العدد 2480 - الأحد 21 يونيو 2009م الموافق 27 جمادى الآخرة 1430هـ

حل الدولتين... هل من أمل؟

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

اصطلح على تسمية القضية الفلسطينية بأنها محور الصراع في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت أنها قضية الفرص الضائعة أو أنها قضية عادلة يتولاها محامون فاشلون. وهذا المصطلح الأخير يعبر عن حالة إحباط لما آلت إليه القضية من تراجع وحالة الانهاك التي يقوم بها الفلسطينيون لفصائل متصارعة مع بعضها بعضا.

أما المصطلح الثاني أنها قضية الفرص الضائعة فكانت تعبر عن التغير في العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية ما يؤدي إلى تطور المراحل وفي كل مرحلة يرفض العرب والفلسطينيون ما يعرض عليهم ويقبلون ما سبق وعرض في مرحلة سابقة. أما المصطلح الأول بأنها محور الصراع في الشرق الأوسط فإنه يعبر عن جوهر القضية كقضية قومية عربية وعن تدخلات الجيوش العربية والنظم العربية بعد إعلان قيام «إسرائيل» وحتى الآن.

ولكن الجديد في الموقف الآن ثلاثة طروحات، أولها رؤية الرئيس السابق جورج بوش بشأن حل الدولتين والتي تبناها بصدقية أكبر وترحيب أوضح الرئيس باراك أوباما وخاصة عند إصراره على وقف المستوطنات، سواء توسيعها أو إنشائها، وحديثه عنها في أكثر من موقع أو دولة زارها.

الرؤية الثانية هي الرؤية العربية أو ما اتفق على تسميتها بـ «مبادرة السلام العربية»، وهي في جوهرها تعكس التمسك بالمبادئ أكثر مما تقدم من خطة عمل واقعية. والرؤية الثالثة هي رؤية بنيامين نتنياهو أو الرؤية الإسرائيلية بوجه عام، وهي تقوم على عناصر رفض دولة فلسطينية عمليا، حتى وان قبلوها نظريا تحت الضغوط. ونتنياهو يمتاز عن حزب كاديما أو حزب العمل بأنه أكثر اتساقا مع نفسه ومنطقه، فهو يرفض صراحة الدولة الفلسطينية، أو يضع لها شروطا تعجيزية مثل ما جاء في خطابه الأخير يوم 14 يونيو/ حزيران 2009 بأن يعترف الفلسطينيون أولا وبلا شروط وبلا تحفظات، يهودية «إسرائيل» وأن يتخلوا عن مسألة العودة وأن تكون القدس العاصمة الأبدية لـ «إسرائيل»، وأن يتم توطين أو حل مشكلة الفلسطينيين في الدول العربية على غرار حل «إسرائيل» لمشكلة اليهود الذين كانوا في الدولة العربية. وبعد كل ذلك يبدأ التفاوض الفوري بلا شروط لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتحت الرقابة حتى لا تتسرب إليها أية صواريخ أو أسلحة تهدّد أمن «إسرائيل».

هذا شيء واضح وصريح، وأجمل ما فيه أنه بعد كل الشروط يقول نبدأ التفاوض بلا شروط! وطبعا يرحب المتحدث الرسمي باسم الرئيس أوباما بتصريحات نتنياهو وقبوله مبدأ إقامة دولة فلسطينية.

ركيزة الرؤية الإسرائيلية عناصر ثلاثة: «إسرائيل» هي القوة المنتصرة والعرب والفلسطينيون منهزمون. ثانيها أن «إسرائيل» عادت لأرض أجدادها اليهود القدامى، أما الفلسطينيون فهم وافدون ويمكنهم اللجوء لأراض عربية... وأخيرا أن العالم لا يستطيع أن يضغط على «إسرائيل» بما يتعارض مع أمنها.

ونتساءل ما هي ركائز الرؤية العربية؟ أنها المبادئ العامة ولكن يرد عليها ثلاثة تحفظات. الأول أن العرب منقسمون وكذلك الفلسطينيون يضرب بعضهم رقاب بعض. الثاني: إن العرب تخلوا عن قوتهم أو أدوات الضغط السلمي والاقتصادي والسياسي أو حتى عن النشاط الدبلوماسي المكثف لتحقيق مطالبهم، والثالث أنهم تخلوا عن الخيار العسكري ولو نظريا، واحتموا بالمبادئ والشرعية الدولية. وكما هو معروف في السياسة الدولية أن القوة هي الحق وهي الشرعية. والمبادئ بلا قوة لا تفيد كثيرا في ظل غطرسة القوة. وينتظر العرب أن يحل لهم أوباما مشكلاتهم... هل هذه عقلانية أو رشد سياسي؟

إن على العرب أن يتحركوا - ولا نطالبهم بعمل عسكري - في عمل دبلوماسي وسياسي واقتصادي نشيط لبناء قوة ذاتية لهم وتوحيد إرادتهم ومواقفهم. وعلى الفلسطينيين أن يدركوا انه لن يحل قضيتهم إلا هم أنفسهم وليس العرب وليس أوباما، وبالتأكيد ليس «إسرائيل». إن على الفلسطينيين أن يتخلوا عن وهم أن الزمن في صالحهم أو أن زيادة السكان عدديا هي قنبلة سوق تنفجر في وجه «إسرائيل». ربما يكون ذلك صحيحا بعد خمسين أو مئة سنة قادمة، وإلى ذلك الحين تكون كامل فلسطين قد تم استيعابها في المستوطنات، ويتحوّل الفلسطينيون لمشردين هنا وهناك يرددون شعارات وأشعارا وطروحات، ويتباكون على الماضي.

إن هذا الدور الفعّال للفلسطينيين يجب أن تعيه النخبة السياسية من فتح وحماس والجهاد وغيرها، فترديدهم شعارات هذه الدولة أو تلك لن يعيدهم، فكل الدول تبحث عن مصالحها سواء عربية أو إسلامية أو دولية، وعلى الفلسطينيين أن يطرحوا خلافاتهم جانبا ومصالح أحزابهم ومنظماتهم ويفكروا في مصلحة وطنهم ومستقبله.

إن رد نتنياهو في خطابه بجامعة بار ايلان هو أبلغ رد على أوباما والرئيس الأميركي حاول وسيحاول لأنه صادق مع نفسه، ولكنه لن يرسل جيشا لمحاربة «إسرائيل» دفاعا عن «فلسطين»، التي يقتل أبناؤها بعضهم بعضا، ويستمعون لشعارات دول لن تفيدهم وتستخدمهم أداة لمصالحها. إن خطاب نتنياهو هو أبلغ رسالة للفلسطينيين والعرب وللعالم، ولكن سيعمل الجميع في إطار السياسة واللياقة الدبلوماسية ولكن الشعب الفلسطيني هو الذي يعانى ولابد أن يدرك قادته ذلك ويوحدوا صفوفهم.

وبالنسبة للعرب فعليهم التحرك السياسي بالإصرار على مبادرة السلام العربية والتحرك على جبهات دولية لفضح الأساليب الإسرائيلية، وفي نفس الوقت السعي لبناء قوتهم. إن نتنياهو بمطالبته العرب حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ومطالبته الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية «إسرائيل»، يضمن التخلص من بضعة ملايين من الفلسطينيين ويحول فكرة الدولة إلى منطقة عازلة بينه وبين باقى الدول المجاورة وهذا من أخبث ما يمكن. الرد العربي هو بالتحرك الدبلوماسي المكثف لفضح هذه الألاعيب الإسرائيلية حتى لا يطالب العالم العرب بدفع الثمن عدة مرات لعدم وصول البضاعة التي لاتزال في الهواء ومع ذلك يتقاتل الفلسطينيون فيما بينهم عليها

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2480 - الأحد 21 يونيو 2009م الموافق 27 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً