العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

الاستقامة والعوج في السياسة الأميركية

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

هل تصل الصورة القائمة في مجتمعاتنا العربية المرسومة لأميركا في الأذهان العربية واضحة للمؤسسات الرسمية والإعلامية الأميركية، أم أن تلك الصورة تصل ضبابية ومشوهة؟ ومغطاة بالكثير من المجاملة أو الكثير من التهوين؟ بكلمات أخرى هل تعتقد مؤسسات الرصد والإخبار الأميركية أن صورة أميركا المشوهة لدى المتلقي العربي هي فعلاً ما يعتقد به ويؤمن، أم أنها تصل محمولة على اعتقاد أن النظرة السلبية تلك هي من صنع القلة، وأن الأكثرية لها رأي آخر؟ أو يمكن إقناعها برأي آخر؟

أسئلة ما كنت اعتقد أني ساطرحها حتى على نفسي إلا عندما احتدم النقاش في محاضرة في الجامعة بين مجموعة من الشباب والشابات يتلقون العلم في جامعة الكويت. لقد قالت غالبيتهم ان حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول هي ملفقة من جهازي الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وتبين أن لدى هؤلاء الشباب قناعة ثابتة لم تتزحزح في إطار نقاش حر وعقلاني عن ما كانت ومازالت تؤمن به! فمن شكل تلك القناعة ولماذا لا يمكن تغييرها؟

لماذا تؤمن ثلة من الجيل الجديد وفي بلد كالكويت النقاش العام فيها مفتوح وعلى مصراعيه كي يبقى هؤلاء الشباب على ما يعتقدون به، من أن هناك مؤامرة خلف حوادث الحادي عشر من سبتمبر، قام بها آخرون، وتسعى الولايات المتحدة الى تعليقها في أعناق العرب!

التبريرات كثيرة، منها التساؤل هل بالإمكان لطائرتين مهما كان حجمهما أن يسقطا بنايتين شامختين ويزيلانهما عن بكرة أبيها في غضون ساعات؟ وهل يمكن لمجموعة عربية صغيرة من الطلاب ومن في مثل مستواهم أن يقوموا بما قاموا به في سرية كاملة من دون أن يلحظهم أي جهاز لدولة عظمى كأميركا؟

حقيقة الأمر أن مثل تلك الأسئلة تبدو منطقية ومقنعة، إما إذا أضفنا إليها بعض الشواهد كالكتابات التي صدرت في الغرب على شكل كتب ودراسات وترجمت إلى العربية والتي تشكك في الأمر كله، فان من يحاول أن يقنع الشباب بعكس ما رسخ في أذهانهم يغدو صعبا إن لم يكن مستحيلا.

وأحسب أن المواطن العربي العادي لا يبتعد كثيرا عن تفكير هؤلاء الشباب الجامعي، فهناك شكوك عميقة تزداد كلما صدر كتاب في الغرب يؤكد الشكوك ولو شكليا، ويتعمق كلما ابتعدنا زمنا عن الحادثة الأليمة، ويغوص في الأذهان كلما ارتكبت حماقات أميركية جديدة تحت شعار محاربة الإرهاب.

إذا كان الفهم العربي العام لما حدث يمكن أن يوضع في باب الإيمان بـ المؤامرة وقد تكون له تبريراته العقلية والنفسية والتاريخية، فتحت أي باب يمكن أن توضع ردة الفعل الأميركية التي أقل ما توصف به انها فقدت البوصلة، والإحساس المنطقي العام.

حقيقة الأمر أن لدينا معضلة في فهم وتفهم الصديق الأميركي فتحت شعار حرب الإرهاب أصبحت تطلق التعميمات الجارفة، منها على سبيل المثال لا الحصر، الحديث عن الفاشية الإسلامية من دون تمحيص بأن الإسلام دين وطريقة حياة لملايين المسلمين، فهو ليس بعقيدة سياسية زمنية موحدة المقاصد، تستطيع أن تجند تحت عباءتها آلاف الأنصار من دون وعي، كمثل الفاشية السياسية أو النازية السياسية! وكتاب المسلمين هو القرآن، الذي يحث في معظم نصوصه على التسامح مع الناس وليس المسلمين فقط، كما أن هناك بيانا لفظيا وعمليا في عقيدة الإسلام في باب التعامل، بين المسلمين والمؤمنين بالديانات الأخرى. فقبول الآخر هو فرض عين لا فرض كفاية. ذلك التعميم وهو وضع الجميع في سلة واحدة انطوى على شبه خطيئة سياسية، فتحت شعارات حرب الإرهاب تم التعميم من دون تبصر أو تمحيص، إلى درجة ارتكاب حماقة أن يُبصم بالعشر من الأصابع كل من يريد أن يزور بلاد العم سام من العرب!

لن تغني ملايين الدولارات في رسم صورة للأميركان محسنة في ظل سياسة ردة الفعل العشوائية إن ظل الخلط بين المتطلبات السياسية الداخلية الأميركية، والمزايدات التي تصاحبها عادة في الديمقراطيات الحديثة، وبين العلاقة الحضارية التي تريد بعض الأوساط الأميركية أن تؤسس لها.

لا أعرف إن كانت زيارة السيد خاتمي الأخيرة إلى الولايات المتحدة تمت بعد تبصيمه من أجل سمة الدخول، ولكن الجميع يعرف أن الزيارة قد أحدثت لغطا في بعض الأوساط السياسية الأميركية على أنها خطيئة، ولا يمكن معرفة أهداف ذلك العبقري الذي يمنع بعض الأسماء من الطلاب والشباب العرب من دخول الولايات المتحدة كون الاسم يبدأ بمحمد أو علي! فالحرب على الإرهاب يبدو أنها اتخذت طابعا بيروقراطيا معمما وأكاد أقول عنصريا، يزيد من شكوك الغالبية تجاه المواقف السلبية للولايات المتحدة ليس ضد منظمات أو حقوق شعوب كالشعب الفلسطيني بل تعدتها من خلال سياسات مختلفة إلى الأشخاص العاديين، فرجل أو امرأة عربية مسلمة في سن فاق الستين، تبدو خطرة على السلامة الأميركية لبيروقراطي الإدارة، أو أن اسم علم عربي، مهما كانت قناعته أو قدراته، أو طالب علم جاد، هو إرهابي بالضرورة حتى يثبت العكس! مثل تلك السياسات هي التي تؤسس في الأذهان لنظريات المؤامرة!

كثير من العقلاء يعرفون أن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر إجرام في حق البشرية، إلا أن ردة الفعل التي بدأت عشوائية كريهة واستمرت فاقدة للإحساس العام وقد فاضت على سوداوية الفعل نفسه. والمضحك المبكي أن الإدارة الأميركية تريد وترغب في تحسين الصورة لدى الآخرين، وتتساءل بحق لماذا يكرهوننا؟!

على الجانب الآخر هناك من يتلقى الأخطاء الأميركية ويضخمها فتعود إلى أميركا بصدى يعظم ما يقال، وتبدو القضية وكأنها كرة ثلج تكبر كلما تدحرجت.

لم يتسن إلا للقليل، وفي دوائر مغلقة، نقاش القضايا التي أدت إلى تشويه الصورتين العربية والأميركية لدى كل طرف، وتغذت على التشويه، أما وسائل إعلام ترغب بالمنافسة السريعة وتقدم وجبات جاهزة من الأفكار السلبية، أو سياسيون يرغبون في المسايرة والمداراة، ولم تخضع العملية برمتها إلى تحليل عقلاني مستنير.

كل ذلك اوجد تيارا شعبيا عربيا خلق تصوراته الخاصة به، ولحق بخرافاته التي أصبحت حقائق يقينية، وعينة الطلاب والطالبات الذي أشرت إليها في مقدمة هذا الكلام هي فقط الرأس المطل من جبل الثلج لتيار عربي واسع ومتعدد المستويات، الذي لا تستطيع لا الدبلوماسية الأميركية، ولا حديث المكاتب المكيفة النيل منه باتجاه تخفيفه أو عقلنته، ما يخفف غلو ذلك التيار هو سياسات ملموسة على الأرض.

ما يخفف من هذا التيار الواسع الذي يشعر بعداء حقيقي أو وهمي للولايات المتحدة، هو فهم أفضل للواقع السياسي العربي، والنظر بجدية، حتى لو كان ذلك مخالفا لرغبات سياسية أميركية داخلية، بأن الحلول للمشكلات العالقة هي ليست في منع الطلاب من العلم بجريرة أقلية ولا في تبصيم المسنين خوفا من ارتكابهم إرهابا، ولا في نشر المحطات التلفزيونية والإذاعية، ومن دون إخفاء العيوب الصغيرة لا تختفي العيوب الكبيرة، فسجن غوانتنامو وتبصيم طالبي التأشيرات يلغي آثار ملايين الدولارات ويرسل رسالة سلبية عن ديمقراطية أميركا. تحسين الصورة هو فهم أفضل لمقولة عربية راسخة هي كيف يمكن أن يكون الظل مستقيما والأصل أعوج! المطلوب هو استقامة الأصل بمراجعة حقيقية لسياسات اتضح أنها عقيمة

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً