العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

انتخاب «الفقيه»

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

عادل مرزوق

أيها الإخوان: «أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزباً سياسيّاً ولا هيئة موضوعة لأغراض محدودة المقاصد، ولكنك 

ويتصف الخطاب السياسي الإسلامي بالعلو فوق السياسي، يخرج هذا الخطاب للجماهير خطاباً يفترض في محتوياته بلوغ أعلى مستويات السمو والرفعة، فالسياسة حينها لا تكون سياسة تقليدية بقدر ما هي تمثيل إجرائي للدين، وبهذا تنتقل كل توابع الدين من قداسة وسمو ورفعة ووعيد بالنار وتبشير بالجنة إلى »السياسي«، عندها لا تكون السياسة »سياسة« قدر ما تكون »ديناً«.

السياسة، هي الطارئ والمتغير. أما الدين فهو العنصر الثابت والأصل الذي تنطلق منه الأشياء. يقول مؤسس حزب التحرير الإسلامي تقي الدين النبهاني: »فلا يجوز مطلقا أن يقال الجمهورية الإسلامية، ولا يجوز أن يقال إن الإسلام نظام جمهوري؛ لوجود التناقض بينهما في الأساس الذي يقوم عليه كل منهما؛ إذ أساس النظام الجمهوري أن السيادة للشعب، والنظام الإسلامي يجعل السيادة للشرع لا للشعب ولوجود الخلاف بينهما في التفاصيل«.

الإسلاميون لا يعتبرون الخيار الانتخابي خياراً سياسياً صرفاً، أحد الشواهد في البحرين كانت في إحدى ورش الجاهزية للانتخابات في صحيفة »الوسط«، إذ تمت استضافة الشيخ عادل المعاودة، وكان مما صرح به »لا أشارك في الانتخابات عن قناعة بها، بل لدرء مفسدة أكبر«. وعليه كان خطاب المعاودة وغيره من رجال الدين شيعة وسنة يصب في أن التيارات الإسلامية لا تدخل الانتخابات عن قناعة، بقدر ما تمارس هذه النظم العقائدية عبر الانتخابات دورها المرحلي الطارئ.

يقول المرجع الشيعي فضل الله »الفقيه قد يرى ان من المصلحة أن يستشير الناس في القضايا المتعلقة بحياتهم، فربما يجد في آرائهم ما يجعله يكشف عناصر القضية التي يريد أن يتحرك فيها، لأن المسألة التي تتصل بحياة الناس، من الطبيعي أن يؤخذ رأي الناس فيها. ولذلك اعتبر الإسلام الشورى عنواناً للمجتمع المسلم، حتى إنه أراد من النبي (ص) الذي لا يحتاج إلى مشاورة أحد، أن يشاور الناس ثم يحكم بما يراه. ولهذا فإن ولاية الفقيه لا تعني أن يكون الفقيه الإنسان الذي يتحرك من خلال ذاتياته من أجل أفكاره، بل قد يكون الانتخاب أو الاستفتاء وسيلة من وسائل استشارة الناس بما يتعلق بأمورهم، ويبقى له الرأي الأخير بعد كل ذلك«.

يخلص فضل الله إلى أن فعل »المشاورة« - وهو دلالة فعل »السياسي« عبر الانتخابات - لا يمتلك فاعلية الإلزامية على رجل الدين، فهو - العارف بمصلحة الناس الحقيقية - غير مكلف باتباع ما يختاره الناس، ويبقى له الرأي الأخير بعد استشارة الناس في أمورهم.

هل تعني هذه المقولة أن التيارات الإسلامية لا تؤمن بالخيار الانتخابي في المطلق، نقول لا... فالكثير منها خلص إلى توفيق ومصالحة النص الديني، وبالتالي تطويعه لتبرير هذا الاندماج على اختلاف مستوياته من تجربة إلى أخرى، ومن مؤسسة دينية إلى أخرى.

هذا التبرير صنع واقعاً سياسيّاً جديداً في المنطقة بأسرها وليس في البحرين وحسب، التي شهدت انتخاباتها لـ 1973 مشاركة فاعلة من قبل شتى التيارات الإسلامية.

يرى الكاتب المغربي بنعيسى الدمني أن »الأنظمة الحاكمة والجماعات العلمانية ظلت تجادل الإسلاميين إلى اليوم بشأن مدى مشروعية الجمع بين الصفة الدينية والصفة السياسية«، وأن »أغلب الحركات الإسلامية قد تجاوزت هذا الجدل، بعد أن ترسخ لديها اقتناع بأن العمل السياسي، بما يقتضيه من انتظام حزبي، وانخراط في الانتخابات العامة، هو جزء أصيل من رسالتها الشاملة، وأنه هو المدخل الضروري إلى إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية على جميع المستويات«.

لابد من الإقرار ضمنيا أن التيارات الإسلامية وعلى كامل البقعة الإسلامية عبر مساهماتها في حركات التحرر الوطني والإصلاح السياسي الداخلي كانت قد اكتسبت الكثير من الخبرات السياسية، وهو ما أدى كما يذهب بنعيسى الدمني إلى »دخول مرحلة جديدة من العمل السياسي بالوسائل السلمية والقانونية وفق قواعد تعدد الأحزاب، من أجل تنشيط المجتمع المدني، والإسهام بمعية بقية الأطراف المؤمنة بضرورة التغيير الديمقراطي، في إصلاح ما فسد من أوضاع الحكم، وانتزاع ما أمكن من مكاسب لفائدة الحريات العامة وحقوق الإنسان. وقد مثل ذلك تطوراً تاريخيّاً مهمّاً«.

تاريخياً، كانت التيارات الإسلامية تتمركز حول فكرة »المفاصلة«، التي كانت ترتكز على إلغاء الآخر وفصله وقطعه من التنافسية السياسية، فحاكمية الدين - الدين وحده - هي الحاكمية الشرعية الوجود فقط.

لكن هذه التيارات باتت تدرك نجاعة خيار »المشاركة السياسية« بعد ذلك، وفي الحقيقة لم تعد التيارات الإسلامية تتصرف بحديتها المعهودة تجاه مفاهيم سياسية كانت تكفر بها، وتكفر بمروجيها.

أصبح خطاب الجماعات الدينية يرتكز على مفردات كانت خارج إطاره النظري، فراجت قيم »الديمقراطية«، »المواطنة«، »المجتمع المدني«، »سلطة الشعب«، »الحرية«. وعلى رغم انها - التيارات الإسلامية كافة - كانت ومازالت تحتفظ لنفسها بأحقية التفرد في تأويل هذه المفاهيم كما تشتهي فإنها استطاعت الولوج في العملية الاتصالية مع الآخر.

سنتجاوز - متعمدين ذلك - تلك الأطر في التجديد المفاهيمي داخل الفكر الإسلامي، والتي صنعت من المعرفة الدينية معرفة سياسية تواصلية بالدرجة الأولى، كما سنتجاوز آلية الاتصال السياسي في الأحزاب الإسلامية والتي تلعب دور »الكابح« الذي يمسكها من أن تدخل في المفهوم الحزبي بتأصيلية أدق، يحضرني تحديداً في هذا السياق المؤتمر العام لجمعية »الوفاق« حين تم التصويت على دستور الوفاق الداخلي، كيف أن الأمين العام للجمعية الشيخ علي سلمان أقحم رأي العلماء حين تختلف مؤسسات الوفاق التنظيمية على طارئ سياسي ما، الأمين العام للوفاق أشار يومها إلى الاحتكام إلى رأي العلماء على رغم ان النظام الداخلي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية محكم الإغلاق نسبيا، ويستطيع أن يصنع قراره منفردا من دون الحاجة إلى العلماء.

أقول هذا، من باب الدلالة على ان النظم الإسلامية حينما تمارس التحزب السياسي هي لا تخرج في المطلق عن تلك الدائرة »العقائدية« التي بينت أنها المهيمن والمسيطر منذ بدء هذا المقال، وهو ما يخلق خرقا للعملية الحزبية والعقائدية على حد سواء.

محاذير الفقه الانتخابي

الديمقراطية، وتمثل في أدق تعريفاتها ديكتاتورية »الأكثرية«، لا تمثل »الشرعية« وفق الفهم الإسلامي، وعليه، تبقى الوفاق والإسلامية والمنبر الإسلامي والأصالة والعمل الإسلامي نظماً عاجزة عن الوصول إلى حال الرضا الديمقراطي، إذ تقتضي سلسلة مفاهيمها أن لا ترى »الأكثرية« مهما كانت ظروف تشكلها إلا انحرافاً عن الحق، فالحق هو حق »إلهي« لا حق »إنساني« أصلاً.

يقول فضل الله: »ولهذا فإنَّنا كمسلمين نرفض الدِّيمقراطية من النَّاحية النَّظرية، باعتبار أنَّها تُمثِّل الشَّرعية من خلال فكرة أنَّ الأكثرية تُعطي الشَّرعية للخطّ وللفكرة وللسياسة وللقانون وما إلى ذلك. في الوقت الذي نعرف أنَّ الشَّرعيّة الإسلاميّة في كلِّ مواقعها تنطلق من وحي الله سبحانه وتعالى وكلام نبيّه فيما نفهمه من وحي الله وسنَّة نبيّه«.

ستسعى الجمعيات الإسلامية خلال الانتخابات إلى ترويج مفهوم »البيعة«، ستسعى - وتلك منطقة القوة فيها - إلى فقهنة الانتخابات، سيواجه المترشحون العلمانيون سنة وشيعة ترسانة من الخطابات الدينية التي تؤصل فقهية العمل الانتخابي، وسيكون من الصعب على هؤلاء أن يقاوموا فقهنة الانتخابات فضلاً عن مواجهة مترشحي الجمعيات الإسلامية نفسها.

الكثير من الشواهد التاريخية في البحرين أعطت دلالات وفتاوى دينية واضحة عن حرمة التصويت للعلمانيين والشيوعيين، وقرأنا غير مرة من المرات »يحرم التصويت للشيوعيين«، وتنتشر هذه الفتاوى بين الشيعة خصوصاً، بينما تنتشر في البنية الاجتماعية السنية دعاوى تحريم ترشيح المرأة.

المرشح الإسلامي والمال السياسي

لا تورد الأحكام الفقهية الإسلامية مواصفات ثابتة للمرشح الإسلامي الأمثل، لكنها تؤكد ضرورة التأكد من وجودها في أكثر من نص، يقول فضل الله »كلّ هذا شريطة أن يجد هذا المرشَّح في نفسه الأهليّة القانونيّة والشَّرعيّة والقدرة على إرضاء الله في تسلّمه لهذا المنصب«.

لكن فضل الله لا يحدد في بحوثه صفة هذه الأهلية »الشرعية«، على شاكلة الشروط المدرجة في إمام الجماعة أو إمام الجمعة؟!!، هذا السياق يوضح أن فضل الله يعطي العملية الانتخابية طابعها الديني والفقهي، صحيح أنه لا يستكمل جميع شروط الترشح الفقهية، لكنه يجعلها قابلة للتمركز من قبل رجال الدين من تجربة إلى أخرى، وهي في هذا السياق أكثر ديناميكية وقدرة على تقويض الفرص العلمانية في التجارب السياسية الإسلامية.

الكثير من المعلقين السياسيين والحقوقيين هاجموا المال السياسي في الانتخابات، وكان من سلسلة هذه الانتقادات هو اتهام الجماعات العلمانية وطبقة رجال الأعمال وحدهم باللجوء إلى مثل هذه الوسائل.

يقول أحد رجال الدين معلقاً على بذل المال في الانتخابات: »من ناحية الحكم الفقهي، إذا كان المرشح يملك الكفاءة ويُحبّ أن يحمي النَّاس من الخضوع لإغراء أُناس آخرين، فلا يحرم عليه بذل المال لمؤيديه ليقوّي علاقتهم به، وكان المال حلالاً وكان انتخابه حلالاً، فليست هناك مشكلة شرعيّة«.

الجمعيات الإسلامية في الاستحقاق الانتخابي القادم هي أمام خيارات محددة، فإما أن تكون المشاركة بهدف الاكتساح التام والسيطرة على المجلس النيابي، وهو حق مشروع لأي منظومة حزبية، أو أن تكون المشاركة بهدف التقاسم السياسي في صناعة القرار الوطني، أي أن يكون الهدف تشاركياً، لا اقصائياً أو مغالباً بالأساس.

قد يقول البعض: هذا امر لا يستحق البحث او حتى التوقف، فالجميع يشاركون اليوم لا بأمل السيطرة على تمام المجلس النيابي بل بغرض التشارك السياسي. الذي يهم في هذه النقطة تحديداً هو إدراك قيمة التشارك الانتخابي، وصولاً إلى صوغ أهداف ما بعد الانتخابات، والتي ترتبط بمفهوم التشارك لا السيطرة على القرار النيابي بكامله

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً