العدد 1494 - الأحد 08 أكتوبر 2006م الموافق 15 رمضان 1427هـ

مشروع أميركا... والفشل المضاد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وليد نويهض

صورة أميركا شرقاً وغرباً مشوشة. فالسياسة الأميركية في حال حصار أو على الأقل انها تلاقي صعوبات في الك 

في العراق أيضاً اكتشفت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الصعوبات نفسها بما فيها صعوبة هبوط طائرتها في مطار اربيل إذ كادت أن تتحطم على المدرج حين اصطدمت بحاجز بلاستيكي. رايس هذه لاحظت في العراق ما لاحظه رامسفيلد في أفغانستان فهي اضطرت إلى أن تزور رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بعد تلك الاجتماعات التي عقدتها مع الحكومة المركزية في بغداد. فالوزيرة اكتشفت ان الدستور الذي اخترعته قوات الاحتلال أعطى صلاحيات للأقاليم أكثر من اللزوم. والأقاليم بحكم هذا الدستور الفضفاض أصبحت في موقع الأقوى مع الدولة وباتت تستطيع الأطراف أن تفرض شروطها على المركز وتهدد الكيان بالانقسام والتشطير في حال اصطدمت مصالح المحافظات والطوائف والأطياف. فالدولة التي نص عليها الدستور الفيدرالي فقدت وظيفتها التوحيدية وباتت مجرد إضافة تشرف على إدارة المراكز الاقليمية.

هذه الحال التي استقرت عليها الدولة بعد الاحتلال الأميركي للعراق أملت على رايس سلسلة خطوات منها تخصيص بارزاني في اربيل بزيارة مستقلة للبحث معه في شئون البلاد والطلب منه تقديم تنازلات للمركز حرصاً على وحدة الدولة لضمان توزيع الثروات الطبيعية بشكل متوازن ومن دون تمييز.

حرص رايس على زيارة بارزاني والتفاوض مع رئيس الإقليم وإقناعه بضرورة القبول بحاجات الدولة والمساعدة على اقتسام الثروة مع باقي المحافظات... كلها مؤشرات على علامات سيئة بدأت تظهر في مختلف المناطق وتهدد البلاد بانشطارات طائفية ومذهبية وعرقية وجهوية. والكلام عن حرب أهلية لم يعد مجرد فرضية نظرية بعد تضخم المعلومات التي تؤكد وجود حملات تصفية مذهبية في الكثير من الأحياء التي تتداخل فيها الطوائف في بغداد وغيرها من المدن والمناطق.

تعليقات رايس على الوضع المتدهور في العراق ليست بعيدة عن تصريح رامسفيلد عن فشل الولايات المتحدة في بناء ديمقراطية قوية وثابتة في أفغانستان. فالديموقراطية في العراق تعاني الاهوال وهي اذا كانت موجودة في صيغة توزيع المغانم والحصص فانها غير موجودة اطلاقاً في افغانستان التي لا توجد فيها تلك الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها بلاد الرافدين، ويمكن على أساسها تشكيل مصالح تقوم عليها مؤسسات دولة.

فشل مضاد

الكلام عن فشل أميركي في افغانستان والعراق وعن ذاك الحصار أو التراجع الدولي لسياسة الولايات المتحدة في العالم لا يعني من جانب آخر أن الأوضاع العربية والاسلامية في أحسن حال. فالفشل الاميركي لا يعني أن الدول العربية والاسلامية في طور الانتصار. والحصار الذي تعانيه سياسة البيت الأبيض في شرق آسيا وأوروبا الجنوبية وأميركا اللاتينية (الكاثوليكية) لا تعني بالضرورة أن القوى البديلة باتت في موقع القوي واصبحت قادرة على إدارة شئونها باستقلال عن هيمنة واشنطن وشروطها.

الحال العربية/ الاسلامية ليست في افضل حال من سياسة الولايات المتحدة. فأميركا خلال السنوات الخمس الماضية نجحت في تحطيم بنى الكثير من الدول والمواقع العربية والاسلامية، واستطاعت بناء على سياسة التقويض هذه أن تسهم في تشكيل مراكز قوى متنافرة يخشى أن تتجه نحو التصادم الأهلي في حال استمر التوتر الداخلي وذهب نحو الحد الأقصى من الاستقطابات.

في فلسطين مثلاً، هناك مخاوف جدية من حصول مواجهات سياسية بين حماس وفتح على خلفية المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية. فالتصريحات والتصريحات المضادة أوصلت العلاقات الداخلية الى حد الانفجار، وخصوصاً ان جسور الثقة بين الاطراف تدنت الى أسفل الدرجات. وفي لبنان أيضاً تبدو الأمور متجهة نحو فوضى أمنية أو فراغ دستوري في حال لم تستدرك القوى المعنية بالبلاد سلبيات المخاطر المتأتية عن الاستنفار الأهلي (الطائفي) والتصعيد المتبادل في وجهات النظر. وفي العراق أيضاً تتجه الأمور نحو المزيد من التفكك بعد نشوء مراكز قوى تتجاذب السلطة جنوباً وشمالاً وغرباً ووسطاً. فالبلاد الآن تعيش في ظلال التقسيم الواقعي من دون إعلان رسمي عن قيام دويلات أقاليم او طوائف او محافظات. والمؤشرات التي تأتي على ذكرها وكالات الأنباء والمصادر والمرئيات ليست مفتعلة وأحيانًا تكون المعلومات أقل بكثير من الفظائع التي يعيشها العراق.

حال أفغانستان أيضاً ليست أفضل من فلسطين ولبنان والعراق. فالحال الأفغانية افغانية فعلاً. فهذه البلاد التي عانت سلسلة حروب واحتلالات وانقسامات وانشقاقات منذ نهاية سبعينات القرن الماضي وصلت الى قعر التخلف ولم يعد بالامكان انتشالها من الحضيض بعد ان حطمت الحروب كل ما تملكه من بنى حجرية وعلاقات بشرية يمكن الاعتماد عليها لاعادة تأسيس دولة تمثل كل القوى والجبهات والجهات والقبائل.

الحال العربية/ الاسلامية ليست جيدة وهي أسوأ بكثير من أوضاع الولايات المتحدة في المنطقة. وربما تكون واشنطن ارتكبت كل هذه الأخطاء عن عمد وربما تكون خططت للفشل وربما تكون لجأت عن قصد الى سياسة التقويض وترك العلاقات الأهلية تأخذ مداها النهائي للتصادم وثم التفجر تلقائيًّا. كل هذه الأمور يمكن وضعها كفرضيات سياسية إلا أن الواقع يشير الى أن التعارضات الأهلية تتجه سلبياً وتبتعد رويداً عن النقاط الايجابية. وهذا يمكن مراقبته جيداً من خلال الانزلاقات السياسية في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان. فكل الكلام يؤكد وجود انقلابات اجتماعية في علاقات القوى والاطياف والطوائف والمناطق. وهذه الانقلابات الاجتماعية فرضت بالقوة من الخارج ورسمت حدودها وفواصلها بواسطة الضغوط الدولية سواء عن طريق قرارات صدرت عن مجلس الأمن أو من خلال استخدام القوى الجوية والصواريخ. وحين تتأسس الانقلابات الاجتماعية واقعياً يصبح بالامكان تنفيذ الانقلابات السياسية وهذا الاحتمال ليس مستبعداً حدوثه.

الصورة الأميركية السلبية مركبة من عناصر متنابذة. وهي ليست بعيدة عن الواقع. ولكن الفارق هو ان قوات الاحتلال مؤقتة وتستطيع التخفيف من وجودها او تجميع عناصرها في قواعد عسكرية او مهابط طيران او الانسحاب اذا اقتضت الضرورة بينما التعارضات الأهلية التي تقوم على استقطابات طائفية ومذهبية ومناطقية لا تستطيع الهروب كلها ولا تملك ايضاً امكانات مغادرة امكنتها بالسهولة التي يمكن ان تتحرك بها الجيوش. وهذا الفارق بين الأزمتين يعني ان الحال العربية/ الاسلامية ليست بالضرورة جيدة اذا كانت حال الولايات المتحدة سيئة. فهذه لا علاقة لها بتلك، وبالتالي فإن احتمال فشل أميركا في مشروعها لا يعني امكان نجاح القوى المضادة للمشروع الاميركي في تحقيق برنامجها. فالواقع في النهاية اقوى وهو الذي يرسم على الأرض حدود الهزيمة والانتصار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1494 - الأحد 08 أكتوبر 2006م الموافق 15 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً