أتمنى من كل قلبي أن تفوز الوفاق اليوم بـ 18 أو 20 أو حتى 30 مقعداً في البرلمان المقبل، ليس حبّاً في الوفاق كمؤسسة أو »جمعية«، وإنما لما تمثله من تيارٍ يعبر عن شرائح عريضة من المواطنين، حان الوقت ليحصلوا بالطرق السلمية على حقوقهم المحجوبة بعد طول قمعٍ وعذابات.
أتمنى أن تفوز الوفاق بأكبر عددٍ من المقاعد، مع إني لست عضواً في الوفاق كما ظن بعض الزملاء، ولا أية جمعية أخرى (عدا جمعية الصم والبكم)، وإنّما لما يفترض انها نصبت نفسها للدفاع عنه من حقوق الناس. وتلحّ هذه الأمنية مع تذكّر »الضحايا« الأربعين الذين سقطوا في فترة الرصاص والنضال من أجل عودة البرلمان، فضلاً عن الآلاف الذين استضافتهم المنافي ومعتقلات »أمن الدولة« طوال ثلاثة عقود.
أتمنّى بصدقٍ أن تفوز الوفاق... إلاّ أن مثل هذا الفوز لن يتحقق عندما تبني الوفاق حساباتها المرحلية على مجموعة من الأوهام.
الوهم الأكبر هو أنها تتصرّف تصرّف الواثق من الفوز بـ 18 مقعداً، وهي حساباتٌ قديمةٌ عمرها 4 سنوات، أمّا الآن فلابد أن ترى الوفاق ما تحت رجليها. فالساحة الواحدة تتجاذبها اتجاهات، في مقدمتها حركة »حق« التي ما فتئت تذكر الناس بمبررات المقاطعة السابقة، وفق منطقٍ بسيطٍ جداً إلى حد الجنون: »ماعدا مما بدا«؟ وهو ما دفع الشيخ علي سلمان، كما يبدو، إلى مطالبة »حق« بعدم التخوين.
ومن المتوقع أن يلتزم شخصٌ مثل حسن مشيمع بكلمته مع أصدقائه القدامى، إلاّ أن »حق« ليست كلها مشيمع، فـ »حق« هي »حقوق«، كما ان »الوفاق« »وفاقات«، كما أثبت »الصراع« الداخلي فيها. من هنا لا يستبعد أن تخرج أصواتٌ على أقصى يسار »حق«، لا تعترف بأية »كلمات شرف«، ولا تربطها وشائج صداقةٍ قديمة، في ظلّ سيطرة مشاعر الإحباط والقهر والغضب منذ انكشف للجميع »بعض« الخفايا والمخطّطات، والإحساس القاتل بوجود مؤامرةٍ »ضخمةٍ« تدبّر في الخفاء ضد »الغافلين«.
الوجه الآخر للتغلب على هذا الهاجس هو الاستعانة أو »الاستقواء« بدعوة المجلس العلمائي للمشاركة الواسعة في الانتخابات، وهي خطوةٌ قد تفيد الوفاق بكسب نسبةٍ معينةٍ من الأصوات، ولكنها لن تقنع شخصاً واحداً لديه تساؤلٌ مقلق: »إلى أين ذاهبون«.
ثم انه حتى هذه الحسابات أصبحت قديمة، فما كُشف من »معلومات« خلال الشهر الماضي سبّب هزة شديدة في مواقف الأفراد وقناعات المجتمع الذي يتعرض للاستهداف، (ويبدو أن الوفاق آخر من شعر بها)، ولا يرى غير ردُ فعلٍ باهتٍ متهالكٍ لا يرقى إلى مستوى الدفاع عن نفسه ووجوده ومستقبله وهويته. واللجوء في مثل هذا الظرف إلى نظرية »قلّد عالم واطلع سالم« لن ينفع الوفاق كثيراً، في كسب مزيدٍ من الأصوات المؤثرة، فذاكرة الناس مازالت طريةً تستعيد عدداً من »إخفاقات« هذه النظرية في عدة مناسبات ومنعطفات سياسية قريبة، فالأحكام الفقهية لا تنطبق بالضرورة على الساحة السياسية، التي تحتاج إلى عقلياتٍ تتمكّن من تخطي أجواء وسياسة وعقد السبعينات.
لا يمكن اليوم أن »تقترح« الدخول على أساس تحالفٍ وطنيٍّ جامعٍ لئلا نذهب إلى الفخ الطائفي بأرجلنا، فالوفاق مقبلةٌ برغبةٍ على المشاركة، وبشهيةٍ جامحةٍ لدى كثير من المرشّحين »الموالين«، وهي ليست مستعدةً لسماع أيّ وجهة نظر أو رأي أو نقد حتى من محبيها أو جماهيرها، تسير مخدّرة الأعصاب، بحساباتٍ قديمة، أحدثُها تجاوزه الواقع منذ أكثر من شهر
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1496 - الثلثاء 10 أكتوبر 2006م الموافق 17 رمضان 1427هـ