العدد 1497 - الأربعاء 11 أكتوبر 2006م الموافق 18 رمضان 1427هـ

قنبلة كوريا... وارتداداتها السياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التفجير النووي الذي أقدمت عليه كوريا الشمالية شكل سلسلة ارتدادات سياسية سيكون لها انعكاساتها السلبية في العلاقات الدولية وتلك التحالفات الإقليمية في شرق آسيا. التفجير كان مفاجأة في توقيته حتى للدول الكبرى التي تدعي أنها تملك معلومات استخبارية دقيقة وصوراً من الأقمار الاصطناعية. بيونغ يانغ أعلنت أنها ستقدم على خطوة التفجير قبل نهاية العام الميلادي الجاري. وعلى أساس الإعلان المذكور تحركت القوى الكبرى وتلك الدول المجاورة لكوريا الشمالية لتطويق الاحتمال واقناعها بضرورة التخلي عن تهديدها والا فإنها ستواجه قرارات صعبة ستصدر عن مجلس الأمن. المفاجأة كانت أن كوريا اختبرت تجربتها النووية الأولى في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري مخالفة بذلك كل الاغراءات والتهديدات العقابية. ويرجح أن عاصمة كوريا الشمالية استعجلت عملية التفجير لتضع العالم أمام أمر واقع لا يمكن التراجع عنه. كذلك يبدو أنها تخوفت من زيارة غير مسبوقة قام بها رئيس الوزراء الياباني الجديد إلى بكين لبحث موضوع كوريا الشمالية.

بيونغ يانغ تعتبر جارة حدودية للصين وهي تعتمد عليها في علاقاتها ودفاعاتها وتعتبر تقليدياً منفذها الوحيد إلى العالم في حال فرضت عليها عقوبات إضافية. وربما تكون القيادة الكورية تخوفت من احتمال حصول صفقة صينية - يابانية على حسابها تضعها لاحقاً في زاوية لا تستطيع تحدي بكين أو ترفض لها طلباً في حال توافقت مع طوكيو على تفاهمات لا تلبي طموحات بيونغ يانغ.

التقارب الصيني - الياباني واحتمال تطوره في المستقبل ربما يكون الدافع الرئيسي الذي شجع بيونغ يانغ على تقريب الفترة الزمنية وهو أمر شكل مفاجأة استراتيجية غير متوقعه ووضع مباشرة الدول الكبرى أمام سؤال صعب: ما العمل؟

فعلاً ماذا تستطيع أن تفعل الدول الكبرى في مجلس الأمن. اللجوء إلى القوة مثلاً. هذا أمر غير وارد أو تراجعت نسبة احتماله. فالقوة تعني فتح باب الحرب على نتائج مخيفة وخصوصاً أن بيونغ يانغ راهنت على كل شيء مقابل الاستمرار في مشروعها النووي.

اللجوء إلى المقاطعة وفرض العقوبات. هذا أمر وارد وهو المرجح ولكن فعاليته في الضغط على دولة تعودت حياة العزلة منذ خمسينات القرن الماضي ستكون محدودة وسيدفع ثمنها الشعب لا النظام.

اللجوء إلى الاحتواء. هذا الخيار تطرحه الكثير من القوى الإقليمية التي تحيط جغرافياً بكوريا الشمالية. فكوريا الجنوبية الحليفة للولايات المتحدة تحبذ هذا النهج لأنه يوفر عليها مواجهة خطيرة في نتائجها. واليابان (حليفة أميركا) تميل إلى اتباع هذا السلوك لأنه يرفع شبح الحرب النووية التي سبق وذاقت طعمها في نهاية الحرب العالمية الثانية. كذلك تايوان (فوموزا) وهي جزء من الصين وحليفة للولايات المتحدة تفضل الموادعة وتميل إلى تفهم حاجات بيونغ يانغ.

التحالف الإقليمي الثلاثي الأميركي يتجه نحو تخفيف التصعيد ويطالب الدول الكبرى بالتروي حتى لا تنقلب الأمور وتتجه نحو مواجهة ستكون هي ساحاتها الرئيسية. وحين يكون التحالف الثلاثي (كوريا الجنوبية، اليابان وتايوان) الأكثر قلقاً والأقرب إلى التفهم والتفاهم فمعنى ذلك أن الصين ستكون هي مفتاح الحل وليست الولايات المتحدة.

هذا التحول في العلاقات يشكل بداية انقلاب في التوازنات الاستراتيجية في شرق آسيا. فقبل تجربة التفجير كانت أميركا تملك «فانوس علاء الدين» وبه كانت تتحكم بقانون التوازن الإقليمي وتدير من بعيد أو قريب شئون دول المنطقة وعلاقاتها. الآن وبعد تجربة التفجير يرجح أن تتولى الصين إدارة دفة الصراع لأن دول التحالف الثلاثي مضطرة إلى الاعتماد على بكين لوقف نمو ذاك «الوحش» الجائع الذي لا يكترث كثيراً للتداعيات المترتبة عن حرب قد تسفر عن فناء الملايين.

المسئولية الأميركية

هذا الانقلاب الاستراتيجي في إدارة اللعبة الإقليمية تتحمل مسئوليته في الدرجة الأولى الولايات المتحدة التي اعتمدت منذ وصول جورج بوش إلى «البيت الأبيض» سياسات الاستعلاء والتخويف والاستفزاز وعدم الاكتراث لتوازن المصالح وحاجات الشعوب للأمن والاستقرار والعدالة. فالإدارة الجمهورية هذه صنفت كوريا الشمالية في «محور الشر» واهملت الكثير من الاتفاقات التي وقعتها إدارة بيل كلينتون مع بيونغ يانغ مقابل تجميد التخصيب ووقف برنامج تطوير المشروع النووي. كذلك لجأت واشنطن في عهد بوش إلى تخويف تايوان وكوريا الجنوبية واليابان من نمو قدرات كوريا الشمالية الصاروخية والنووية، ومارست أسلوب الابتزاز المالي وفرض صفقات التسلح لكسب عشرات مليارات الدولارات بذريعة استخدامها لمواجهة خطر مقبل.

مشكلة بوش الآن أنها لا تقتصر على شرق آسيا. فهذا الرئيس يتعرض لضغوط قوية بسبب سياساته التي اعتمدت منطق القوة وافرطت في استخدام الاملاءات وابتعدت عن الوسائل الدبلوماسية التي قد تعطي نتائج إيجابية أفضل من لغة التهديد بشن الحروب. وهذا النوع من السلوك التسلطي أسهم في تشكيل مظلة أميركية تستبعد العلاقات الدولية وتنفرد بالقرارات وتجرجر الدول الإقليمية والصغيرة إلى مواقع سلبية تولد لها عداوات يمكن تجنبها.

السلوك الأميركي المتفرد في تصوراته والمستبد في قناعاته شكل سياسات مضادة قامت على فكرة رد التحدي بالتحدي، والاستفزاز بالاستفزاز، والتهديد بالقتل بالاستعداد للتضحية والموت. ومثل هذا السلوك الذي لا يتصف بالعقلانية والدبلوماسية ويتهرب من تغليب خيار الاحتواء على خيار التقويض والتدمير وتحطيم البنى التحتية أعطى ذريعة للقوى الرافضة للاستراتيجية الأميركية عدم الاستمرار في تنويع خياراتها لسبب بسيط وهو: أنها لا تملك خياراً مخالفاً أو أن واشنطن لم تترك لها اللجوء إلى خيار آخر غير المواجهة والتحدي وربما الحرب.

أميركا الآن تدفع ثمن سياساتها المستبدة. فالسياسة حين تعتمد فقط على استراتيجية واحدة تصبح غير سياسية. وحين تكون القرارات متخذة سلفاً ولن تتراجع واشنطن عنها حتى لو اثبتت المعلومات والوقائع عكس القناعات فمعنى ذلك أن الدول المتهمة أو المطلوبة على لائحة الولايات المتحدة لا سبيل أمامها سوى رد التحدي والقبول بالمواجهة. هذا ما حصل مع العراق مثلاً الذي وافق على تقديم كل التنازلات المطلوبة وأكدت تقارير بعثات الأمم المتحدة أنه لا يملك «أسلحة الدمار الشامل» ومع ذلك اتخذ بوش قرار الحرب بالضد من كل العالم. وهذا ما حصل مع فلسطين أيضاً حين وافق الرئيس الراحل ياسر عرفات على كل الشروط ووقع على الاتفاقات بضمانات أميركية وباشراف من إدارتها السابقة (كلينتون) وتكون النتيجة انقلاب ارييل شارون عليه والاطاحة بكل الاتفاقات والضمانات وإعادة احتلال الضفة والقطاع ومحاصرة عرفات في مقره.

فلسطين والعراق وغيرهما... كلها أمثلة حسية تدل على أن السياسة الأميركية مبرمجة سلفاً ولا تنتبه للتفصيلات أو التغييرات من خلال التفاوض أو العلاقات الدبلوماسية. وهذا النوع من السياسة البليدة يشجع على التطرف لأنه يقطع الطريق على الدول المطلوب شطبها من الخريطة السياسية ويفرض عليها عدم اللجوء إلى خيارات أخرى مادامت النتيجة واحدة.

ما حصل في كوريا الشمالية تتحمل مسئوليته الدولية والسياسية والدبلوماسية والاخلاقية إدارة بوش التي حاولت استغلال البرنامج النووي لبيونغ يانغ لوضع دول المنطقة في دائرة القلق والخوف وجعلها رهينة لاستراتيجيتها تكسب منها المال من خلال اجبارها على توقيع عقود لصفقات التسلح. فهذا السلوك شكل مادة حيوية للانقلاب الكبير الذي حصل الآن في شرق آسيا. فأميركا لا تستطيع اللجوء الى القوة ولا تستطيع الاعتماد على المقاطعة والعقوبات والحصار... بقي عليها سلوك طريق الاحتواء وهذا يعني تحسين دور الصين في المنطقة وتراجع مكانة الولايات المتحدة وموقعها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1497 - الأربعاء 11 أكتوبر 2006م الموافق 18 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً