العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

شيكات سياسية من دون أدنى رصيد!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الحوادث المتعاقبة بعد فضيحة بجلاجل، إلى فضيحة بزلازل، تحث المراقبين والراصدين، أكانوا من داخل فوهة المجتمع البحريني الذي بات وللأسف يغلي بكل أشكال الانصهارات والاحتقانات الطائفية والفئوية السياسية، أم من خارجه، أم من داخله الذي يستقوي بخارجه، وأكان معارضاً عميلاً أم موالياً ومتملصاً أصيلاً، تستدعي وتحرض بقوة على طرح المزيد من التساؤلات التي ستحوم حول وجود حقيقي، وتؤسس وتمأسس وتمترس لـ مجتمع مدني بحريني، بكل ما في الكلمة من معنى.

كما هي تدفع إلى التساؤل بشأن ما نعايشه مما يرتفع عن سقف الأهلية التابعة، في نطاق ما يرسم لها من تحركات واصطفافات وتصادمات، محكومة بحصار مصادر التمويل والتحويل والتقصير والتطويل في أذرعة الحرية والحوار، وإن كنا لا ننكر وجود تحركات مدنية إيجابية، تتجه نحو استقلالية، ولو كانت نسبية!

فهل سيكون ملائماً جداً أن تؤخذ على محمل الجد أسئلة كبرى بشأن مدى تقدير فاعلية المجتمع البحريني المدني، ومدى تحقيقه للشروط الفعلية المفهومية لاصطلاح المجتمع المدني أولاً، قبل أن يبتدع ويطور له مجالات أخرى مستجدة للبذل والعطاء والتفاعل البناء؟

وذلك حينما تعجز على سبيل المثال مجموعة لا حصر لها من المنظمات السلمية المدنية، وفقاً لمنظومة من التشريعات والقواعد التنظيمية، عن حماية مواطنة بحرينية ألمت بها ظروف طارئة وصعبة، جعلتها لوحدها طريدة في مواجهة استئساد الدولة وافتراسها، من دون كلمة اعتراض ومبادرة حماية، هل يحق لنا حينئذٍ أن نسلم على الأقل بوجود مجتمع مدني حقيقي ينهض بأدواره التحشيدية والتجميعية التطوعية بما له على الأقل من سلطة استقلال ذاتي واعتباري عن شبق الهيمنة والتحريك والاستفراد الدولاتي، وعلى وجه التخصيص وللمزيد من التحديد والإنصاف بعيداً عن الهيمنة الفردية المحدودة، عسى أن تمنح له نوع من المناورة الجدلية والمناوشة النقدية المتابعة والهادفة؟!

للأسف قد تأتي هذه الأسئلة الكبرى، والتي نرجو أن لا تتسبب بأي نوع من الإحراج، في لحظة بات مجدياً لنا أن نسميها ونسمو بنقدها لحظة العجائب، تلك اللحظة التي لها أناسها وأفرادها، وأجسامها وطفيلياتها، والتي نما فيها بال وباع الدخيل، والطفيلي الشاذ على عالم لا السياسة والمدنية وإنما التحضر وسابقه الحضور الوطني، أي جماعات وعصابات الغونغو، على حساب وضع الجسم الحي والحقيقي الذي يؤدي وظائفه وأدواره الطبيعية على أتم وجه.

تلك الجماعات التي وإلى الآن استبدت عسفاً وبغياً عن جهة منشئها ومصدرها لغرض التشويش والمضايقة والإعاقة لا أكثر ولا أقل! ويرجع الفضل لتلك الجماعات والأفراد الذين لم يكلوا ويملوا من التمادي في ممارسة مهنتهم، ومصدر رزقهم المحبب، وفعل مجدهم الذي يحاكي ويعيد إنتاج ماضيهم التليد في الاحتيال البليد، بأكثر من سيناريو وإنتاج سينمائي رديء لم يعد ينطلي على الجميع!

ويعود الإحسان لتلك المهنة، ولو كانت في أبهى صورها ارتزاقاً، أو قل الرزية والتهمة التي أدمن إنتاجها بعض من يحسب للأسف على أنهم نشطاء سياسيون، والتي هي وللأسف جناية إصدار جنوني لشيكات سياسية من دون أدنى رصيد سياسي ووطني وحضاري وإنساني، بشكل صاخب على بياض الورق الذي عرفه واعتاده الجميع، ومن دون أدنى مبالاة باحتراق هذا الوجه السميك المعجز، الذي نفر كالفطر الأغبر (تشبيه مجازي)، بعد وابل من الصدمات والفضائح، دونما أن يغسله أدنى حياء وطني وإنساني وأدبي!

انتقل للأسف العمل المدني والسياسي من صورته النضالية والتوحدية والاندماجية خلف أهداف وقيم سامية ومسماة حقيقية، كما كان في حقبة خالدة من حقب التاريخ الوطني، إلى حفلات كعك وشاي، وإصدار بيانات باهتة بالـبيزة، وزيارات تملص، وتسلق خنفسائي مثابر لعتبات مجالس كبار المسئولين والمحافظين، ولو كانت النتيجة اللاحقة شر طردة، واتباعاً لخطى وتحركات ورغبات الدولة، لا كزهرة عباد الشمس، وإنما كفطر عباد العملة والدينار، إلى إشعال لحرائق أبطالها الفاعلون هما رقية وسبيكة من خارج الفريج، وذلك بفضل هؤلاء وأمثالهم من مافيات الغونغو، وفدائيي سبحانية الحذاء، ومساحي الأتربة عن أقدام الفيلة وملتقطي فتات الوليمة من أفواه الخراتيت!

وابتذل سلوكه وامهقت مفاهيمه وقيمه، وأعني العمل السياسي الوطني، نتيجة أعداد الطفيليين المتنامية والمتوالدة، لا عن وجود حراك سياسي ومدني نشط وفعال بفعل وعي تراكمي حقيقي، وإنما عن تكاثر وتناسل فيما يشبه الانسلال الاصطناعي والزائف، بفعل فاعل خارجي من الأعلى خارج عن إرادة ورغبة، أو حتى فائض رغوة مجتمعية ملموسة، أو هو بالأحرى أشبه ما يكون بزيادة اطرادية غير طبيعية في إفراز الخلايا السياسية والاجتماعية بالجسم المجتمعي، أي ما يشبه السرطان الخبيث (وقانا الله وإياكم)!

لنظل محاصرين بمرأى جمعيات وتجمعات حركات وصرعات تتوالد باسم وبفضل قيم وقواعد ما تنفك إلا والانقلاب عليها أوتوماتيكياً لتنهشها، ومنها جمعيات تتكون بفعل الديمقراطية، وسرعان ما تشن عليها حربها الشعواء وتحرض وتشد أزر أصحاب العضلات التوتاليتارية للإحكام على أنفاس هوامش الحريات السنفورية المتاحة!

وصحافة مجهولة الهوية واللون والمصدر كـ بنت الفقاعة تدعو في يوم وليلة إلى عدم تسييس الصحافة، وربما استئصال كل جرثومة سياسية منها بهدف تطهيرها، حتى تكون أنظف من الصيني بعد غسيله بسائل التنظيف (...)، على رغم كون المسمى العرفي الدارج هو صحيفة يومية سياسية جامعة وكل بحسب اختصاصه (معاً لديمقراطية بلا ديمقراطية ولسياسة بدون سياسة)!

من كان يحسب بفضل الجهود التخريبية للمجتمع المدني الممولة والمدعومة بإسفاف، في ظل غياب الرقيب الشرعي، إلا من رحم ربي من أصحاب الضمائر الآيلة للسقوط، من أن ساحة السياسة، والتي ربما كانت ولاتزال مسرحاً، تضج فيه الحوادث والشخوص، والصراعات والتنافسيات التمثيلية، في زمان ومكان وربما بإخراج وإسناد واحد، قد تردت عن مستواها ذاك، لتدخل في طور المسرح التجاري والاستهلاكي الاصطناعي الذي لا يراد منه إلا شحاذة الإضحاك/التبكية، والتسلية السخيفة، والدعاية الرخيصة بغرض جني أكبر عدد من مقادير الأرباح؟!

من كان يحسب بأن يتجرد السلوك السياسي من جميع مساوماته واعتذاراته وفنونه الدبلوماتيكية، ومبدئياته التوفيقية ليقتصر على الانتهازية والنفعية لوحدهما، بعد أن تجرد من صفة البذل التي جعلت منه عملاً، وبعد أن انسلخ من جلدته لا لحمته الوطنية؟!

من كان يظن أن تصبح البيانات الباهتة، والتصريحات المدفوعة الأجر، وإشعال الحرائق خفية في المنارات الوطنية لهذا البلد، والتلميعات الاصطناعية - الإعلامية غالباً - التي أفضت إلى نتائج تصدئة أكثر سوءًا، قد أصبحت موضة قديمة، لتصبح موضة اليوم هي إطلاق التهديدات والتوعدات والتنجيمات بعد أن زادت الكهرباء عن حدها بفعل الرطوبة الخانقة، وربما تلبية لروح الغابة، ومنطق الشركة لا الشراكة؟!

من كان يعلم بأن تُضَيَقْ ساحات العمل السياسي بكل أنواعه على خناق النخب الفكرية النيرة، والشباب الحي الجاد والمثابر بشتى توجهاته، لتوسع أمام رواسب الفشل والتردي، أمام فاشل في عالم الرياضة، وفاشل في عالم السياسة والتياسة، إلى فاشل في كينونة الفشل؟!

لا تتوقعوا أصحابنا الكرام، ومنهم أنتم يا مافيات الغونغو، في أن تتحقق استحقاقاتنا الديمقراطية الوطنية العاجلة من دون أن يتم سداد قروض الإصلاح المؤجلة في بنوك ومصارف، نخشى أن تُسْتَخْرَج قسراً في المستقبل القريب، على حساب سلامة وعافية أوطاننا ومواطنينا المرهونة بتأديتها!

ولا تتوقعوا يا أحبابنا وفناء بيتنا العود العامر، يا أصحاب العزة المصونة، والمهابة المحفوظة، والمكانة الكريمة أنكم تحسنون صنعاً، حينما تبددون وتبذرون خيرات ووفورات الوطن والمواطنين، على مثل هذا السُحْت البالي، بدلاً من ترميم الشراكة التاريخية مع المجتمع ومنظماته المدنية وتنظيماته الأهلية، والتي يكون فيها محض تعاقد واتفاق وتنسيق لسعي مشترك نحو هدف وقيمة ومبدأ وطني عام، لا توطيد شراكة التابع والمتبوع والصائع والمنصاع

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً