي الغالبية وتغليب المصلحة العامة بغض النظر عن الدخول في تفاصيل الواحدث والمواقف.
ولم يكن قرار المشاركة في انتخابات 2006 أقل سخونة من المحطات السابقة التي مرت بها «الوفاق» منذ تأسيسها، وخصوصاً بعد أربع سنوات من المقاطعة مرر خلالها ما مرر من قوانين مكبلة للحريات ظلت الجمعيات السياسية المقاطعة تتفرج على ما يتم إقراره في المجلس، من دون أي جدوى لأي تحرك. فالمجلس النيابي هو المشرع الحقيقي للقوانين ومن يريد أن يشرع عليه أن يشترك في العملية الانتخابية وليس من خلال الاحتجاجات خارج قبة البرلمان.
هكذا كان المشهد والصورة الخارجية للساحة السياسية، فقد تركت «الوفاق» مكانها خاليا في المجلس النيابي السابق على رغم محدودية الصلاحيات المتاحة أمامه، ومن هذا المنطلق خاضت «الوفاق» مرحلة اتخاذ قرار المشاركة من عدمه هذه المرة بشكل مختلف يغلب عليه الجانب العلمي من خلال الأوراق التي قدمت في هذا الصدد، سواء من قبل الهيئة الاستشارية للوفاق (المعين) من خلال التوصية المرفوعة منهم بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، أو من قبل الإدارة السابقة، وورقة مقدمة من الأمين العام للدورة الأولى 2002 تدعو إلى المشاركة كوجهة نظر يتبناها، إلى جانب دائرة الدراسات والبحوث التي قدمت رؤية متكاملة «لماذا يجب أن نشارك؟»، أو من قبل دائرة الشئون السياسية، إلى جانب ورقة الأمانة العامة بهذا الصدد، واجتماعات أفضت في مجملها إلى قرار المشاركة. تلك كانت بعض أوجه حراك «الوفاق» العجيب أحببت سرده من زاويتي الخاصة لقربي أيضا من تلك التحركات السياسية إبان المرحلة السابقة والحالية من باب التوثيق
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ