العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

في ذكرى حرب رمضان... وتداعياتها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل 33 سنة وقعت حرب رمضان. آنذاك في العام 1973 كان الوضع العربي الرسمي في حال قلق ويدور في حلقة مفرغة بين اللاحرب واللاسلم. فالدول العربية غير قادرة على رد الهزيمة التي تلقتها في حرب يونيو/ حزيران 1967 ولم تملك الموقع الذي يسمح لها بالتفاوض. الكيان الصهيوني كان في حال من النشوة يتبجح بتفوقه العسكري على جميع دول الجامعة العربية ويرفض الرد على كل نداءات التسوية أو التفاهم على آلية لتنفيذ القرار الدولي 242.

آنذاك وصلت ثقة الشارع العربي بانظمته الى درجات متدنية وكان يتعامل بسخرية من كل كلام رسمي يشير الى احتمال وقوع الحرب. كذلك تعاطت تل أبيب بكل حديث عربي عن الحرب باستخفاف مشيرة الى أنها هزمت ثلاثة جيوش في أقل من أسبوع واستولت على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان من دون خسائر تذكر.

لم يعد أمام الانظمة العربية من خيار آخر سوى الحرب بعد ان اقفلت تل ابيب كل طرقات التسوية معتبرة أنها استولت على الاراضي الفلسطينية والعربية بالقوة ومن يريد ردها عليه ان يلجأ الى القوة. وهذا ما سبق وردده الرئيس جمال عبد الناصر في خطاب الاعتراف بالفشل وعزمه على الاستقالة. فالرئيس المصري ذكر »أن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة«، وان من يخسر معركة لا يعني انه خسر الحرب.

رحل عبدالناصر قبل ان يحقق أمنيته في العام 1970 وجاء أنور السادات إلى مكانه في سدة الرئاسة. بدأ السادات عهده بصعوبات وعقبات داخلية بسبب مراكز القوى ودورها في تعطيل القرارات والاختيارات.

إلا أن السادات نجح في إدارة اللعبة سياسياً وعرف كيف يتعامل مع موازين القوى الدولية وأخذ بإعادة استكمال خطة بناء القوات المسلحة التي بدأها عبدالناصر. واستفاد السادات من حاجة الشارع العربي إلى انتصار يهز تلك الاسطورة و«الجيش الذي لا يقهر«.

درس السادات كل الاحتمالات وتفاهم مع الرئيس السوري حافظ الأسد على خيار الحرب وخطط معه ونسق كل الخطوات واتفق مع دمشق على التفصيلات بما فيها توقيت الطلقة الأولى.

وهكذا كان. فبعد ظهر السادس من أكتوبر/ تشرين الأول وقبل ساعات من الإفطار اندلعت الحرب التي اعتبرت بمقاييس ذاك الزمن الأهم والأعنف والأقوى والأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت نتيجتها المباشرة سقوط هيبة »إسرائيل« دولياً وعربياً وتحطيم اسطورة »الجيش الذي لا يقهر«. إذ في الساعات الأولى من الهجوم العربي سقطت دفاعات الجيش الصهيوني في الجولان وعبر الجيش المصري قناة السويس واخترق الحاجز الرملي (خط بارليف) على الضفة الشرقية.

نجح الهجوم العربي في تسجيل انتصارات عسكرية كاسحة ودارت معارك بالمدفعية والصواريخ في الجولان والمدرعات (الدبابات) في سيناء اعتبرت بحسب دراسات المعاهد الاستراتيجية الأوسع والاكثف في تاريخ الحروب نظراً إلى قصر المسافة وضيق الجغرافيا، إذ بلغ تعداد المدرعات المتحاربة في جبهة سيناء وحدها نحو أربعة آلاف آلية.

وبسبب التفوق العربي الميداني تدخلت الولايات المتحدة في المعركة فأرسلت أحدث الطائرات والدبابات والصواريخ إلى »إسرائيل« وارفقت مساعداتها العسكرية بمعلومات التقطتها الأقمار الاصطناعية التي حددت مواقع الجيش السوري والمصري ونقاط القوة والضعف في جبهات القتال. وهكذا بدأ التوازن ينقلب وأخذت تل أبيب تستعيد زمام المبادرة نسبياً، ولكنها لم تنجح في كسر موازين القوى لمصلحتها. فالثبات والصمود والحماس والخوف من تكرار الفشل كلها عوامل لعبت دورها في الحد من تغيير المعادلة. هكذا انتهت الحرب الكبرى إلى نوع من »التوازن السلبي«. فالكيان الصهيوني اعترف بتلك الصفعة الاستراتيجية التي تلقاها في الأيام الأولى لكنه لم يعترف بالهزيمة. والدول العربية اعتبرت نفسها منتصرة نسبياً وقياساً بتلك الهزيمة التي تعرضت لها جيوشها في حرب 1967.

لا غالب ولا مغلوب

حتى الآن لم يحسم النقاش. فكل طرف يملك وجهة نظر قوية بشأن تقييمه للحرب. كذلك لم تحسم مراكز الدراسات الاستراتيجية نتائج الحرب ولاتزال في موقع وسط إذ تؤكد أن »إسرائيل« فقدت تلك السمعة الاسطورية واكتسب العرب ثقتهم بقدراتهم التي أصيبت بكارثة معنوية في يونيو 1967.

وبسبب الاختلاف على قراءة عناصر »الهزيمة« و«الانتصار« ظهرت ردود فعل متفاوته في تقييم النتيجة. فالرئيس السادات اعتبر أن مصر ربحت الحرب وبات عليها أن توظف نتائجها السياسية من خلال فتح باب التفاوض لتطبيق القرار الدولي 242 الذي تعزز بقرار آخر حمل الرقم 338. والرئيس الأسد اعتبر أن سورية ربحت معركة ولم تربح الحرب وبالتالي عليها أن تطور جاهزيتها العسكرية لخوض مواجهات أخرى. و«إسرائيل« اعتبرت نفسها أنها لم تنتصر ولكنها نجحت في افشال مخطط الهجوم العربي. وفي هذا المعنى تم تحليل النتائج في سياقين صهيونيين الأول إيجابي فهي عسكرياً لم تهزم والثاني أقرت بوجود »تقصير« أو أهمال في المعلومات وعدم أخذ القوة العربية جدياً في الاعتبار. وعلى هذا أقدمت تل أبيب على تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب »التقصير« لمنع تكرار المسألة في دورة مقبلة من المواجهة المنتظرة مع جيل آخر في الشارع العربي.

ردود الفعل المتخالفة في تقييم نتائج الحرب ومسارها تكشف في النهاية عن تفاوت »العقلية« التي تتحكم بالقرارات والوظائف المرجوة سياسياً من المواجهة العسكرية. تل أبيب لم تغرق في الشعارات الحماسية وانما بذلت جهدها للاستفادة من التجربة وتقييمها موضوعياً في دائرة مختصة تحاول قدر الإمكان دراسة الحرب من كل جوانبها بهدف تطوير القدرات وتحسين الاستعدادات تحسباً للمستقبل. بينما الدول العربية وجدت في الحرب خطوة كافية للثأر وتوجيه رسالة للعدو بان العرب خسروا فعلاً معركة ولم يخسروا الحرب وان ما أُخذ بالقوة يمكن استرداده بالقوة.

اقتصر الموقف العربي على الجانب المعنوي بسبب حاجة الشارع إلى نوع من الانتصار يرفع عنه تلك البهدلة والاهانات التي تلقاها من »الدويلة الصهيونية« في حرب لم تصمد بها الأمة أكثر من أسبوع. وبسبب ظروف المرحلة وضغوطها النفسية بدأت الدول العربية تخسر إيجابيات حرب رمضان وأخذت تثمر نتائج سياسية معاكسة للانتصار العسكري.

المفاجأة الغريبة في أوجه المقارنة هي أن هزيمة يونيو وحدت الدول العربية وجمعتهم في قمة الخرطوم على موقف سياسي موحد. بينما أدى انتصار رمضان إلى تفريق الدول العربية وتشتيت شملها وذهاب كل فريق في اتجاه مغاير. وأسوأ ما حصل في نهاية رمضان هو افتراق مصر عن سورية وانهيار التحالف الثنائي بسبب اختلاف قراءة دمشق عن قراءة القاهرة.

هذا الاهتزاز في الجبهة العربية الموحدة أسهم في توليد تداعيات سلبية سمحت لـ »إسرائيل« لاحقاً الادعاء بأنها خسرت المعركة عسكرياً وكسبتها سياسياً بسبب نجاحها في زعزعة التضامن العربي وتشتيت الجامعة ونقل مؤسساتها من مصر إلى تونس.

لم تقتصر الخلافات السياسية على جانب العلاقات بين مصر (مركز الثقل) والدول العربية وانما اندفعت تلك الانقسامات إلى الداخل حين قام السادات بتوظيف الحرب في تصفية حساباته مع خصومه في النظام (مراكز القوى) والمعارضة فشن سلسلة حملات مضادة أسفرت عن اعتقال آلاف الناس وزجهم في السجون.

مع الأيام بدأ الشارع العربي ينسى حرب رمضان وأخذ الانتصار يبهت مع مرور الوقت بسبب ضياع الموضوع وتمزقه إلى روافد سياسية توظفت في معارك داخلية لتثبيت مواقع وازاحة خصوم والتخلص من كل الرموز السابقة. بعدها انتقل الشارع العربي إلى التشكيك في الحرب وأخذت الأقلام تتحدث عن معركة مفتعلة ومنظمة ومرتبة مع الولايات المتحدة بقصد فتح باب التفاوض مع »إسرائيل«. وفي حال العودة إلى المقالات والتحليلات التي نشرت في السنوات التي اعقبت حرب رمضان المجيدة نجد الكثير من تلك الدراسات والبحوث التي تشدد على مقولة »حرب تحريك لا حرب تحرير«. أي أن الحرب كانت مدروسة في أسبابها ونتائجها حتى تعطي ذريعة للسادات لوقف الكلام عن فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني والانتقال في خطابه إلى الداخل لتصفية حساباته مع التيار الناصري والمعارضة وضرب القطاع العام والمكتسبات »الاشتراكية« ونقل مصر من المعسكر »السوفياتي« إلى المعسكر الأميركي... وبالتالي شق الصف العربي واضعاف التضامن من خلال عزل »الثقل المركزي« كقطب جاذب للأطراف وترك دول الجامعة تتخبط في مصيرها المشترك.

مضت الآن 33 سنة على حرب رمضان ولايزال النقاش في الجانب العربي يراوح مكانه في قراءة عناصر الانتصار وأسباب الهزيمة السياسية التي تلتها بينما الجانب الصهيوني نجح في تشكيل لجنة تحقيق في »التقصير« في محاولة منه للاستفادة من السلبيات ومنع تكرارها وتطوير الإيجابيات لمنع الدول العربية من خوض حرب أخرى على غرار ما حصل في رمضان. فرمضان شكل لتل أبيب نقطة مفارقة في تاريخ »إسرائيل« العسكري بينما تحول بالنسبة إلى الشارع العربي إلى ذكرى انتصار يتردد في الاحتفال به

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً