العدد 1497 - الأربعاء 11 أكتوبر 2006م الموافق 18 رمضان 1427هـ

من يختار المرشحين...؟

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

عرف عن شعب البحرين مستواه الثقافي المتميز، وانغماسه في الحياة العامة ومناقشة أموره المعيشية والسياسية كافة، وقد تمثل ذلك في كثرة الهبّات الجماهيرية والانتفاضات الشعبية التي شهدها هذا القطر العربي المسلم منذ مطلع القرن الماضي وحتى انتفاضة التسعينات التي شكلت إفرازاتها الإرهاصات الأولى لعملية الإصلاح السياسي الذي شهدته البحرين مع مطلع الألفية الثالثة بعد تولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم.

وقد كان من أهم نتائج تلك العملية الإصلاحية تأسيس الجمعيات السياسية التي حملت لواء الكثير من المطالب والملفات السياسية التي طالما ناضل من أجلها شعب البحرين عبر سنوات من الصبر والتحمل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشكل قوي وواضح، وخصوصاً في هذه الأيام التي تعيشها بلادنا على وقع طبول الانتخابات النيابية والبلدية هو: هل تتعامل الجمعيات السياسية مع شعب البحرين باعتباره راشداً قادراً على الاختيار والمناقشة، يمتلك تجربة نضالية اختزلتها الذاكرة وتوارثتها الأجيال؟

إن البحث عن أجوبة لهذا النوع من الأسئلة قد يكون من المحظورات، لكنها أسئلة مشروعة ويجب أن تثار وفي هذا الأوان بالذات، فها نحن نجد أن الجمعيات السياسية على اختلاف ألوانها وتوجهاتها الفكرية، تشرع في عملية اختيار مرشحيها للمجلس النيابي والمجالس البلدية من دون استشارة أهل الدوائر الانتخابية التي سيترشح فيها هؤلاء، وقد رأينا حركة التنقلات بين العناوين على قدم وساق، فصار فلان الذي لم يعد يعرف حتى تضاريس المنطقة التي انتقل أو عاد إليها متحدثاً ومرشحاً رسمياً عن هذه الدائرة!

ويبدو أننا أمام ظاهرة جديدة تجعل المواطنين يفقدون حقهم مرتين، فبعد أن قامت السلطة التنفيذية بتوزيع الدوائر بشكل غير منصف وغير متوازن، ها نحن أمام قرارات المعارضة التي تقوم هي الأخرى بإعطاء نفسها الحق في اختيار المرشحين لهذه الدوائر بحسب المقاسات التي تراها مناسبة لها، من دون اعتبار لأهل الرأي والمشورة في هذه الدوائر، وهو نوع من ظلم ذوي القربى.

إن نظرة بسيطة وسريعة في قوائم المرشحين التي أعلنتها الجمعيات السياسية، تثير لدى الكثيرين هذا النوع من الاستنتاجات، فها نحن أمام قرارات فوقية تتخذها الجمعيات ولا تراعي فيها أي وزن لأي قوى مجتمعية أو شخصيات وفعاليات وطنية أو حتى مؤسسات أهلية تعمل في هذه الدوائر الانتخابية التي ترغب هذه الجمعيات في ترشيح عناصرها بها.

رب قائل يقول: إن هذا الحق كفله الدستور والأنظمة والقوانين التي وضعت لتنظيم العملية الانتخابية، لكننا هنا أمام دور تقوم به جمعيات سياسية مناضلة لطالما قالت إنها تمثل مصالح الناس وتدافع عنهم، وعن حقهم في الاختيار والتعبير عن آرائهم ومواقفهم وتطلعاتهم بكل حرية، إذاً لماذا تلجأ هذه الجمعيات إلى مصادرة هذه الحقوق، وتقوم بفرض مرشحين معينين في هذه الدوائر من دون أن تأخذ رأي أهل الدار.

بل إن الأمر قد يتجاوز ذلك بمراحل، حين يرغب أحد أبناء دائرة ما في أن يترشح عن دائرته ولو بشكل مستقل، فيجد أن كل الآليات النضالية والعلاقات الاجتماعية والدينية التي تمتلكها الجمعية التي وضعت عينها وسطوتها على هذه الدائرة، سيتم توظيفها بشكل أو بآخر لإقناع هذا المرشح بالتراجع أو مواجهة الضغوط، وقائمة طويلة من الخطوات التي قد لا يتوقعها أثناء الحملة الانتخابية؟

إن على الجمعيات السياسية أن تأخذ في حسبانها أهمية التشاور وتطبيق أهم مبادئ الديمقراطية من خلال العودة إلى المواطنين والاستماع إليهم، حتى لا تتكرر الحالات التي شهدتها الساحة الإعلامية خلال الأيام الماضية بشأن العملية الانتخابية فنرى شخصية مجتمعية ذات وزن كبير تقدم نفسها على صدر الصحف اليومية كمرشح بديل لمرشح الجمعية الفلانية التي هي قريبة منها جداً، ثم نرى تصريحاً آخر في مكان آخر يتكلم عن آلية اختيار إحدى الجمعيات السياسية لمرشحيها، وكيف أنها استخدمت هذه الآلية، فجاءت النتائج على غير المتوقع، فسارعت إلى تغيير الآلية من أجل تصحيح النتائج.

ما هو الفرق بين ما نحاربه وما ندعو إليه وما نتمسك به، إذا كنا غير قادرين حتى على الالتزام بالآليات التي نضعها لتسيير عملنا، وإذا كانت العلاقات بين بعض الجمعيات السياسية المتحالفة مبنية على تمرير بعض المعلومات غير الدقيقة، وإذا كانت بعض الجمعيات تعمد إلى مصادرة رأي المجتمع كله وتفرض عليه مرشحاً نيابياً من هنا، أو مرشحاً بلدياً من هناك. إذاً ما هو وجه التمثيل السياسي للجماهير وكيف يمكن ادعاء التعبير عنها.

إننا أمام اعتقادات خاطئة تمارس من قبل الجمعيات السياسية التي تتعامل مع الانتخابات النيابية والبلدية كمحطة استحقاقات لتوزيع الحصص والغنائم، لذلك نرى أن الكثير من المرشحين على قوائم الجمعيات السياسية هم رموز الحقبة السياسية الماضية، وإذا كان الجميع يكن للرموز الكثير من المحبة والاحترام والتقدير، فإن ذلك لا يعني أنهم الأنسب بشكل مطلق للمرحلة المقبلة التي لا تعتمد على إدارة عمليات الكر والفر وتسيير المظاهرات والاعتصامات وإلهاب مشاعر الجماهير حماساً وغضباً أو تعاطفاً. بل على العكس من ذلك، المرحلة المقبلة بحاجة إلى كفاءات من نوعية أخرى، كفاءات قيادية وإدارية قادرة على التعاطي مع الحدث السياسي المستجد بصورة هادئة بعيدة عن التشنج وردات الفعل غير المدروسة التي تعتمد في كثير من الأحيان على تحريك الشارع في الطالع والنازل.

ولنتصور أن الجمعيات السياسية قامت باستشارة الفعاليات الوطنية في الدوائر التي تعتزم تقديم مرشحين بها، وأخذت آراءهم ومقترحاتهم بشأن من يمثل دوائرهم في المجلسين النيابي والبلدي، ثم قامت بدراسة هذه المقترحات بهدف اختيار قيادات جديدة من بينها، من خلال إخضاع الشخصيات المرشحة من قبل الفعاليات لورش تدريبية ودورات توجيه سياسي، مع وضع المعايير والمواصفات التي تعتقد بأهمية توافرها في هذه القيادات، بما في ذلك الالتزام بالشفافية والنزاهة وبجميع القرارات التي تتخذها الأطر السياسية في الجمعية.

لا شك أن النتيجة ستكون باهرة، وخصوصاً نحن نعرف أن هذه الجمعيات تمتلك كوادر من الصف الثاني والثالث لا تقل أهمية وكفاءة عن كوادر الصف الأول، كما تمتلك من الخبرة والكفاءات التدريبية ما يجعلها قادرة على تخريج كوادر سياسية مناسبة للمرحلة المقبلة.

لقد آن الأوان للتفكير في رموز جديدة قادرة على التعامل مع التطورات الجديدة التي تشهدها الساحة السياسية في البلاد، مع أهمية الاستفادة من الساسة الرموز والأخذ بتوجيهاتهم وبخبراتهم في المواقع المناسبة، ولا بد أن تعمل الجمعيات السياسية على تبني آليات جديدة لاختيار المرشحين بعيداً عن المحاباة والمحاصصة وسياسة الهيمنة والفرض بالقوة التي تمارس حالياً، كما لابد من أن يؤخذ رأي الناخبين في المرشحين الذين ستقدمهم الجمعيات السياسية حتى لا تفاجأ هذه الجمعيات بتفشي ظاهرة الإحباط من جهة وبعدم وجود أي تواصل بين المرشحين الذين فرضتهم على الدوائر وبين الناخبين في هذه المناطق.

بقي أن نشير إلى أن من المهم أن تكون الشخصيات المرشحة في مختلف الدوائر قادرة على تلمس احتياجات المواطنين والتعاطي الإيجابي معها، فالمجلسان النيابي والبلدي لا يجب أن يكونا معزولين عن الحياة اليومية للمواطن، وخصوصاً في مجال السكن والعمل والخبز اليومي، ذلك أن هذه الاحتياجات لا تقل أهمية عن الملفات السياسية الأخرى التي قد يتصور البعض أنها هي وحدها مركز اهتمام المواطنين.

لم يبقَ إلا أيام معدودة على الانتخابات، فهل يتسع الوقت لإعادة قراءة القوائم الانتخابية، حتى يكون تمثيلها للمجتمع البحريني المتحضر والمثقف أكثر واقعية؟ ذلك ما نتمناه مع استشعارنا الشديد بضيق الوقت وتمترس المواقف

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1497 - الأربعاء 11 أكتوبر 2006م الموافق 18 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً