العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

ديرة البعوض... عذاري!

عبدالله الملا abdulla.almulla [at] alwasatnews.com

أهلها كان يمنون النفس بأن يستمر مثلها المعروف »عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب« في كل شيء، فبعد أن كان ماؤها يروي القرى المجاورة، ها هو يجف اليوم تاركاً وراءه »سيبان« خالية، بالية ومستنقعات لا تعد ولا تحصى!

الماء لم يكن وفيّاً مع الأهالي يوماً، لكن البعوض أبى إلا الوفاء للأهالي، وأبى إلا أن يترك في كل يد وجلد أثراً يعرف به، حتى تحولت عذاري من قرية العيون إلى قرية البعوض الوفي! عند مشارف القرية، هناك أطفال ومراهقون يلعبون ما تيسر لهم، المنظر ليس بغريب فكل الأولاد يلعبون في الطرق، لكن الغريب هو أن معظمهم يركض و«يحك« في جلده، وكأنك أمام مشهد لمدمني المخدرات الذين اعتدنا رؤيتهم في السنوات القليلة الماضية على عتبات البرادات والدكاكين وهم يفركون جلودهم بأظافرهم كأنهم يريدون اقتلاع جزء منها...

المستنقعات، والسيبان، الفئران والبعوض، مشاهد ربما تؤهل قرية عذاري إلى أن تتحول إلى موقع لحديقة حيوان جديدة، حديقة حيوان رائدة تجسد التعايش الرائع بين صنف بني آدم وبين بعض الحيوانات والقوارض والحشرات التي طالما نفر عنها البشر... لله دركم يا أهل عذاري، لقد كسرتم كل قواعد اللعبة، وضربتم مثالاً ولا أروع للتعايش السلمي، صحيح أن لديكم بعض »السنانير« الصرعى هنا وهناك، إلا أن الحياة تقتضي في النهاية موت بعض الأحياء، وعلى كل حال، فالخسائر متوقعة في كل مكان ومن يدري متى يكون الضحية!

ولدى الأهالي قصة من كوكب آخر، ففي ظهر القرية هناك الزرائب التي تعتبر الوكر الرئيسي للبعوض، وهل هناك أشهى وأحلى من لحم ثيران وتيوس لا تئن ولا »تون«، وهل هناك بيئة أكثر خصوبة من الدماء وبقايا الجيف التي ترمى عند أسوار الزرائب؟ لا أظن ذلك. ولا ندري لم لم تحرك البلدية المعنية ساكناً حتى الآن، على رغم أنها تعلم علم اليقين أن وجود الزرائب في هذه المنطقة غير شرعي، ولكن قد يكون هناك مخطط لاختبار مدى صبر أهالي عذاري الذين ربما - والله العالم - استهدفوا ليدخلوا بذلك موسوعة الأرقام القياسية!

عذاري، تلكم القرية الصغيرة التي يحتضن ترابها بضع بيوت، وتضم أناساً يعدون على أصابع اليد، هناك في هذه القرية التاريخية حيث سطر الزمن لها تاريخاً تليداً سيبقى شامخاً حتى وإن جف ماؤها، وغارت آبارها، لكنها ستبقى عذاري التاريخ، لأنها وبكل اختصار عذاري...

الأهالي يشكون من الإهمال الذي لحق بالقرية، هذا الإهمال الذي حول مجرى الماء الذي كان في يوم من الأيام نعمة على القرية، إلى نقمة لن ينساها الأهالي حتى وإن كتب لها أن تمحى من على أرضهم، لكنها لن تمحى من ذكراهم

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً