أقامت كوريا الشمالية الدنيا ولم تقعدها بإجراء تجربة نووية ناجحة على رغم الحصار والمراقبة والتهديدات والوعيد والضغوط في المفاوضات السداسية. وحصلت الدولة الشيوعية على إدانة دولية واسعة وغير مسبوقة لهذه الخطوة المصيرية. صحيح أن العالم اليوم ليس في حاجة إلى تجارب نووية وتسابق في تطوير الأسلحة وليس في حاجة إلى توترات جديدة بقدر ما يحتاج إلى تفاهمات على وسائل للتنمية والترفيه وتخفيف العناء عن كاهل البشرية. ولكن لا يقع اللوم فقط على بيونغ يانغ، فالكل يعلم أن الولايات المتحدة تمارس دور شرطي العالم وتطبق سياسة العصا والجزرة بأبشع صورها، فقد قسمت العالم إلى محورين، محورا للأشرار وآخر للأخيار وفقا لمعاييرها الخاصة وتشاطرها في ذلك الدول الكبرى الأخرى من دون تبصر. وبالتأكيد إذا لم تسع كوريا الشمالية إلى حماية نفسها ربما شهدت غزوا عسكريا عاجلا أو آجلا. فالملف الكوري الشمالي أصبح ضمن القضايا الساخنة التي تحرك بها أميركا الكرة الأرضية وتتخذه ربما مستقبلا كحصان طروادة في المنطقة.
إذا هذه الأزمة تعتبر نتيجة طبيعية و حصادا مرا للسياسة الدولية المزدوجة، واتباعا لمعايير مقلوبة ناشئة عن الجهل بالشعوب ومقدرات الأمم الأخرى. وإلا فلماذا هب ما يسمى بالمجتمع الدولي إلى شجب هذه التجربة بينما قامت القوى النووية السبع الكبرى بنحو 2059 تجربة ذرية منذ انفجار أول قنبلة من هذا النوع في صحراء نيومكسيكو في الولايات المتحدة في 16 يوليو/تموز 1945. ولماذا وحدها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين تعتبر قوى نووية رسمية بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي بينما يظل الآخرون محرومين حتى من الطاقة النووية السلمية؟... إن إجراء هذه الدول لتجاربها قبل العام 1967 لا يعطيها الحق في ابتزاز الشعوب كما لا يحرم الجيل الجديد في أي مكان وفي أي زمان من ممارسة تجاربه سواء كانت عسكرية أو مدنية على رغم أنه إذا زال الابتزاز والتهديد زالت معه الحاجة إلى هذه التجارب.
الآن أصبحت كل من كوريا الشمالية وقبلها «إسرائيل» وباكستان والهند دولا ننوية بحكم الواقع ولا أحد يستطيع ان يثنيها بالتخلي عن هذه المكانة من خلال الضغوط الاقتصادية. لذلك الحل الوحيد المتاح هو الحوار الهادف إلى التخلص من جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل وينبغي على الدول الكبرى أن تكون غدوة وتبدأ بنفسها في ذلك، لأنه من غير المعقول أن يمتلك الأقوياء كل آلة لاخضاع الضعفاء بينما يحكم على الأخيرين الخنوع إلى الأبد
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1497 - الأربعاء 11 أكتوبر 2006م الموافق 18 رمضان 1427هـ