للمرة الثانية على التوالي تحتل تونس المرتبة الأولى في التنافسية الاقتصادية في إفريقيا والعالم الغربي، والموقع الثلاثين على المستوى العالمي بحسب التقرير العالمي 6002، الصادر في 82 سبتمبر/ أيلول الماضي عن »المنتدى الاقتصادي العالمي - دافوس«. ما هي العوامل التي أوصلت هذا البلد الصغير الذي لا يملك ثروات نفطية وغازية على غرار جارتيه، الجزائر وليبيا إلى تحقيق مثل هذا الانجاز.
أجمع مختلف الاقتصاديين الذين التقوا يومي 92 و03 من الشهر الماضي في مدينة مرسيليا الفرنسية في إطار برنامج »يورد - ميد« لمناقشة كيفية »تنمية الشركات في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط« على تأكيد أن الشركات التونسية تثبت يوماً بعد يوم قدرتها التنافسية من خلال حسن إداراتها في مجالات عدة، فهذه الشهادة جاءت لتجدد الثقة في اقتصاد يشهد منذ أكثر من عقد نمواً ثابتاً ومتوازناً، في هذا السياق يشير التقرير الصادر عن العام 7002 الذي أعده المصرف الأوروبي للاستثمار الشراكة اليورو - متوسطية إلى قدرة مواجهة الاقتصاد التونسي للكثير من الصدمات، كارتفاع أسعار النفط، المنافسة الكاسحة للصين في ميدان صناعة النسيج والملبوسات الجاهزة، والتضييق من قبل الاتحاد الأوروبي على الصادرات الزراعية لدول المغرب العربي، الدليل على ذلك بقاء معدل النمو مقارنة بنتائج الدخل القومي الاجمالي في حدود 5 في المئة منذ العام 2991. من جهة أخرى، بداية هذا القرن زاد دخل المواطن التونسي بنسبة 2.13 في المئة كي يصل إلى حدود 0887 دولاراً. ما سمح بتحقيق الهدف المحدد في الخطة الخمسية الأخيرة للتنمية، كما ساهم في رفع مستوى المعيشة كي يجاور الدول ذات الدخل المنخفض في إطار »منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية«، مثل تركيا وبولندا والمكسيك. وتفيد التقارير في هذا الصدد أن دخل الفرد التونسي تجاوز منذ العام 1002 مستواه في تركيا، بالإضافة إلى أن تراكم النمو كان أسرع في تونس منه في البلدان الثلاث المذكورة.
صدقية وحسن أداء
يتضح من تقرير »المنتدى الاقتصادي العالمي« أن تونس سجلت تقدماً بسبع نقاط مقارنة مع 5002 بحيث انتقلت من المرتبة الـ 73 إلى الـ 03 في ميدان التنافسية الاقتصادية، وتعود هذه الفقرة وفقاً لرأي الخبراء الذين أعدوا هذا التقرير إلى التقدم الملحوظ على الصعيد المؤسساتي. بذلك، تمكنت تونس من الوجود قبل عشرين حملة تابعة لمنطقة اليورد مثل البرتغال التي احتلت المرتبة الـ 43، وسلوفاكيا (73) ومالطا (93)، وإيطاليا (24) واليونان (74). أما علي مستوى التنافسية بين دول المغرب العربي الخمس، فيمكن القول إن تونس وسعت الفجوة القائمة بتقدمها عليها بعد أن احتلت الجزائر الرتبة الـ 67 والمغرب الـ 07 من جهتها، تراجعت مصر كي تصل إلى 280 وعلى صعيد العالم العربي المشرقي، تقدمت تونس على الدول الغنية مثل الإمارات العربية المتحدة التي تحتل الموقع الـ 23 وقطر (83) والكويت (44) والبحرين (94). وعلى المستوى العالمي، سبقت تونس الصين التي بقيت في حدود المرتبة الـ 45 وروسيا (25) والهند (34) والبرازيل (66).
فهذا التمايز استحق تقدير الاقتصاديين الغربيين وخصوصاً أن الأمر يتعلق بـ 521 بلداً مقابل 511 في السنة الماضية؛ وأن مقاييس التقدير طبقت بصرامة بهدف استبعاد كل الالبتاسات والجوانب الأخرى التي من شأنها إثارة الشكوك لناحية صدقية الأرقام.
ويعتبر تقرير »المنتدى الاقتصادي العالمي« لناحية التنافسية الاقتصادية مرجعاً من حيث استقلالية وصدقية ودقة التحليل والمعلومات بالنسبة لعالم الأعمال والمال، وخصوصاً أنه يُعد سنوياً هذا الترتيب على قاعدة المؤشرات العامة ونوعية البيئة المتعلقة بالاقتصاد العالمي. ويأخذ التقرير أيضاً في الاعتبار الوضع السياسي والاقتصادي والمالي للبلد المعني، اضافة وضعية المؤسسات فيه، ومعدل النمو، وسياسة القطع، ومعدل الفوائد المطبقة؛ كذلك تشخيص حال البنيات التحتية، ونوعية التعليم والتربية ومناخ الاستثمار والسيطرة على الجديد في تكنولوجيا المعلومات والاتصال. ويشار في هذا الإطار، إلى ان عدة إجراءات اتخذت في تونس لصالح تحسين وزيادة فرص العمل وتصحيح مناخ الأعمال.
ويذكر تقرير المصرف الأوروبي للاستثمار للعام 6002 أن تونس تتابع بجدية عملية تحرير اقتصادها. من جهة اخرى، يلاحظ أن تزايد حدة المنافسة الاقتصادية الجارية حالياً لابد أن تساهم بتسريع إعادة هيكلة قطاعات مختلفة كذلك دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ويشار هنا، إلى أن تونس هي الدولة العربية الأولى التي أنشأت في مارس/ آذار 5002، المصرف المختص بتمويل هذه النوعية من الشركات ما ساعدها على لعب دور في تعزيز تنافسها في إفريقيا وفي محيطها الشمال افريقي، كما أنه، بحسب خبراء »المنتدى الاقتصادي العالمي، فان التطوير الذي حصل خلال السنوات الثلاث الماضية علي صعيد تكنولوجيا المعلومات في تونس، وترسيخ »اقتصاد المعرفة« اللذين باتا من أولويات الحكم في تونس، ساهما بقوة في تحقيق التقدم الأخير الحاصل على مستوى التراتبية لناحية التنافسية الاقتصادية للعام 6002.
الجوانب المتميزة
وتحتل تونس مواقع متقدمة أخرى على الصعيد العالمي في مجالات متعددة تؤخذ في الحساب عندما يتعلق الأمر بتحديد المخاطر واعطاء النقاط من قبل المؤسسات العالمية المختصة مثل: ستاندرد أند بورز أو »موديز«. في هذا السياق، احتلت تونس الموقع الثالث لناحية القدرة على »تفادي التبذير في النفقات العامة« (بعد سنغافورة وايسلندا)، والرابع لناحية »حيازة الحكومة الأدوات التكنولوجية (بعد سنغافورة وماليزيا وتايوان واليابان)؛ والمركز الخامس على صعيد الكلفة للسياسة الزراعية (بعد نيوزلندا، زامبيا، ماليزيا واندونيسيا)، والمركز العاشر بالنسبة للدول الأقل تأثراً بظاهرة الممالأة في القرارات الداعمة للموظفين الحكوميين بعد نيوزلندا، الدنمارك، فنلنده، هولندا، سنغافورة وألمانيا والنرويج والسويد وسويسرا.
لكن تونس تأتي هنا قبل دول متطورة من بينها فرنسا والولايات المتحدة.
ومن بين التراتبية النوعية الأولى في مجالات حساسة، تحتل تونس الموقع الحادي عشر لناحية وضعية نظامها التعليمي. تحسن أداء هذا الأخير الذي يعزز قدرات البلد على الصمود في وجه الاقتصاد العالمي للمعرفة من خلال خلق رأس مال بشري وطبقة وسطى (هي الأولى في العالم العربي بنسبة 96 في المئة من القوى العاملة) قد بات من الأولويات في الاستراتيجية العامة التي حددتها تونس.
في اطار هذه الجوانب المتميزة نفسه، تحتل تونس المرتبة الـ 31 لناحية الثقة التي يتمتع بها رجال السياسة بنظر الرأي العام. هذا ما أشار إليه التقرير، مضيفاً أنها تحتل أيضاً الموقع الـ 71 بالنسبة إلى اطلاق المشروعات الاقتصادية في مهل تنافسية. وهنا يذكر »المصرف الأوروبي للاستثمار أن تونس تقدم سنوياً كامل عدد المشروعات المطلوبة منها أي بنسبة 001 في المئة، في حين يصل عدد المشروعات التي يضطلع بها المغرب إلى نسبة 07 في المئة والجزائر 23 في المئة. كما تلفت التقارير إلى أن تونس تحتل المرتبة الـ 32 ضمن الدول التي تعاني الأقل من الاختلاسات في الأمور العامة؛ والمرتبة الـ 42 لناحية أجهزة الشرطة والرتبة الـ 12 في المئة بالنسبة إلى علاقات العمل.
كل هذه المعلومات والأرقام المترافقة مع تحليل اقتصادي اجتماعي جعل من تونس نموذجاً في التنافسية الاقتصادية عربياً وافريقياً، وجعلها تحتل المرتبة الأولى بين اقرانها للسنة الثانية على التوالي
العدد 1494 - الأحد 08 أكتوبر 2006م الموافق 15 رمضان 1427هـ